
* من حين لآخر أنفضُ الغبار عن المئات من أشرطة الكاسيت القديمة المحببة لنفسي بحثاً عن لحنٍ واحد أحياناً.. أشرطة أعتني بها كالأطفال؛ موزعة بين قريتي والمدينة التي أعيش فيها.. ومن المكتبة التي تبدو سعيدة بالنوادر الغنائية أختار هذا العملاق مُطرباً.. محتفياً بألحانه كحفاوتي بجلال الطبيعة و(الطيور الراحلة في ضُل المَسَا)! أختاره في فترات غير متباعدة.. وبغبطةٍ أُجهِّزُ أغنياته لبعض القادمين أحياناً.. مفتون به كفتنتي بوردي وصلاح ابن البادية والجابري وإبراهيم موسى أبا ورمضان حسن وإبراهيم عوض وعثمان حسين والشفيع وبهاء الدين عبدالرحمن “أبو شلة” وعركي وحسن عطية والطيب عبدالله وأبو داوود وعبدالحميد يوسف والبلابل وأحمد فرح والتجاني مختار ومحمد حسنين وصالح الضي.. الخ.
* كلما ذهبت لبيتنا في ذلك المكان الريفي الهادىء أدرت مقدماته الغنائية عدة مرات..! هو ممن أميل إلى (وجع أغنياتهم) أو ما أسميها (أغنيات آخر الليل) التي أتعزى بها أو أتعذّب قليلاً وفي بالي: (الجفا بِعذِّب ضميرك.. وانتَ من طبعك مِسَالِم.. فيها أيه تدّي التحية.. حتى لو قصدَك تخاصِم). وتطريبه يمثل لي لحظة (إدمان غنائي) لا أتذكر متى بدأت تلك اللحظة.. ربما قبل 30 عاماً حين لصقت في القلب (ماضي الذكريات ــ مشتاقين ــ وفيها أيه) وماضي الذكريات أغنية جعلتني أفتش عن شاعرها في عدة نهارات؛ حتى ظفرت به في مكان يئن بالكتب القديمة التي تحاصر سريره.. كان هو الجيلي محمد صالح؛ صديقي الكبير؛ التقيه مراراً منذ العام 2000م وحتى وفاته في 2011م.. نعمتُ بكل ذكرياته الثرة التي خصني بها (بخط يده المميز).
* كان اشتهاءً (طفولياً) بشجن الكبار حين استرجعت أغنية (عدّى فات) للشاعر إبراهيم الرشيد.. استرجعها وأتأملها من كمنجة البداية المتمردة إلى آخرها:
افتكرت الشوق يجيبو
مالو عدى الشوق وفات
ﻻ حنان ﻻ كلمة حلوة
وﻻ أمل أحيا الصلات
* لقد (عدّى فات) مطربنا المتفرد عثمان مصطفى الذي يعرف الكبار قدره ومقامه..انضم للنجوم النوادر التي رحلت للبعيد؛ وسيبقى نورها باقٍ فينا (لحناً ساحراً وإلهاماً نحيا به).
* لقد مرت أمس “٦ نوفمبر” ذكرى رحيله الأولى.. ولن ينقطع وصل الشجن في ذكرياتنا مع ألحانه العظيمة المؤثرة…
رحمه الله.