مقالات سياسية

الوحدة جاذبة..لازمة!ا

محمد التجاني عمر قش- الرياض
[email protected]

مع اقتراب موعد الاستفتاء، الذي سيحدد مصير السودان،إما أن يبقى موحداً أو ينشطر، تسارعت وتيرة اللقاءات و التصريحات و تحركات الوفود و انبرت وسائل الإعلام المختلفة تقدم البرامج التي تتناول و تحلل مآلات الوضع الراهن و المرتقب؛ وبرزت إلى حيّز التداول مصطلحات جديدة مثل الوحدة اللازمة بدلاً من الجاذبة و صار الناس لا هم لهم إلا التفكير في مستقبل هذا الكيان العملاق الذي ربما تتكالب عليه الذئاب قريباً من بوابة الجنوب حال انفصاله عن الشمال. و إذا كانت الوحدة الجاذبة لم تعد ممكنة لعدة أسباب سياسية، دولية و محلية، إذ حالت الظروف الداخلية دون قيام مشاريع تنموية، أو القيام بأنشطة ثقافية وسياسية تقنع المواطن الجنوبي بضرورة التصويت لصالح الوحدة في 9/1/ 2011؛

فلماذا لا نتحدث عن الوحدة باعتبارها أمر ضروري و لازم لمصلحة الجنوب و الشمال معاً؟ أولاً لم يتبقى من الزمن ما يمكّن الدولة من القيام بأي تحرك يجعل الوحدة جاذبة و الحملة الشعبية و الإعلامية الموجهة إلى الناخب الجنوبي الآن من الضعف بمكان، وقد وصفها وزير الإعلام في حكومة الجنوب بقوله ” يبدو أن الإخوة في الشمال يكلمون أنفسهم” ذلك لأن تلك الحملة تنشط و تتركز بشكل أساسي في الشمال؛ علاوة على ذلك، فإنّ المعنيين بتلك الحملة لا يشاهدون القنوات التي تبثها إلا نادراً. و لذلك لا أرى أنها سوف تؤتي ثمارها، و هذا ليس تشكيكاً في نوايا من يديرون تلك الحملة و إنما الواقع المشاهد هو الذي يدل على صحة ما نقول. ففي السنوات التي تلت توقيع اتفاقية السلام الشامل ساد جوٌ من التوتر و انعدام الثقة بين طرفي الاتفاق ?شريكي الحكم- المؤتمر الوطني و الحركة الشعبية، و انشغل الطرفان بالحملة الانتخابية التي جرت في مطلع هذا العام ، و بذلت فيها جهود جبارة من قبل الطرفين مقارنة بما بذله الطرفان من أجل أن تكون الوحدة جاذبة . كما أن سيطرة الحركة الشعبية بشكل قمعي على كافة المناشط السياسية في الجنوب و تعنتها و عجز الحكومة إزاء ذلك الموقف أضعف من فرص مشاركة الجهات الأخرى التي كان من الممكن أن تغيّر من الوضع قليلاً لصالح الوحدة الجاذبة من خلال ممارسة نشاط و برامج مغايرة للمواقف المعلنة من قبل صقور الحركة الشعبية الذين ينادون بالانفصال صراحة ودون تفكير في عواقبه الوخيمة. و فشلت الدولة في القيام بمهامها في الجنوب خشية الاحتكاك بالحركة الشعبية ولذلك ضاعت الفرصة في قيام مشاريع تنموية ضخمة تقنع المواطن الجنوبي و تثبت له حسن نوايا الشمال تجاهه؛ و قد كان ذلك ضمن البنود الخفية لبعض قيادات الحركة حتى يحققوا أهدافهم غير المعلنة. أما ما تقوم به الدولة الآن من محاولات متأخرة لإرضاء المواطن الجنوبي عبر حزمة من البرامج و المشاريع لا يعدو أن يكون” علوق شدة” لا طائل من ورائه أبداً. وبحسب ما نشرته بعض صحف الخرطوم الصادرة في يوم الجمعة 8/10 /2010 “اعترفت لجنة السلام والوحدة بالبرلمان أن فرص الوحدة ضئيلة وقالت نحن الآن نركز في عملنا على الجانب الخاص بالسلام وكيفية تحقيقه بين الدولتين في حالة الانفصال.

