مع “آل محمود”… في إعادة تأهيل «منبر الدوحة» ضمن مسارين للسلام الشامل في السودان

محجوب حسين

استقر «ترمومتر» القياس السياسي ? على الأقل راهنا- في الصراع بين الحكم والمعارضة السودانيين، لحل إشكاليات أزمات العيش المشترك بين فسيفساء شعب بلاد السودان، استنادا إلى الوثائق المعلنة بين الطرفين، أو قل الأطراف، على آليتين نهائيتين، تتمثلان في تقنية الحوار السياسي بين الأطراف مجتمعة، وفق شروط مُتفق عليها، أو «الانتفاضة» الشعبية.

هاتان الآليتان، هما آخر حصاد منتجات الصفوة السياسية التي بيديها أدوات الصراع، أو كما هي تحسب ذلك، بشكل واقعي أو افتراضي لإنهاء الديكتاتورية، مؤسسات وأفرادا، مع الإشارة إلى أن التصورات الافتراضية في الحقل السياسي السوداني عديدة، التي لولا كمها، لما مكث نظام الاستبداد أكثر من ربع قرن، ويمضي بارتياح نحو الثُلث من القرن، كعمر زمني، وبلا شيخوخة وبدون تهديد جدي واضح، والخوف في حال كهذا أن يصبح مصير الحكم والمعارضة السودانيين، كمصير الحكم والمعارضة الإيرانيين، الأولى مستقرة ، وبات لعبها مع الكبار وتوازنات القوى الإقليمية، فيما الثانية لا أثر لها، مكتفية بالتظاهرات الموسمية، كمنظمة «خلق» واحتفائها السنوي بباريس، ويأتي هذا، رغم مفارقة بنيات تكوين مجسمات المشهدين وأسس حِراكهما، أعني الإيراني والسوداني. مع الأخذ في الاعتبار، أن النظامين لا تهزمهما الشعارات مهما كانت ذات مغزى، أو الإنشاء السياسي المصاحب لها، بدون فعل باهظ وعال، يدفع ثمنه الجميع، متساوين ومجتمعين، وليس بالضرورة أن يكونوا مُتحابين أو مُتعارفين، فجبهة الاستبداد الإسلاموية مستمرة في الحكم، بفلسفتها المبنية على احتكار القيمة المادية لكل نتاج القيمة السوداني، تُحصد من خلال متاجرتها بالقيم الروحية، الغنائم المادية، للفائدة الخاصة والأسرية والجمعوية، لمعشر «النازيين السُمر والسمراوات»، وبسياسة فساد فاضحة، لا يوازيها غير هرجلة الرئيس نفسه، الراعي الرسمي الموقر- عند العصبة ? لعرش السرقة الموصوفة ونهب الخيرات بدون مساءلة. والمؤسف أن السودانيين غلبهم توقيف سارقيهم وجلاديهم.!

الآليتان المشار إليهما، الأولى ، فرضتها أوضاع اقتصادية صعبة ترتقي لدرجة إفلاس الدولة التي باتت تستثمر في جنودها بالخارج، مقابل سندات مالية، فضلا عن حصار وضغوط دولية وإقليمية، آخرها قرار مجلس السلم والأمن الأفريقي رقم 539 وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2046، اللذان بموجبهما كان افتتاح منبر «أديس أبابا»، تحت مظلة الاتحاد الأفريقي، برعاية رئيس الآلية الأفريقية رفيعة المستوى، رئيس جنوب أفريقيا السابق ثابومبيكي، الذي يحمل تفويضا دوليا لحسم الصراعات السودانية، حيث حدد في قراره أجل الـ90 يوما ? التي شارفت على النهايات ? للخرطوم، قصد المثول والإذعان لشروط ترتيبات المؤتمر التحضيري/ الإجرائي للحوار السوداني بمقر الاتحاد الأفريقي، تلبية لمطلب القوى الوطنية المعارضة، وهو المطلب الذي قابله النظام بتعنت وتجاهل وتكريس لسياسات الأمر الواقع، وبعمل استفزازي مضاد، افتتح على إثره الرئيس السوداني وبشكل موازٍ، أشغال ما سمي مؤتمر الحوار الوطني بالداخل، ومع الحزب الوطني الحاكم نفسه الذي يرأسه هو، ومعه يرأس الدولة والنظام المختلف حولهما، ليرأس هو ذاته مؤتمر الحوار مع حوارييه، وبفنون أستاذية عالية، جعل من الأمر، مهرجانا للألعاب، ليفرغ معه مفهوم الحوار من أي دلالة مفاهمية أو إعراب، ناهيك عن ممارسته. والقصد هو استباق سياسي معوج لحسم الصراع القائم ما بين دعوات حوار الداخل والخارج، والعجلة بإعادة إنتاج نفسه ضمن مخرجات حوار الداخل وبشروطه.

