استعمار الدولار للسودان لم يقف على دمار الاقتصاد بل القيم والأخلاق

تناولت في أكثر من مقالة كيف إن إطلاق حرية الدولار والتي شهدها السودان تدرجت عبر ثلاثة مراحل أولها في عهد الديمقراطية الثانية التي شهدت إجهاض سلطة بنك السودان الذي عمل الانجليز على ضمان استقلاليته عن السلطة السياسية حتى تضمن إن أمره بيد مجلس إدارته ومحافظه من اجل حماية الجنيه السوداني حتى لا ينهار الاقتصاد السوداني وحتى يبنى على قدر إمكانات البلد وتوفير ضرورياته بأقل تكلفة من اجل المواطن وكان ذلك عندما عدل القانون وأصبح محافظ بنك السودان تحت سلطة وزير المالية رحمة الله عليه الشريف حسين الهندي ولم يكن هذا القرار وحده الذي هز أهم مكونات الاقتصاد السوداتى فلقد تم إجهاض استقلالية مشروع الجزيرة والسكة حديد صمام الأمان للاقتصاد إلا إن كلاهما تم إخضاعهما للسلطة السياسية ليصبحا تحت قبضة الوزير السياسي والذي يجهل حقيقة الوضع لاهتمامه السياسي وعدم أهليته الإدارية

وبما إني معنى الآن بالدولار فلقد كان ميسرا أمام السيد بدرالدين سليمان رجل القانون والذي حل وزيرا للمالية فى نظام مايو فاصدر قرارا ملزما لبنك السودان الذي أصبح تابعا له قرر فيه إلغاء رقابة بنك السودان على النقد لينتهي بذلك وجود الحارس الأمين لقيمة الجنيه السوداني مما دفع بقيمة الدولار لان ترتفع من انه كان لا يساوى أكثر من 35 قرش سوداني ليرتفع لستة وثلاثين ضعفا حيث أصبح يساوى 12 جنيه سوداني وحلت الطامةالكبرى بالجنيه في عهد السيد عبدالرحيم حمدي وزير المالية في بدايات النظام الحالي ومنظره الاقتصادي بحكم تأهيله إلا انه يومها لم يكن قادما للوزارة من وزارة المالية التي عمل فيها رسميا وإنما قدم إليها وزيرا من السوق بعد أن أصبح تاجرا وصاحب مصارف فكان يعانى من قبضة الأجهزة الحكومية على السوق وعلى رأسها وزارتي التجارة والصناعة فرفع يد الأجهزة الحكومية عن التحكم في سياسة الاستيراد حرصا على اماكانات السودان المحدودة وحفظا لقيمة الجنيه السوداني فأطلق ما اسماه السوق المفتوح ليحقق بذلك أن يستعمر الدولار السودان بكتابة نهاية قيمة الجنيه السوداني حتى بلغ سعر الدولار اليوم تسعة ألف ونصف جنيه سوداني(وهى الحقيقة بدون فهلوة) ليصبح السودان مستعمرة للدولار بعد أن هيمن على عقلية السوق سواء بالاتجار فيه أو بتوظيفه لكل أنواع السلع الصالحة والطالحة والفاسدة والمميتة دون أي رقابة عليه ليكتب بهذا نهاية النظام الاقتصادي رغم المظاهر الكاذبة التي تخدع الإنسان وأكاد اجزم لو إن السيد حمدي يومها
قدم لوزارة المالية وهو لا يزال يعمل بها لما قرر فتح الأسواق ورفع رقابة الأجهزة الرسمية عليه ولكنه قدم للوزارة من السوق

ولست هنا بصدد التفصيل فوقفتي هنا مع استعمار الدولار للجنيه السوداني الذي لم يقف على دمار الاقتصاد وفتح أسواقه لأسوا ممارسات التلاعب عبر الاتجار بالدولار المصدر الأكبر للثراء غير المشروع فان استعمار الدولار للجنيه افسد قيم
المجتمع بكلياته حتى أصبح الهم الأول منذ أن يفتح المواطن عينيه أن يتساءل ( كيف اليوم قيمة الدولار) حيث أصبح كل شى يقاس يوميا بهذه الفرية إلى صنعها الحكم الوطني حتى أصبحت أي سلعة وأي خدمة مهما كانت تبنى قيمتها على سعر الدولار اليوم وهو ما كان يعتبر مخالفة للقانون قبل أن تجهض الأجهزة الرسمية.

