مقالات، وأعمدة، وآراء

حول القطيعة بين الشعب والجيش

خالد عبدالله أبو أحمد

قرأت أمس مقالا للأخ عثمان ميرغني الذي تساءل فيه حول إذا ما كان شتيمة الجيش بطولة، وجاء هذا المقال ردا على الانتقادات التي زادت في الايام الاخيرة لقيادات الجيش من المواطنين وقياداتهم السياسية والمجتمعية، هذه الانتقادات ليست وليدة اليوم انما قديمة جدا، وتتجدد بشكل مستمر كل ما واصل الجيش في ما يراه الشعب السوداني انتهاكا لحقوقه، لكنني استغربت غاية الغرابة أن شخصا مثل عثمان ميرغني لم يأت من كوكب آخر وهو في عمق الواقع السوداني يسأل هذا السؤال إلا أن يكون (كسير تلج) كما بات مفهوما لدى للغالبية.

التاريخ يشهد للشعب السوداني بأنه أكثر شعوب العالم التي حبت جيشها لدرجة العشق والوله، وأن الأشعار التي كتبت في بطولات الجيش وتغزلت في ضباطه وأفراده لا يوجد لها مثيل في الكرة الأرضية، أعتقد ان ذلك شيئا معروفا للجميع تشهد به مكتبة الإذاعة والتلفزيون ودار الوثائق المركزية وكتب التاريخ فضلا عن ذاكرة الشعب السوداني الحية.
كنت أتوقع من عثمان ميرغني أن يكون حصيفا وعادلا فيما هدف إليه، وفي ما أرسله من رسائل لعامة الناس ولقيادة الجيش، بأن يوضح منذ متى بدأ الشعب السوداني يصب جام غضبه على جيشه وعلى قياداته بالشكل الذي برز بقوة مؤخرا ..؟، وتجسد هذا الغضب اكثر وضوحا في مؤتمر باريس عندما صدعت الكنداكة آلاء صلاح وتحدثت عن الثورة السودانية وبطبيعة الحال انتقدت العسكر في سياق سردها لنضالات الشعب السوداني ومآلات الأمور في السودان بعد الثورة.

عندما نتحدث عن الأسباب التي أدت إلى الموقف العام للشعب السوداني في كراهيته للعسكر يجدر بنا القول بكل الصراحة أن القوات المسلحة بعد الانقلاب المشؤوم في يونيو 1989م انحرفت تماما عن مسيرتها وتاريخها البطولي الجميل الذي كنا نفاخر ونتغنى به ونمّجد أبطالها، وبعد وصول البلاد إلى حافة الهاوية في السنوات الأخيرة ابتعدت القوات المسلحة 180 درجة عن المكانة التي كنا نموت فيها عشقا وهياما، ومن الطبيعي أن هذه المشاعر النبيلة تجاه الجيش أن تتغير إلى النقيض تماما، لأن رصاص الجيش تحول من صدور الأعداء إلى صدور الشعب.

إن ارتكاب الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والمجازر في مناطق كثيرة من بلادنا كانت سببا رئيسيا في زرع الكراهية في قلوب الشعب تجاه قواته المسلحة، وهي نتيجة طبيعية جدا، إن أراشيف الصحف اليومية في كل حقبة حُكم (الانقاذ) التي استمرت 30 عاما كانت تنشر الاخبار التي تتحدث عن مقتل نظاميين لمواطنين عُزل، سواء في الأسواق أو في المستشفيات، أو في معسكرات الخدمة الالزامية، واستسهل فيه قتل المواطنين من قبل منسوبي القوات المسلحة والشرطة والأمن أيضا، في حوادث لأسباب اجتماعية وغيرها في الخرطوم وفي كل ولايات البلاد، وحدث ذلك في ذات الوقت الذي احتلت فيه مناطق سودانية عديدة من قبل دول جارة لم نر للجيش فيها أي أدوار بطولية كما كنا نراها في السابق، الأمر الذي دل على أن في هذه الحقبة الجيش قد انفرط عقده وسادت فيه الفوضى.

