أخبار السودان

هل يمكن للنضال السلمي أن يسقط النظام ؟

د. عمر بادي

في البدء أتقدم بتحية التقدير و الإجلال و الإعتزاز لطلبة و طالبات المدارس الثانوية في الخرطوم بحري الذين كسروا حاجز الخوف و خرجوا للشوارع لأول مرة في تظاهرة ضد رفع الدعم المزعوم و ما أفرزه من غلاء في الأسعار , و هم الذين رضعوا و تعلموا في حضن المشروع الحضاري و إعادة صياغة الإنسان السوداني , فقد إنقلب السحر على الساحر و تبين أن الجينات السودانية و ما تحمله من تراكمات مشحونة بالشموخ و الكرامة و الإباء هي لا تقبل التدجين , و حقا فان أول الغيث قطر ثم ينهمر , و غدا 27 / 11 /2016 موعدنا للعصيان المدني !
لقد تردت الأوضاع المعيشية على المواطنين و لا زالت تنحدر كل يوم من السيئ إلى الأسوأ و قد وصلت روح الشعب إلى الحلقوم , نتيجة لتردي قيمة الجنيه السوداني تجاه العملة الصعبة بفعل رفع الدعم , كما تردد الحكومة , عن ثلاث سلع رئيسية هي الوقود و الكهرباء و الدواء فاختلط بذلك حابل السوق بنابله , و الخوف كل الخوف من الإنهيار الذي حاولت الحكومة تفاديه عن طريق الإجراءات أعلاه و جعلته سببا للزيادات , و لكن رغم ذلك هو آتٍ آتٍ ! و السبب ببساطة هو عدم وجود غطاء مالي من العملة الصعبة لبنك السودان حتى يضخه في السوق و يسد به الفرق بين السعر الرسمي للعملة الصعبة و سعر السوق السوداء . الأمر أيضا يحتاج إلى زيادة الإنتاج الزراعي و الصناعي حتى تزداد به قيمة الصادر مقارنة بالوارد , و لكن كيف يتم التمويل لذلك ومشروع الجزيرة قد تدمر و المصانع قد توقف منها ستمائة مصنعا عن العمل و الصرف البذخي لكبار رجال الدولة و للدستوريين لا زال مستمرا , و ها هو المجلس الوطني يوصي بتقليل عدد السيارات الممنوحة لكل دستوري و تقليل الوقود لها و تخفيض رواتبهم و لكنها تظل توصية لذر الرماد على العيون و مشفوعة برجاء النظر اليها بعين العطف !!
لقد أثمرت ضغوطات المواطنين ضد الزيادات في كشف مافيا الشركات التي تلاعبت بأموال إستيراد الدواء الممنوحة اليهم بالسعر المدعوم للدولار لسنتين كاملتين و لم تستورد أي دواء و إتضح أنها شركات وهمية يملكها متنفذون ! كذلك أثمرت ضغوطات المواطنين عن إعادة الدعم لأدوية أربعة من الأمراض المستعصية و هذا لا يكفي المواطنين الذين صار جلهم من الشرائح الضعيفة . إن إذلال المواطنين من قبل قياديي الحكومة و المؤتمر الوطني هو في حقيقته مركب نقص لديهم , فلا أحد في الدول الديموقراطية الحرة يهين المواطنين الذين إنتخبوه لأنه إن فعل ذلك فسوف يقضي على نفسه في أي انتخابات قادمة , و لكن من انتخب هؤلاء ؟
لقد كانت للمخاطبات الجماهيرية آثارا عظيمة في توعية و تعبئة و حشد المواطنين تجاه النضال السلمي , و قد بدأت ذلك قبل سنوات مضت تنظيمات شباب الثورة مثل قرفنا و كفاية و شباب من أجل التغيير ( شرارة ) و أحرار السودان أيام الربيع العربي و لكن تلك التنظيمات قد تراجع دورها حاليا ربما لحملات الإعتقالات التي شملتها من الأجهزة الأمنية و الخسارات التي منيت بها دون داعم يدعمها ماديا . الآن الشباب يتحركون بدافع إيجاد الحل للوضع الاقتصادي الذي تأزم و صار لا يطاق , فهم يحسون بمعاناة أهلهم قبل معاناتهم هم , و بصفتهم كتيبة الصدام الأولى فقد تقدموا الصفوف , و سوف تتبعهم منظمات المجتمع المدني و أحزاب المعارضة . الشباب معظمهم مستقلون و أعداد كبيرة منهم يتبعون مؤتمر الطلاب المستقلين الذي كان من مفجري إنتفاضة أبريل 1985 و هم جزء من حزب المؤتمر السوداني الذي نال قياديوه نصيب الأسد في الإعتقالات حاليا من قبل جهاز الأمن , فقد تم إعتقال خمسة و عشرين من قيادييه من الصف الأول فيهم رئيس الحزب و نائبه و الأمين العام و رئيس الحزب السابق ابراهيم الشيخ و لا يعرف مكان اعتقالهم , و قد طالت الإعتقالات أيضا أربعة من قياديي أحزاب تحالف قوى الاجماع الوطني , و كلها اعتقالات تحوطية لا يسندها الدستور !