دفعني لإثارة هذا الموضوع وأنا ادخل إحدى الصيدليات طلبا لحبوب الضغط ولما جاء بها الصيدلي سألته عن السعر فكان أن توقف برهة وأدار رقم الهاتف يسال عن قيمة الدولار اليوم والمعنى به انه سيحدد قيمة السلعة وفق سعر الدولار اليوم (وطبعا لو انه وجد انخفاضا في سعره فانه لن يخفض سعر البيع) وبناء على المحادثة التلفونية أبلغني سعر البيع ولو انه يعلم أن تصرفه هذا كان سيقوده للسجن عندما كان القانون يسود تحت إشراف وزارة التجارة التي انتميت إليها لان سعر السلعة يخضع لتكلفتها عند استيرادها وليس بناء على سعر الدولار عند بيعها لهذا كان سيخضع لقسم رقابة الأسعار ليقوده للسجن وسحب رخصته التجارية. هكذا فسدت أخلاق السوق وخرج عن قيمه وعن رقابة القانون وأصبح كل شى يحسب بقيمة الدولار اليوم حتى لو كانت سلعة مستورد قبل عام من ذلك اليوم.

إنها أخلاقيات الدولار التي سادت اليوم كل أوجه السودان على الصعيد الرسمي والأهلي وأصبحت لغة السوق السائدة دون أي قيم أخلاقية بعد أن فسدت أخلاق المجتمع بعدان خضع لاستعمار الدولار .

ويا لها من مفارقة تعود أبى الذاكرة وأنا ادخل محل تجارى في لندن لشراء سلعة معينة فوجدت إن المخل يعرض نفس السلعة في نفس المكان بسعرين مختلفين فدهشت وسالت البائع فقال لي هذا السعر الأعلى هو الجديد الذي سنبيع به بعد أن تنفذ الكمية الأولى

(لا حول ولا قوة إلا بالله أين نحن من هذه القيم وهل هؤلاء هم الكفار وتحن المسلمون بعد أن أصبحت الحاكمية عندنا لأخلاقيات الدولار الذي أباح الثراء الحرام)
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. شكرا استاذنا النعمان علي هذه الايضاحات البينة وقد عشناها طلبة وموظفين ومشكلة حمدي انه حين فعل ذلك ما كان يعلم مستوي الخدمة المدنية بل هم فعلوا ذلك لكي يثروا ويتمكنوا وقد كتب عمي مصطفي خواجة في تلك الايام مطالبا عدم قتل الجمعيات التعاونية وها نحن اليوم نري ضعف جمعية حماية التي كانت ادارة متكاملة في وزارة التجارة ولكنها الانقاذ ما قتلت شئ الا رجعت اليه ولكن فوات الاوان وتبقي محنة الانقاذ الازلية والمتاهه الحقيقية انها اتت للحكم وهي لا تملك تجربة في الحكم او عن قيم الدولة وكل فهمهم منصب ان ادارة الدولة كما ادارة اتحاد الطلبة بالجامعه وهذا ما تنبه الية الاستاذ حسين بشير بجريدة الخرطوم بالقاهرة ولكنه كان اذانا في مالطا حتي وقعت الواقعة حتي اخرج المجتمع اثقاله وقالت الانقاذ ماله ……….. انها البلاه والتخبط هو اكبر دليل وفقدنا كل اليات وامكانيات الدولةى المدنية بعد تشظي الخدمة المدنية وهكذا تجمدنا لا استطعنا السير الي الامام ولا يمكن الرجوع لما كنا علية وهي المحنة التي لا تستطيع التحرك منها !!!

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..