مقالات سياسية

متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟

أسامة ضي النعيم

ذلك مقال الفاروق سيدنا عمر بن الخطاب في وجه عمرو بن العاص حاكم مصر، القصة مبذولة في الكتب والشيخ قوقل لا يقصر، باختصار كانت المناسبة أن اشترك ابنُ لعمرو بن العاص مع غلام من الاقباط في سباق للخيول ، فضرب ابن الامير الغلام القبطي اعتمادا علي سلطان أبيه والي نهاية القصة والعنوان هو هتاف سيدنا عمر – رضي الله عنه – في وجه الامير.

المناسبة هو الجدال الذي يدور في السودان ورغبة مناصرين للحكم العسكري يودون عودة البشير الي الحكم ، الشعب السوداني ظل تحت الحكم العسكري لفترة اثنين وخمسين عاما من مجموع خمسة وستين عاما منذ الاستقلال ، اذا أخذنا فترة حكم مايو نجد سيطرة حزب الاتحاد الاشتراكي في أغلب الستة عشر عاما من حكم نميري ، كما بدأ عهد نميري بسيطرة أحزاب عقائدية يسارية من شيوعية الي بعثية وناصرية وانتهي بعد المصالحة في عام 1977م بسيطرة حزب تنظيم الاخوان بعقيدة شريعة مدغمسة كما يصفها البشير ، لمركزية القرار عند الحاكم العسكري فقد قاد النميري السودان في تحالفات من الاتحاد السوفيتي العظيم – كما يحلو للنميري النعت – ثم الي التكامل السوداني المصري الليبي ، ارادة الشعب السوداني غابت تماما في تلك الاحلاف ، ولم توضع الية لإشراك الشعب في تلك القرارات المصيرية ، مثال تقسيم الاقليم الجنوبي بعد اتفاقية أديس أبابا في عام 1972م بقرار من نميري يقف شاهدا علي استعباد الناس وفرض ارادة الحاكم ، ارتد القرار بهزات اعادت التمرد في جنوب السودان بصورة أكثر شراسة في عام 1983م.

حكم العسكر بقيادة تنظيم الاخوان هيمن لثلاثين عاما ، الدمار شمل كل مؤسسات الدولة ، لا أود تكرارحوادث نهب المشروعات الناجحة التي تركها الاستعمار الانجليزي ، تقسيم البلاد، مشروع الجزيرة ، السكة حديد ، الخطوط الجوية السودانية والبحرية ، نهب أراضي حكومة السودان ورهنها للبنوك أو بيعها الي دول وشركات أجنبية بعقود ايجار تصل الي مائة عام . التمكين الذي مارسه تنظيم الاخوان ذهب الي أبعد من ذلك ، أوجد فئة من أغنياء الحرب تحصنوا بقوة وسلطان البشير ، صارت عندهم أموال وأملاك الدولة هي خاصتهم وحلالهم يفعلوا فيها ما يشاءون دون مساءلة ، تدمرت الاخلاق والذمم بفعل تمكين تنظيم الاخوان ، لخص البشير آثار التمكين حيث قال أن مفاصل الدولة أصبحت في يد الاخوان ، محاولات عودة تنظيم الاخوان اليوم يرجع الي ما لحق المتنفذين من عضويته بفعل قرارات استرداد الاموال و تفكيك التمكين ، الصراع في شرق السودان يدور حول تثبيت أموال بعض المتنفذين الذين حصلوا علي تسهيلات بنكية غير مستردة وأموال من صندوق اعمار الشرق حولوها لمصالحهم الخاصة.

تلك اضاءات بسيطة تلقي الضوء علي أثار الحكم العسكري علي السودان ، تغييب المجالس التشريعية الفاعلة ، تدجين الصحافة والأعلام وإخراجها من المشهد كسلطة رابعة و استخدامها بوقا ومزمارا يمجد العسكر وحكمهم ، في تجربة الاخوان أضافوا الي الكيل حمل أكثر من بعير حيث ادخلوا بيوت الاشباح سيئة السمعة وأساليب التعذيب من دق المسامير في رؤوس الخصوم الي اغتصاب الرجال منهم ، هو استعباد للإنسان السوداني لم يتعرض له في تأريخه.

من يطلب العودة الي الحكم العسكري يجرم في حق المؤسسة العسكرية أيضا ، نخبة فقط هي التي تمارس الحكم باسم المؤسسة العسكرية ، تذيق المعارض من العسكريين والمدنيين الويل والثبور وتسكنه بيوت الاشباح ثم تقبره في وادي الحمار ولربما في قليب وقبل أن تخرج روحه من الجسد .
الحكم المدني لا يعارض تعاطي العسكري طموح العمل السياسي والتطلع الي المشاركة في حكم السودان ، فقط تلزمه القوانين باحترام شرف العسكرية وخلع بزتها القومية ثم الدخول في معترك السياسة للتنافس مع بقية أفراد الشعب ، المدنية في الحكم تقدس المؤسسة العسكرية وتثمن رجالها من قادة وجنود الي كبار الجنرالات وتحاول الحفاظ علي وضعهم كما البيض المكنون.

حكم السودان بين المدنية والعسكرية موضوع شيق ويحتاج الي مناظرات سياسية لتعريف شباب اليوم بنقطة مقرن المسارين ، الاستقطاب الحالي بين المعسكرين خلق فجوة عداء وصور الامر كما النقيضين ، المدنية في الحكم هي استيعاب الجميع وفق مساهمتهم في بناء الوطن يتوزعون في حضن مواعينهم التخصصية ، الجيش هم تخصص قي حماية الوطن وجميعهم حزب السودان ولا يجب أن تختطف القوات المسلحة فئة بعينها وتسخرها لخدمة مصالحها الخاصة.متي استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا تبقي مؤشرا الي أن الاصل في الحكم هو المدنية والمساواة بين حقوق ابن القبطي وابن الامير المسلم .
[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..