وكشفت عن لقاء جامع مع كافة القوى والأحزاب السياسية بالبلاد مطلع الدورة البرلمانية الجديدة للتفاكر حول إجراءات الاستفتاء وكيفية إنجاح العملية بدون عقبات”. من جانب آخر،بعد عودته من اجتماع نيويورك الذي عقد على هامش اجتماعات الأمم المتحدة الأخير، صرح رئيس حكومة الجنوب سلفاكير ميارديت بأنه سوف يصوت للانفصال لأن خيار الوحدة لم يعد جاذبا. و هذه تعتبر إشارة واضحة لما يفكر به قادة الحركة الشعبية على مستوى القمة و قد بات واضحاً أن الوحدة الجاذبة لم تعد واردة. أما و قد وصلت الأمور لهذا الحد، ينبغي على العقلاء من الساسة و صناع القرار ألا يقفوا مكتوفي الأيدي، بل عليهم أن يمسكوا بزمام المبادرة لطرح ما يمكن أن نسميه برنامج الوحدة اللازمة و هو باختصار يقوم على تبصير الأخوة الجنوبيين بفوائد الوحدة و مخاطر و مثالب الانفصال. و بما أن البرلمان، و هو أعلى سلطة تشريعية في البلاد، قد أقر بفشل الجهود المبذولة حتى الآن، يلزمنا تحرك سريع بغض النظر عن المعوقات حتى نتخاطب مع مؤيدي الوحدة و الحادبين على المصلحة العامة من أبناء الجنوب حتى داخل الحركة الشعبية نفسها لأنّ كثيراً من الذين ينادون بالانفصال، إنما يفعلون ذلك بدوافع عاطفية و بتشجيع من جهات أجنبية لها بنودها و مصالحها الخاصة التي تريد تحقيقها، و هذا أمر معلوم بالضرورة.

و لعل الزيارة التي قام بها وفد مجلس الأمن في الآونة الأخيرة إلى جنوب السودان قد عرّت نوايا هؤلاء القوم تجاه السودان بما لا يدع مجالاً للتأويل أو الشك. و نريد هنا أن نذكر الإخوة في الجنوب ببعض الحقائق التي لا تخفى على أحد. أولاً، يعلم الجميع أنّ بريطانيا لم تف بوعدٍ قط لأي من الدول العربية أو الإفريقية على مر التأريخ؛ و أمريكا لن تسمح بإنفاق أموال دافعي الضرائب لديها لتعمير و تطوير دولة أو منطقة لا ناقة لها فيها و لا جمل، و لو كانت فاعلة لفعلت ذلك في العراق الذي دمرته آلة الحرب الأمريكية و درّ عليها احتلاله مليارات الدولارات.

أما فرنسا ساركوزي الآن فهي تلعب دور الظهير الأيمن للدفاع عن المصالح اليهودية في المنطقة؛ وبالتالي فإنّ كل ما ترونه من زيارات يقوم بها هذا المسؤول الأممي أو ذاك فيها لا تخرج من اثنين: خدمة الصهيونية العالمية ممثلة في الدولة العبرية العنصرية التي لا تعرف غير مصالح اليهود، أو أنّ هذا الحراك إنما هو تكالب جديد نحو إفريقيا و دول العالم الثالث ذات الموارد الغنية التي يتوقع لها أن تتحول إلى مجتمعات استهلاكية و مصادر للمواد الخام و سوق كبير لمنتجات الدول الغربية التالف منها و الصالح. لذلك أرجو ألا تضعوا كل البيض في سلة الانفصال، لأنكم إن فعلتم ذلك تحت تأثير هذا التحرك الاستعماري المشبوه فستجدون أنفسكم تحت سيطرة أجنبية لا تعرف الرحمة ولا الأخوة وليس لها مصلحة أو تأريخ مشترك معكم ولا تمت لواقعكم بصلة و ستواجهون مشاكل أمنية و قبلية و اجتماعية و اقتصادية و سياسية وربما نفسية لا قبل لكم بها، وحينها سوف تعضّون أصبع الندم و لات حين مناص. و علينا أن نقرأ هذا الكلام الذي جاء على لسان الأستاذ هاني رسلان جيدا ً” إذا حدث الانفصال المتوقع طبقا للمؤشرات العديدة القائمة حاليا، فسوف ينقسم السودان إلى دولتين شمالية وجنوبية. وقد لا يكون انفصال الجنوب هو نهاية المطاف بالنسبة للأزمة السودانية، بل ربما يمثل بداية لصراع جديد بين الشمال والجنوب، في حالة بقاء النقاط والقضايا العالقة دون تسوية أو اتفاق، الأمر الذي قد ينذر بعودة الحرب مرة أخرى بشكل مباشر أو بالوكالة.

