مفوضية الفساد

رأي

مفوضية الفساد

محمد عيسي عليو

٭ لقد طفح موضوع الفساد، واتسعت دائرة النقاش حوله في الآونة الاخيرة، وبالذات في بلادنا السودان، ولقد تناولته أكثر من مرة في صفحات هذه الصحيفة (الغراء). وقبل أسبوعين تقريباً كان مقالنا رداً على حديث الأخ الفريق صلاح عبد الله محمد (قوش) الذي قال فيه إنه ضد الفساد والمحسوبية والتشرذم، وحسناً فعل السيد رئيس الجمهورية في إمعانه رفض الفساد ومطالبته بمحاربته في الحديث المتلفز له أخيراً، وهذا يؤكد أن الاقلام الحرة لن تذهب جهودها هدراً كل مرة، اذا ما تناولت القضايا التي تهم الأمة، بل ذهب الرئيس في وجوب إنشاء مفوضية تتكون من شخصيات قومية لمحاربة الفساد.
وجزى الله الأخ الرئيس خيراً في هذا المنحى، بل اؤكد أن الوقت مناسب جداً لانشاء آلية ليست لمحاربة الفساد فحسب، بل محاسبة الذين اغتنوا من حق هذا الشعب المسكين الذي كله معلق على رقبة السيد الرئيس يوم القيامة، وفي ذلك اليوم أيضاً كل من سرق شيئاً من هذا الشعب سيعلق له هذا المسروق في رقبته، حتى ولو كان ذلك الشيء عمارة ابتناها السارق من قوت الشعب.
فلنعتبر أن هذه الآلية المحاسبة للفساد قد أنشئت، فلا بد لنا إذن من مساعدتنا لها بتقديم الاقتراحات البناءة حتى تقوم على ساقيها وساعديها، دون المرور بمراحل الحبو والزحف على البطن، وعندما تنهض تجد البلاد يبابا وخرابا، لذلك أقول الآتي: أولاً لا بد من مراجعة إقرارات الذمة التي أنشأت قرارها حكومة الانقاذ في ايامها الاولى، واعتقد أن هذا القرار مازال ساري المفعول، فلننظر من الذي ملأ هذا الإقرار ومحاسبته بموجب إقراره الذي ملأه. واذا اتضح أن بعض الدستوريين لم يملأوا هذا الإقرار فلا بد من انشاء لجنة فنية لمراجعة وضعه قبل تسلمه المنصب، وأول من يعرف عنه ذلك الجيران، بل يفتح الأمر لمن يعرف عن هذا الدستوري شيئاً بعد أداء القسم لكل مُبلغ.
ثانياً مراجعة الحسابات البنكية في داخل وخارج السودان وسير حركتها.
ثالثاً: هناك من المفسدين من تخفى في أسرته واقربائه، فلا بد مراجعة أسرة كل دستوري تدور حوله شبهة الفساد.
إن الشرائع السماوية كلها والقوانين الوضعية لا تجيزاً أبداً أكل أموال الناس بالباطل، ولنا بوصفنا مسلمين في غالبيتنا وسودانيين، أسوة حسنة في القرآن وسيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وسيرة الصحابة الأجلاء في محاربة الفساد ومحاسبة المفسدين، والقصص والعبر والدلائل كثيرة لا يتسع المقال لذكرها، ولكن هنا أشير فقط للاحتراز من مغبة الوقوع في الفساد، فسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم مات وسيفه مرهون ليهودي لأنه استدان منه، وكان يمكن لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أن يمد يده لمال بيت المسلمين، ولكن حاشاه صلى الله عليه وسلم، اما سيدنا أبو بكر الصديق فقد تقيأ لقمة أكلها من مال حرام جاء به خادمه، فلما علم تقيأ تلك القمة حتى خرجت من بطنه، وسيدنا عمر بمجرد ان رأى إبل ابنه عبد الله احسن حالاً من الابل التي في السوق قرر بيعها واعطائه رأس ماله فقط، والارباح أرسلت لبيت مال المسلمين، لأنه اعتقد أن الناس افسحت الفلوات لعبد الله على اعتبار انه ابن أمير المؤمنين، لأن كل البهائم ضعيفة مقارنة بإبل عبد الله بن عمر، ورغم مبررات عبد الله إلا أن امير المؤمنين صادر ارباحها خوفا من استغلال اسم أمير المؤمنين.
واذا اعتبرنا ان هؤلاء صحابة عاشوا في كنف الرسول صلى الله عليه وسلم، فهذا عمر بن عبد العزيز الذي عاش بعد أكثر من ثلاثين سنة من وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم يطفئ السراج الذي كتب به خطاباً رسمياً، وعندما سُئل لماذا يبقى ومن معه في الظلام، رد قائلاً إن هذا الزيت يتبع لبيت المال، فلا يجوز أن نبقى على نوره في جلساتنا الخاصة، ولماذا نذهب بعيداً، ففي عهدنا الوطني الاول بعد الاستقلال ورغم أخطاء الساسة الكثيرة، إلا انهم كانوا يتعففون من الاقتراب من أموال الشعب والامثلة كثيرة، ولكن في المذكرات أن الرئيس الازهري لم يوجد في حسابه إلا جنيهات معدودة، وان الرئيس عبود تعفف من أن يأخذ نثرياته عندما زار الاتحاد السوفيتي، وعندما رُوجع بأن اللوائح تسمح بذلك، قال ولكن الذوق السليم لا يسمح بذلك. ومن عجب فإن أحد الإخوة افتخر وقال إن منزله بناه من نثريات السفر! هذا من حقه، ولكن هل يجوز إعلان ذلك، وهل النثريات مهما زادت تبني منزلاً من ثلاث طوابق، وقد شاهدت ذلك المنزل بأم عيني، وازيد واقول إن السيد الصادق المهدي الذي بين ظهرانينا لم يأخذ فلساً واحداً من الدولة لا راتب ولا منزل ولا عربة، ولم لا وقد تتلمذ على يد الرعيل الأول.
نحن نقول هذا ولا يمكننا التعميم. فإن هناك أشخاصاً في عهد الانقاذ هذا، وجدتهم يطفئون المكيف اذا جلسوا في خلواتهم بعد العمل الرسمي، حتى لا يستغلوا كهرباء الدولة بغير حق، ومنهم من نعرف حتى هذه النثريات لا يأخذها. ومنهم من يخاف الله في هذا الشعب. ولكن كما قال المثل فإن البيضة الفاسدة أو البصلة الفاسدة تُزكم الانوف من نتانتها. وبما أن البيض الآخر أو البصل في كامل صحته وعافيته وطيبه، فلماذا لا تبعد الإنقاذ البيض الفاسد، فلا يصح أبداً أن يجامل الأمناء والمخلصون في دينهم وأخلاقهم السودانية، ويتركوا هؤلاء المفسدين بينهم حتى يخربوا عليهم سمعتهم أمام الله والناس، فيجب علينا جميعاً إنقاذاً ومنقوذين تأييد الرئيس في إنشاء آلية محاربة ومحاسبة الفساد. والله أكبر على المفسدين.