لقد ساوت الحالة الاقتصادية الراهنة بين فئات المجتمع السوداني و جعلته طبقة واحدة دنيا بلا طبقة وسطى و بالقليل من الطبقة العليا من أثرياء السلطة , و لولا التكافل الذي جبل به الشعب السوداني لما وجد الكثيرون ما يعينهم على الحياة , و أكبر أثر للتكافل هو دور المغتربين الذين يبعثون بتحويلاتهم شهريا الى أهلهم و أقاربهم و معارفهم في السودان . بناء على إحصاءات الأمم المتحدة فقد هاجر عشرة ملايين من السودانيين في عهد الإنقاذ بينما هاجر مليون سوداني فقط ما بين عامي 1975 و 1989 عام إستلام الإنقاذيين للسلطة ! و الدليل على تكاثر الهجرة في عهد الإنقاذ ما أوردته وزارة الداخلية من أن 5 الى 8 ألف تأشيرة خروج من السودان تصدر كل يوم ! إن تحويلات المغتربين هذه تذكرني بالمثل الانجليزي الذي يقول : الجمال نعمة و نقمة Beauty is bless and curse فالتحويلات نعمة لأهل و أقرباء و معارف المغتربين و لكنها نقمة للخروج للتظاهر جراء المعاناة و لكن الحل هنا يكمن في التوعية و في الشعور الوطني . معظم فئات الشعب السوداني من الشرائح الضعيفة و لذلك وجب دعمهم ماليا عند خروجهم للتظاهرات بالتبرع لهم بجزء من التحويلات الشهرية للسودان عن طريق اللجان التنسيقية .
لقد صار حال الشعب مثيرا للشفقة , و بعاميتنا السودانية ( بقت حالته تحنن ) ! هل يمكن إستغلال هذه الشفقة لصالحه ؟ لقد إستغل المهاتما غاندي قبلا الشعور بالشفقة و بالإنسانية تجاه الشعب الهندي من قبل المستعمرين البريطانيين بواسطة نضاله السلمي و تطبيقه لشعار اللاعنف Non – violence و ذلك بخروج الهنود في تظاهرات سلمية و تعرضهم للضرب و التنكيل و التقتيل من القوات البريطانية بدون إبداء مقاومة , و عند ذلك يكف الجنود عن ضربهم بأوامر من الضباط الذين تتحرك فيهم المشاعر الإنسانية ! و لكن في حالتنا ليس من المؤمل أن يحدث مثل هذا من قياديي الإنقاذ أو المؤتمر الوطني الذين إنعدم فيهم أي شعور إنساني و الدليل ما حدث في سبتمبر 2013 , فكيف العمل ؟
أعود إلى عنوان مقالتي الحالية و ما فيه من تساؤل : هل للنضال السلمي أن يسقط النظام ؟ الإجابة في نظري بنعم و لا . النضال السلمي هو الوقفات الإحتجاجية , و التظاهرات , و العصيان المدني . لقد نجح النضال السلمي عندنا في ثورة أكتوبر 1964 التي أرغمت الفريق إبراهيم عبود على حل المجلس الأعلى للقوات المسلحة و التنازل عن السلطة , و أيضا نجح النضال السلمي في تونس أيام الربيع العربي فأدى بزين العابدين بن علي أن يفهم أخيرا و يغادر السلطة و البلاد . لكن النضال السلمي لوحده لا يكفي لإسقاط النظام في حالات كحالة إنتفاضتنا في أبريل 1985 التي إنحاز فيها الجيش للشعب بقيادة المشير سوار الذهب و أدى لتغيير النظام , و كحالة ثورة الشعب المصري أيام الربيع العربي و التي أدت إلى إنحياز الجيش بقيادة المشير طنطاوي للشعب و عزل الرئيس حسني مبارك . الأمل كبير في الضباط الوطنيين في مختلف القطاعات أن ينحازوا إلى أهليهم المواطنين إذا ما قتّلوا تقتيلا . إذا لم يحدث ذلك يتحول النضال السلمي إلى نضال مسلح تشارك فيه الحركات المسلحة دفاعا عن النفس و عن المبادئ , و ليس لنا مثال في ذلك و لكن توجد التجربة الليبية أيام الربيع العربي و التي زادت على ذلك بالتدخل الأجنبي . أما المثال السوري و الذي وصل درجة الفوضى الخلاقة فندعو الله أن يحمينا منه !
أخيرا أكرر و أقول : إن الحل لكل مشاكل السودان السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية يكون في العودة إلى مكون السودان القديم وهو التعايش السلمي بين العروبة و الأفريقانية و التمازج بينهما في سبيل تنمية الموارد و العيش سويا دون إكراه أو تعالٍ أو عنصرية . قبل ألف عام كانت في السودان ثلاث ممالك أفريقية في قمة التحضر , و طيلة ألف عام توافد المهاجرون العرب إلى الأراضي السودانية ناشرين رسالتهم الإسلامية و متمسكين بأنبل القيم , فكان الإحترام المتبادل هو ديدن التعامل بين العنصرين العربي و الأفريقاني مما أدى لتمازجهم و كان نتاجه نحن , و أضحت هويتنا هي السودانوية . إن العودة إلى المكون السوداني العربي الأفريقي اللاعنصري تتطلب تغييرا جذريا في المفاهيم و في الرؤى المستحدثة و في الوجوه الكالحة التي ملها الناس !