ورغم أن الطرفين الشمالي والجنوبي غير راغبين في ذلك، إلا أن العودة المحتملة للحرب قد لا تترك الشمال والجنوب بمنأى عن إعادة التقسيم مرة أخرى، أو مواجهة خيار آخر هو الانزلاق نحو الفوضى.” ليس هذا فحسب بل إنّ دول الجوار التي تشجع الانفصال مثل يوغندا سوف تحشر أنفها للحفاظ على سلامة حدودها ظاهراً و تحقيق التوسع باطناً خاصةً أن هنالك قبائل كثيرة و حدود جغرافية طويلة مشتركة بين الجنوب و يوغندا وربما كان ذلك مدعاة لتدخل يوغندا العسكري و السياسي في الشأن الجنوبي و سوف تتولد اضطرابات كثيرة لن تساعد في الاستقرار و سوف يضطر الإخوة في الجنوب للنزوح ولكن هذه المرة سيجدون نفسهم ليس في أحضان الوطن الواحد الذي عرفوه و انداحوا في أرضه الشاسعة من نمولي إلى حلفا، و استفادوا من خيراته و خدماته معززين مكرمين كغيرهم من المواطنين، بل سيجدون أنفسهم في مخيمات لاجئين تشرف عليها الأمم المتحدة و منظمات العون الإنساني المحلية و الدولية و شتان بين العيش كمواطن من الدرجة الأولى و عيش اللاجئ الذي يتكفف الناس أعطوه أو منعوه في ظروف لا يعملها إلا من مرّ بمثل تلك التجربة. و هذا ليس تخويفاً لإخوتنا الجنوبيين من مآلات الانفصال و نتائجه، بل هي قراءة واقعية لما سيكون عليه الحال حسب المعطيات المشاهدة الآن. ولذلك نحن نريد من دعاة الانفصال أن يعيدوا النظر في حساباتهم و يقيموا مواقف الدول التي تشجعهم على اتخاذ تلك الخطوة التي تنطوي على كثير من المزالق و المنعطفات الخطرة و عندئذ سوف تتضح لهم الرؤيا تماماً، وربما يغيرون تفكيرهم إذا انفكوا عن سلطان العاطفة و تأثير أبالسة السياسة الدولية الذين لا تهمهم إلا مصالحهم الذاتية دون مراعاة لحرمة إنسان أو كيان.إنَ العالم الآن يتجه نحو التجمعات و التكتلات الاقتصادية و السياسية الكبيرة كما هو الحال في أوروبا غربيها و شرقيها، و الدول المتقدمة تسعى لجعل العالم كله سوق كبيرة ، لا مكان فيها للصغار، عن طريق العولمة و منظمة التجارة العالمية . فما بالنا نحن نحترب و نتشرذم في حين أننا نملك من المصادر الطبيعة ما يؤهلنا لنصبح واحدة من أكبر و أعظم الدول ليس على المستوى الإقليمي فحسب بل عالمياً. و إذا أنفصل الجنوب سيكون دولة مغلقة و تنقصها الكوادر البشرية المدربة و المؤهلة و لذلك سوف تحتاج لوقت ليس بالقصير حتى تقف على رجليها و هذا هدر لطاقة و قدرات يمكن أن تكون في مصلحة السودان بأكمله إذا توافقنا على نظام سياسي يضمن حقوق المواطنة بشكل كامل و غير منقوص لكل مواطن في الشمال و الجنوب، وهذا هو مربط الفرس و حسب علمي ليس هنالك من عاقل أو حكيم يرفض هذا المبدأ لما فيه من مصلحة واضحة لا تحتاج لكثير شرح أو أدلة.

أما إذا لم تجدي كل هذه الأطروحات فعلينا أن نستعد لما هو صائر لا محالة و الأمر لله من قبل و من بعد. و لذلك لابد من وضع خطط إستراتيجية عاجلة من شأنها أن تحد من هول الصدمة التي لا شك سوف تصيب كثير من الناس ليس في الجنوب وحده بل في الشمال أيضاً. و ختام قولنا هو أن الوحدة يجب أن ينظر إليها على أساس أنها أمر لازم لبقاء الجنوب قبل الشمال الذي سوف يتضرر من الانفصال لا محالة، ولكنه سيكون أحسن حالاً ما دامت به حكومة مركزية قائمة و مقومات دولة موجودة و راسخة و سيكون الجنوب هو الخاسر الأكبر من الانفصال.

تعليق واحد

  1. الشكر للأستاذ محمد التجاني على هذه الإيضاحات والتي جاءت متأخرة هي أيضاً لأننا فيالسودان لم نكن ننظر للأمور من منظار استراتيجي، فطرقنا تخطط لنفس العام، ومزارعنا تزرع لتلبية حاجات الأسرة فقط وعلى ذلك قس بقية الأمور. إنّ أباغ تعبير عن الصدمة حول هذا الأمر هو ما تعرضه قناة الشروق حول المواطن الذي لا يصق عينيه وهو يرى خارطة السودان من غير الجنوب، أنا كذلك كلما أتخيل الأمر أتفل على يساري ثلاث مرات وأسال الله أن يكون عاقبة الحلم خير. الآن ينبغي أن نفكر بجدية في المحافظة عللا ما يتبقى من السودان !!

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..