أما الآلية الثانية رغم كونها مبنية للمجهول، إلا أنها حتمية واقعة لا محالة، وتتمثل في «الثورة» الجماهيرية السودانية، التي تُخفف حمولتها في النصوص السياسية بمفهوم «الانتفاضة»، هذه الآلية تطرحها قوى المعارضة، كمعامل توازن قوى سياسي، مع توافر شروط فعلها الموضوعي على مدى أكثر من عشرين عاما، إلا أنها لم تقع، كما ألا أحد، يُجزم القول بامتلاك مفاتيح اندلاعها، لتتحول إلى خطاب سياسي، لا يتجاوز دائرة البراغماتية والاستهلاك اليومي، خصوصا والحكم السوداني يعتبره «مُلهاة»، قد توفر الاستئناس لقوى المعارضة مع نفسها أو مع بعضها بعضا أومع جماهيرها. هذه المحصلة تتطلب وبإلحاح من القوى المعنية فتح مساءلات وبلاغات جادة حولها، بدون الركون ليوتوبيا التاريخ السياسي الثوري الغنائي الجميل، حيث الشعب لم يعد هو الشعب نفسه، ولا الدولة هي ذاتها، كما العقل، دينموالفعل عند أحزمة القوى الديناميكية النشيطة لم تعد هي كذلك. عوامل كثيرة، متداخلة ومتقاطعة، تحتاج لاستنطاق وتشريح حتى تتحول إلى فعل حقيقي، وإلا «فرية» أن «الربــــيع السوداني الإسلاموي» على غرار» الربيــــع العربي الإسلاموي»، وقع في السودان قبل أكثر من ربع قرن وانتهي كما يزعم إسلامويوالخــــرطوم، وبذلك، انتفت الحاجة والمبرر، بل، سجلنا سبقا «كعادتنا أو بالأحرى في «عاداتنا» المتفوقة في كل شيء، ونحن كما يقول المثل السوداني «محلك سر».

جدليات «الحوار» السوداني، وفق الخريطة المفترضة للآلية الأفريقية، تبدأ بإجراءات التحضير وضوابط الشكل الإجرائية والضمانات والتقييد وجداول التنفيذ والمواضيع، بمقر مباني الاتحاد الأفريقي بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، لتنتقل بعدها إلى داخل البلاد للعمل بناء على موجهات المؤتمر التحضيري بمباني الاتحاد، ومن ثم تناول العناوين الكبرى لمجموع القضايا، محل تراكم رأسمال الفشل، وتشمل التاريخية منها والسياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية، قصد رسم مستقبل وتعريف جديد لماهية السودان وحسم جدلية إمكانية العيش المشترك أو من دونه، والوحدة الطوعية من عدمها? إلخ من الإشكاليات البنيوية الأخرى، للوصول إلى عقد اجتماعي جديد، قوامه مشروع وطني سوداني أساسه وأسه، مبدأ المواطنة والدولة المدنية وتحديد العلاقة الواضحة بين الدين والسلطة ودولة الحق والقانون والمؤسسات الدستورية الديمقراطية ومفهوم التعددية والتنوع ومشروعية الاختلاف، كممارسة وحق دستوري، وتجريم كل سلوكيات العقل والثقافة النمطية الإقصائية السودانية، جاءت في شكل أدب أو سلوك، أو ثقافة أو خطاب. والأهم تقديم اعتذار تاريخي للشعوب السودانية، كأهم استحقاقات العهد الجديد بعد نصف قرن من «سيادة» أدوات الهيمنة وإلغاء الآخر، التي جاءت مباشرة بعد إعلان الاستقلال من الكولونيالية الخارجية. هذه التسوية السياسية التاريخية إن وقعت لا تستثني الإسلامويين ضمن المعادلة الكبرى.