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. أعتقد أن الجهات التي تريد للسودان أن يختفي من خارطة العالم قد أوكلت المهمة لحكومة المؤتمر الوطني ويبدو أنها قريبا ستقدمه لها في طبق من ذهب ، فهل من منفذ ؟
    تعليق من احد الشباب اعجبنى

  2. في البدء السلام عليك دكنور بادي.مقالك ليست فيه اية اضافة عن الذي قاله الدكتور قرنق ففكرة السودان الجديد التي تبناها الدكتور الراحل شهيد الوطن والحرية كانت تتمركز محاورها واهدافها في قبول الشعب لفكرة (السودانوية).فهي الشيء الوحيد الذي يمكن ان يوحد السودانيين. وهذا هوالمبداء الذي ناضل ومات من اجله المغكر والقائد الجسور الدكتور جون فرنق ديمابيور.

  3. ياخوانا يا اهلنا في مجتمعنا اليوم الجوعي والمرضي والمعدمين المساكين الذين لا يجدون قوت يومهم وولي امرهم البشير في زيارة سياحيه في جزيرة ياس السياحيه لمشاهدة اغلي سباق سيارات في العالم الفورمولا ون ومعه طفله المدلل الفريق تاها الدلاهه يستمتعون باموال الغلابه ادعوا معي عليهم بالساحق والماحق والبلا المتلاحق ياربي بين فيهم عجائب مقدرتك

  4. بالله عليكم تعقلو أنظرو حولكم في كل الدول العربية ما حل بها من فقر وضعف بالرقم من الامكانيات الضخمة التي عند العرب كيف للسودان ان يصمد والضغوطات تحيك به من كل صوب هل وقفتم وقفة عز وراء حكومتكم كي لا تنكفئ عليكم الطاولة ويصير حالكم حال فلسطين والعراق وسوريا

  5. أخواني يمكن للنظام السلمي ان يسقط اي نظام اذا صمد كل الشعب وتمسك به

    تاكد بانه يسقط اعتى الانظمة على وجه الارض ودون خسائر وستكون تلك سابقة لم يسجلها التاريخ وستحسب للشعب السوداني مدى الدهر .