الصحافة

تعليق واحد

  1. يا اخ محمد الم تقرأ بيت الامام البصيري
    ولا تطع منهما خصماً ولا حكماً فأنت تعرف كيد الخصم والحكم

    وقيل في المثل لا يستقيم الظل والعود أعوج

  2. "الاخ الرئيس" لا جزاه الله خيرا فهو السبب ببلادته و عوارته و جهله في استشراء الفساد و الافساد الذي كان يتم تحت حمايته الشخصية كما راينا في فساد عبد الرحيم محمد حسين! مفوضية الفساد المزعومة لم يتم التحدث عنها الآن الا لذر الرماد في العيون بعد الثورات الشعبية التي اطاحت بالنظم الفاسدة و هي كلمة حق اريد بها باطل ليس الا و لم يرد بها الرئيس وجه الله و لا هو جاد في محاربة اي فساد لنه كان يري و يشارك و يحمي الفساد لاكثر من عشرين عام و لم يفتح فمه بكلمة فماذا استجد غي الثورات التي اطاحت بالفساد ؟ و هل كان الرئيس عميا عن تقارير المراجع العام و اطرش لم يسمع بها؟
    و هل ستقوم هذه المفوضية – اذا قامت اصلا – بمحاسبة من افسد ام ستعمل بعفا الله عما سلف؟ و هل يثق الناس في اي مفوضية ياتي بها النظام تحت مظلة متنفذيه الفاسدين المفسدين؟ و هل حقا ستحارب الفساد ام ستكون مجرد مناصب سيادية لمتنفذين جدد " ليشاركوا" السابقين في الغنائم و الامتيازات ؟ و هل سيتم محاربة اي فساد تحت ظل قضاء مسيس و محاكم حتي دستوريتها في جيب النظام؟ اما كفانا مفوضية الانتخابات؟!

  3. ياعمي عليو ناس الانقاذ اغلبيتهم هم اكثر فسادا في مال الشعب واكثر حكومه فاسدة مرت علي السودان لن تنفع الوصيه علي الميت ,

  4. شتان مابين العمرين يا اخي محمد عيسي فاليوم الزئاب طليقة وفي عهد عمر كانت ترعي الزئاب مع الاغنام

  5. وجود حريات شكلية وديمقراطية موجهة لمصلحة هذا الحزب أو ذاك, وسيادة البيروقراطية في العلاقة بين اجهزة الحكم والمجتمع وتفاقم الفساد المالي من النخبة الحاكمة والعائلات المنتمية لها وحواشيها وتعاظم الفجوة بين الحاكمين وغالبية فئات المجتمع وتعاظم الشعور بالغبن وعدم المساواة والتمييز لصالح كوادر الأحزاب الحاكمة وبعيداً عن مصالح المستقلين من بنات وأبناء الشعب الذين يشكلون الغالبية العظمى, وارتفاع عدد أصحاب الملايين في مقابل استمرار البطالة والفقر والفجوة المتسعة بين الأغنياء والفقراء, أي غياب العدالة الاجتماعية النسبية ونقص الخدمات, ستحول أي نظام سياسي ثوري إلى نظام معزول ومكروه من الشعب, وسيتحول الثوريون إلى أناس فاسدين غير مرغوب بهم, وسيجدون من يستطيع قيادة الشعب ضد الحكم القائم قصرت الفترة أم امتدت قليلاً. إليكم هذا النموذج الفعلي الذي رواه أحد الصحفيين الأجانب بهذه الصورة تقريباً:
    ** حين سأل الشاه الإيراني قبل سقوطه بفترة وجيزة أحد الصحفيين الأجانب عن الوضع في إيران, قال له الصحفي أن الغنى والفقر متفاقم في فجوته وأن الفساد منتشر في البلاد.
    ** سأل الشاه: ومن هم الأغنياء جداً؟ قال له إنهم من أفراد عائلتك وحواشيها.
    ** سال الشاه: أليس من حق أقربائي أن يعملوا ويغتنوا؟ قال له الصحفي نعم, ولكنهم يستخدمون قرابتهم لك واسمك في الاغتناء والفساد الجاري.
    ** سأل الشاه: وما العمل وكيف ترى الحل؟ قال له الصحفي: لا حل فقد فات الآوان, السقوط المرتقب هو الحل. وكان السقوط فعلاً!
    كاظم حبيب

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..