المحافظون الاسلاميون الجدد

د.هاشم حسين بابكر

* اقترنت ثمانينات القرن الماضي بظهور تيار من الاسلاميين في الحكم ولأول مرة, في تجربة جديدة عليهم, كمآ وكيفآ,حيث استولوا علي الحكم عن طريق انقلاب عسكري, رغم انهم كانوا أبرز ضحايا الأنقلابات العسكرية بمختلف توجهاتها.
* وفي ثمانينات القرن الماضي, ظهر مصطلح المحافظين الجدد في الولايات المتحدة الأمريكية, ومحافظو امريكا الجدد لا يضمهم حزب واحد, بل هم منظومة من الحزبين الكبيرين, يقودون الشركات الكبرى, التي تتحكم في اقتصاد البلاد, حتي يكون دولة بينهم. ورغم ذلك لم يعملوا على تفكيك المجتمع وتشظيه, كما فعل المحافظون الاسلاميون الجدد في السودان. فقبل تفتيت المجتمع قاموا بتفتيت حزبهم , الأمر الذي اشعل بينهم حربآ, اول من عاني منها كان السودان, الذي اشتعل حروبآ, اضيفت الى حرب الجنوب, وتلك الخلافات كانت سببآ في انفصال الجنوب, وتلبية لرغبات المحافظين الجدد في أمريكا.
* فكرالمحافظين الاسلاميين الجدد كان محصورآ في الجامعات والمعاهد ومراكز الدراسات ولا زال, ولكنهم فقدوا القدرة على ترجمة فكرهم الى واقع عملي, وقد كانت علتهم في ضعف تواصلهم فيما بينهم, ناهيك عن تواصلهم مع مجتمعهم الذي يحكمون, يحدث هذا العجز في مجتمع يرحب اكثر ما يرحب بالاسلام.
*وضعف التواصل فيما بينهم, من جهة, وفيما بينهم وبين مجتمعهم, من الجهة الأخرى ، كان بسبب فقدانهم القدرة على ترجمة فكرهم عمليآ, الأمر الذي دفعهم إلى الاستيلاء على الحكم بقوة السلاح. والسلاح لا يحمل فكرآ, ووجود أحدهما ينفي وجود الآخر.
* وفي اعنقادي أن المحافظين الاسلاميين الجدد ما عادوا سوى تاريخ غير محبوب لدى قاعدة كبيرة من الشعب, رغم توافرهم المكثف في الجامعات ومراكز الدراسات كما ذكرت. فمنذ اليوم الأول للانقلاب انقطعت الصلة بين القاعدة والقيادة, والتي كان الطلاب همزة وصلها, التي كانت تمشي في الأسواق تختلط بالمجتمع وتتفاعل معه, وتشاركه الفرح والحزن, وتركب معه المواصلات العامة, وغالبآ ما تمشي قيادات الطلاب راجلة. واليوم تمتطي تلك القيادات صهوة السيارات الفارهة التي باعدت بينهم وبين قواعدهم الطلابية, ناهيك عن مجتمعهم, الذي انعزلوا عنه تمامآ.
* فكر المحافظين الاسلاميين الجدد في وعاء أوسع, وأي وعاء اوسع من وعاء الاسلام؟ فكان المؤتمر الوطني, والذي سرعان ما تبين لهم عدم صواب الفكرة, فانشطر الى اثنين, بسبب خلافات في النفوذ, وبدأت الخلافات تطفو على السطح. وتم إحياء ما عرف بالحركة الاسلامية, والتي يقال انها حُلَّتْ بعد الانقلاب بفترة وجيزة. ولكنها ظهرت بعد الانشقاق باعتبارها الموجه الروحي للمؤتمر الوطني, رغم انها غير مسجلة لدى أي سجل قانوني, وأقرب إلى التنظيم السري منه الى العلني, فمؤتمراتها تعقد في سرية تامه وخارج العاصمة. وحتي هذه وضعت المؤسسة الرئـآسية يدها عليها, لكسر نفوذ المحافظين الاسلاميين الجدد, ووضعهم تحت الرقابة اللصيقة.ومن غريب ما حدث أن آخر مؤتمر لهذه الحركة توج بمحاولة انقلاب عسكري من بعض أعضاء ذات الحركة.
* هنالك فرق كبير ما بين المحافظين الجدد في امريكا والمحافظين الاسلاميين الجدد في السودان, والفرق هنا يتجلي في ان محافظي امريكا يعيشون في تناغم فيما بينهم, رغم اختلاف أحزابهم, فهم من يختارون الرئيس ويتم هذا في قالب ديموقراطي, ومهرجان انتخابي يشغل العالم بأسره, ورغم هذا المهرجان الديموقراطي, فان مصالحهم تبقي خطآ احمر لا يجرؤ كائنآ من كان على تجاوزه. وحتى ان اختلفوا مع الرئيس في أمر ما, فالخلاف تجري تسويته بصفقة مع الرئيس الذي لا يجد مخرجآ سواه, فيقبل الصفقة. والصورة تختلف تمامآ عند المحافظين الاسلاميين الجدد في السودان, فقد وضعوا أنفسهم في وضع لا يسمح لهم بعقد صفقات, بل وأكثر من ذلك حيث أصبحوا في موقف لا يحسدون عليه, فقد تحكمت فيهم الرئاسة تمامآ, وتحولوا من مفكرين الى منفذين لتعليمات الرئاسة, وليس لهم خيار فيما اختير لهم.
* ورغم أن الاسلام دين يجمع الا ان الاسلاميين تفرقوا, لا عن اختلاف في العقيدة انما اختلاف في المصالح, وهذا ما استثمرته المؤسسة الرئآسية لمصلحتها, فقبضت بكل خيوط اللعبة بيدها, وأصبح الاسلاميون الجدد, مجرد بيادق في يد المؤسسة الرئاسية تضعها حيث تشاء.
* ورغم كل هذا فإن المؤسسة الرئاسية لن تستغني عنهم, فقد دجنتهم وأعادت صياغتهم, ولن أستغرب أبدآ اذا عاد المبعدون لكراسي الحكم مرة اخري, في صورة مطيع ذليل, يفعل ما يؤمر ويسبح بحمد الرئيس, والذي لن يجد خيرآ منهم ليقوم بهذا الدور. فهم بهذا يحافظون على مصالحهم, ببقائهم على الكرسي, لا يغفلون لحظة عن التسبيح بحمد الرئيس, الذي بدوره يحافظ على كرسيه ومصالحه في آن. ورغم أن الطرفين لا يطيق احدهما الآخر الا انهما لا يستطيعان الحكم منفردين.
ويمضي مسلسل الفساد في حلقة قديمة جديدة.

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. تحليل جميل ومنطقى وهذه هى عيوب الايدلوجيه السياسيه الغزره شكرا لك يا دكتور هاشم

  2. تحليل جميل ومنطقى وهذه هى عيوب الايدلوجيه السياسيه الغزره شكرا لك يا دكتور هاشم

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..