    والسبب الذي جعل الناس تعمل هذا العصيان : هو تمادي عصبة المؤتمر اللاوطني في اصلاح حال البلد منذ توليهم للسلطة لقد بداوا يدمرون السودان وبنيته التحتية بسبب دمارهم لكل المشاريع وبيع الاراضي والممتلكات التي اقامها الانجليز لتغطية مصاريف زمرتهم ولكي يغنوا انفسهم اولا ، ولا شيء للشعب .

    ولكي يبقوا في كراسي السلطة جعلوا اموال السودان بيدهم وبيد من معهم فقط،

    واوقفوا حال الناس تماما واصبح الشعب يدعم الحكومة بدل يحصل العكس .

    لذلك النظام السلمي والعصيان اذا صمد اهله سيسقط الجميع :

    الصمود يا شعبي بكل طوائفه الطلابية والعمالية وحتى المارة

    اصمدوا

  6. أعتقد أن الجهات التي تريد للسودان أن يختفي من خارطة العالم قد أوكلت المهمة لحكومة المؤتمر الوطني ويبدو أنها قريبا ستقدمه لها في طبق من ذهب ، فهل من منفذ ؟
    تعليق من احد الشباب اعجبنى

  7. في البدء السلام عليك دكنور بادي.مقالك ليست فيه اية اضافة عن الذي قاله الدكتور قرنق ففكرة السودان الجديد التي تبناها الدكتور الراحل شهيد الوطن والحرية كانت تتمركز محاورها واهدافها في قبول الشعب لفكرة (السودانوية).فهي الشيء الوحيد الذي يمكن ان يوحد السودانيين. وهذا هوالمبداء الذي ناضل ومات من اجله المغكر والقائد الجسور الدكتور جون فرنق ديمابيور.

  8. ياخوانا يا اهلنا في مجتمعنا اليوم الجوعي والمرضي والمعدمين المساكين الذين لا يجدون قوت يومهم وولي امرهم البشير في زيارة سياحيه في جزيرة ياس السياحيه لمشاهدة اغلي سباق سيارات في العالم الفورمولا ون ومعه طفله المدلل الفريق تاها الدلاهه يستمتعون باموال الغلابه ادعوا معي عليهم بالساحق والماحق والبلا المتلاحق ياربي بين فيهم عجائب مقدرتك

  9. بالله عليكم تعقلو أنظرو حولكم في كل الدول العربية ما حل بها من فقر وضعف بالرقم من الامكانيات الضخمة التي عند العرب كيف للسودان ان يصمد والضغوطات تحيك به من كل صوب هل وقفتم وقفة عز وراء حكومتكم كي لا تنكفئ عليكم الطاولة ويصير حالكم حال فلسطين والعراق وسوريا

  10. أخواني يمكن للنظام السلمي ان يسقط اي نظام اذا صمد كل الشعب وتمسك به

    تاكد بانه يسقط اعتى الانظمة على وجه الارض ودون خسائر وستكون تلك سابقة لم يسجلها التاريخ وستحسب للشعب السوداني مدى الدهر .

    والسبب الذي جعل الناس تعمل هذا العصيان : هو تمادي عصبة المؤتمر اللاوطني في اصلاح حال البلد منذ توليهم للسلطة لقد بداوا يدمرون السودان وبنيته التحتية بسبب دمارهم لكل المشاريع وبيع الاراضي والممتلكات التي اقامها الانجليز لتغطية مصاريف زمرتهم ولكي يغنوا انفسهم اولا ، ولا شيء للشعب .

    ولكي يبقوا في كراسي السلطة جعلوا اموال السودان بيدهم وبيد من معهم فقط،

    واوقفوا حال الناس تماما واصبح الشعب يدعم الحكومة بدل يحصل العكس .

    لذلك النظام السلمي والعصيان اذا صمد اهله سيسقط الجميع :

    الصمود يا شعبي بكل طوائفه الطلابية والعمالية وحتى المارة

    اصمدوا

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..