وبموازة العناوين الكبرى المشار إليها آنفا، ثمة معضلات أخرى ذات ارتباط عضوي بمسار السلام الشامل، تتعلق بقضايا المناطق المتضررة من فعل المقاومة العسكرية الوطنية ضد النظام، هي محددة وفق جداول التفاوض في قضية المنطقتين « النيل الأزرق وجبال النوبة»، وقضية دارفور، التي ظلت تراوح مكانها منذ اتفاق «أبوجا» إلى اتفاق «الدوحة «، مرورا بكليشهات الاتفاقات والتفاهمات الداخلية التي لا يعرف النظام عددها ما دامت هي هواية مستحبة.

يفهم على نطاق واسع، أن منبر «أديس أبابا» ، أُسس وفق قرار دولي وإقليمي، لحسم الصراع بين الشعبية والخرطوم، ومن ثم كانت هي النافذة التي وجدتها الوساطة قصد ترتيب إجراءات الحوار الوطني كأولوية تدعمها القوى الدولية والإقليمية وبعض من قوى المعارضة المدنية، كما يبدو أن المطلوب من قوى كتلة المقاومة السودانية في دارفور حصرا «وقف العدائيات» علي سبيل الحصر، كما هي واضحة من إشارة رئيس الوفد الحكومي في هذا المسار «ليست هناك عدائيات وانحسرت المقاومة في دارفور»، وهذا يبين أن شرعية القضايا لا تتحدد في مشروعيتها بقدر ما تحددها قوة العنف.

في تقاطعات وتجاذبات صناعة السلام في السودان وقضاياه العالقـــة يبقــــى مفـــيدا أن تتم «إعادة تأهيل» منبر الدوحة لسلام دارفور مجددا، وفق شروط السلام الشامل في السودان، بما يتناسب مع المعطيات الجديدة ودور جديد «لأل محمود» مسؤول الملف، بدون الحديث عن نتائج اتفاق تم توقيعه، انتهت آجاله ويخضع لجراحات سياسية قصد تكملة سيناريو الفشل القائم في معالجة قضية امتدت حتى اللحظة أكثر من عـقــــد، وبالتالي في هكذا حال لا ضير أن يكون هناك منبران لحل القضايا العالقة، منبر «أديس أبابا» ومنبر «الدوحة»، على أن تتلاقى فعاليات المنبرين ضمن قضايا الحوار التحضيري والعناوين الكبرى في البلاد مع شركاء الحقل السوداني، ونعتقد أن الدوحة مستعدة لتقديم مراجعات حول ملف دارفور بالنظر إلى واقعية النتائج التي أتت عكس التوقعات لغياب أصحاب الشرعية الثورية الحقيقيين.
٭ كاتب سوداني مقيم في لندن
نقلا عن “القدس اللندنية”

تعليق واحد

  1. والله يا اخوي حقيقة لله كلامك ده مامهضوم كلو كلو…انت مالك بتعقد الامور كده ?? بعدين الدوحة دي منبر لايتناسب مع مشكلة دارفور بتاتا لا جغرافيا ولا معنويا…من قاصرها كده امشوا كملوها في ابوجا !!

  2. لعنة الله علي قطر وعلي حكام قطر في الدنيا والاخره
    من يوم تدخلت في مشاكلنا وأمورنا اصبحت أكثر تعقيدا
    فلا أموالها حلت مشكله ولا لصوص الانقاذ شبعوا واكتفوا
    من أكلها والعرب المغفلين في قطر متخيلين انهم عندما
    يشبعوا ستحل المشاكل .!!!!!!!!

    ياأهلنا في دارفور وفي كل شبر تدخلت فيه قطر ….
    العنوا قطر وشيوخها وموزتها في كل صلاة وكلما ذكر اسمها امامكم.!!!

  3. لعنة الله علي قطر وعلي حكام قطر في الدنيا والاخره
    من يوم تدخلت في مشاكلنا وأمورنا اصبحت أكثر تعقيدا
    فلا أموالها حلت مشكله ولا لصوص الانقاذ شبعوا واكتفوا
    من أكلها والعرب المغفلين في قطر متخيلين انهم عندما
    يشبعوا ستحل المشاكل .!!!!!!!!

    ياأهلنا في دارفور وفي كل شبر تدخلت فيه قطر ….
    العنوا قطر وشيوخها وموزتها في كل صلاة وكلما ذكر اسمها امامكم.!!!

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..