
_ عندما تسقط القناعة بالعدل تصبح في النفوس شيء من حتى وفيض من الغبن مدمر وكراهية قاتلة وتململ مفضي لكارثة فالعدل ركيزة أساسية لتنظيم الدولة وحق مشروع للجميع وأساس لاستدامة الحكم وسبب لازدهار الوطن، وغيابه يعني انهيار كامل لقيم الحق وتفشي لظواهر العنف فالمظلوم لن يتوانى في الدافع عن حقوقه المسلوبة والبحث عن تحقيق العدالة بكافة الطرق للحصول على مايريد ولرفع مظالمه.
_ لقيام دولة راسخة لابد من عدالة ناجزة تبين الحقوق وتزيل ترسبات الظلم وتبني قواعد المساواة فلا دولة آمنة ونياب الظلم تقهر وتنتهك مبدأ العدالة وغياب الإرادة في رفع الظلم يولد غبن يشعل الأحقاد ويزكي في النفوس الحقد، أن أول ركيزة لبناء وطن هي الحق الأصيل لكافة أبناء الوطن بكافة انتماءاتهم وسحناتهم ودياناتهم بالمساواة والعدالة في كل شيء.
_ وخزة:
وأهم من ظن أن القهر وسياط الظلم تصنع دولة آمنة وترسي نظام حكم مستدام والوطن الذي لا يحرسه العدل لن ينام جفنه والمظلوم عندما يفقد الثقة في العدالة لن يتوانى في تدمير وطنه وما أزكى الأحقاد وأشعل نار التمرد الا غياب العدالة الاحساس بالظلم.
د٠الفاتح خضر رحمة
[email protected]
أزكى الأحقاد وأشعل نار التمرد
أذكى الأحقاد وأشعل نار التمرد
كان نصر بن سيار آخر ولاة الأمويين على خراسان في أواخر العقد الثاني وأوائل العقد الأول من القرن الثاني للهجرة، وكان والياً محنكاً حازماً. فاستشعر بوادر الانفجار ونذر الخطر وكتب إلى يزيد بن عمر بن هبيرة والي العراق في تلك الأيام، يعلمه في أبيات من نظمه ما شاع بخراسان من الاضطراب في العامين الماضيين، ويحذره من خطورة الوضع، ويصارحه أنه إذا استمر في التدهور ولم يعالج معالجة حازمة، فأنه سيؤدي لا محالة إلى عاقبة وخيمة وكارثة عظيمة، ولما كان والي العراق مشغولا بمجالدة الخوارج في العراق فاستغاث بآخر خلفاء بني أمية في دمشق مروان بن محمد. وأعلمه حال أبي مسلم الخراساني، وخروجه، وكثرة من معه، ومن تبعه. وأخبره بغوائل الفتنة القائمة ودواهي الكارثة القادمة، إن لم ينجده بمدد من عنده. فكتب ينذره ويحذره شعراً:
أرى تحت الرماد وميض جمر ويوشك أن يكون له ضرام
فإن النار بالعودين تُذكى وإن الحرب مبدؤها كلام
فإن لم يطفها عقلاء قوم يكون وقودها جثث وهام
فقلت من التعجب ليت شعري أأيقاظ أمية أم نيام
فإن يقظت فذاك بقاءُ مُلكٍ وإن رقدت فاني لا أُلام
فإن يك أصبحوا وثووا نياماً فقل قوموا فقد حان القيام
ففرّي عن رحالك ثم قولي على الإسلام والعرب السلام
ولكن الاقتتال بين القيسية واليمانية حصل في نفس الفترة وانشغل الخليفة في انهاء الاقتتال عن نصرة واليه نصر بن سيار. وعندما قطع الأمل وفقد الرجاء فأخذ يبث همومه وشجونه إلى العرب في المدينة، محاولاً أن يستثمر نخوتهم الدينية وعزتهم القومية وناشدهم أن يكفوا عن الاقتتال فيما بينهم وأن يجتمعوا على كلمة سواء، توحد سواعدهم وقلوبهم للوقوف بوجه أبي مسلم وخطره الذي أصبح يهدد وجودهم ومصيرهم فكتب يقول شعراً:
أبلغ ربيعة في مرو وإخوتها أن يغضبوا قبل أن لا ينفع الغضبُ
و لينصبوا الحرب إن القوم قد نصبوا حربا يحرق في حافاتها الحَرَبُ
ما بالكم تلقمون الحرب بينكم كأن أهل الحجا عن فعلكم غُيُبُ
وتتركون عدواً قد أظلكم فيمن تأشبَ لا دين ولا حسبُ
ليسوا إلى عرب منا فنعرفهم ولا صميم الموالي إن هُمُ نُسبوا
قوم يدينون ديناً ما سمعت به عن الرسول ولا جاءت به الكتبُ
مَمَنْ يكن سائلي عن أصل دينهم فإن دينهم أن تُقتلَ العربُ
وكانت قصيدته أول إشارة نذير للأمويين من خطر قيام الدولة العباسية وسقوط الدولة الأموية.