أليس هذا كافيا بأن يخلق كراهية مقيتة في نفوس الناس تجاه جيشهم..؟، إن الوسائط الاعلامية الحديثة وفرت كل ما يدين الجيش، وقد اعترف الرئيس البائد عندما رد على تقارير الأمم المتحدة التي ذكرت ان النظام في السودان قتل 300 ألف شخص في دارفور، فكان رد عمر البشير ” القتلى 10 ألف فقط” ومن سخرية القدر أن مستشار الرئيس آنذاك د. مصطفى عثمان اسماعيل أكد ما ذكرته رئيسه ببلاهة عجيبة يحسد عليها.

للأسف دائما الكتابة التي تحاول الانتصار للجيش دون النظر للضحايا تثير الشفقة وتنكأ الجراح، وفي حسبة بسيطة إذا نظرنا إلى عدد سكان المناطق التي تأذت بطائرات الجيش في دارفور وجبال النوبة والنيل الازرق يتجاوز عددهم 10 مليون مواطن سوداني، راح منهم قرابة نصف مليون ضحية أثر الهجمات بالآليات العسكرية المختلفة، هؤلاء الضحايا هم بشر ولهم أهل وطموحات ومستقبل كان بانتظارهم، وأن أسرهم كانت تعول عليهم كثيرا في الارتقاء بمستقبلهم، وهؤلاء الضحايا بينهم نساء وأطفال وكبار السن، وفي موقع (اليوتيوب) مئات المواد المصورة التي تعكس حجم المآسي التي حدثت لأهلنا في تلك المناطق، هذا فضلا عن المجازر التاريخية في فض اعتصام القيادة العامة ديسمبر 2018م، وانتفاضة سبتمبر 2013م.

اخي عثمان ميرغني..بالله أرجوك أن تختار 5 أسر فقط من بين الأسر التي فقدت أبنائها في فض الاعتصام أن تستمع للأمهات واللآباء، نعم 5 أسر فقط تكفي لكي تعرف الحقيقة وما تستشفه من مشاعر هذه الأسر هي ذات المشاعر لأهلنا في مناطق السودان الأخرى الذين فقدوا أعزاء لهم في الهجمات العسكرية بالطائرات القاذفة للهب، أطلب منك ذلك لأن مقالك كان بعيدا كل البُعد عن الانسانية وأعتقد إذا كنت تشعر بما يشعر به أسر الضحايا لكان مقالك مختلفا تماما، فالمبادئ لا تتجزأ أبدا.

بطبيعة الحال لا يوجد سوداني لا يحب جيشه، جميعنا ارتبطنا بشكل أو آخر بهذه المؤسسة العريقة التي كان لها قصب السبق في شهرة الشعب السوداني منذ أمد بعيد التي عكست ما تمتاز به الشخصية السودانية من شجاعة وأقدام، وأهم من ذلك كله المرؤة التي ورثناها كابر عن كابر، وأن المهاجرين والمغتربين السودانيين في الكثير من بلاد العالم قد اشتهروا بمواقف الشجاعة والمرؤة في انقاذ الناس و مساندتهم في الظروف والنكبات الكوارث، كانت هذه هي صورة جيشنا في الماضي وكنا نفاخر بها أيما فخر، ولكن تغيرت هذه الصورة كما تغيرت المشاعر تجاهها.

كان الأجدى للكاتب عثمان ميرغني أن يكون شجاعا وأن يوجه نصائحه لقيادة الجيش بعد أن يُؤمن على أن الصورة الشائنة في أذهان السودانيين تجاه جيشهم لها أسبابها المنطقية، ويتوجب على القيادة العسكرية ومن خلال إدارة البحوث بالقيادة العامة، والكليات العسكرية العليا أن تبحث في أسباب الكراهية وأن تعالجها من خلال خطة كبيرة وطموحة بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة بحيث ترجع القوات المسلحة لسابق عهدها، فليس في صالح الوطن أن تكون هناك قطيعة بين الشعب وجيشه.

خلاصة القول على قادة الجيش أن يعلموا بأن سبب وجودهم في هذه المؤسسة هو التفاني في خدمة الشعب وليس العكس، وفي كل بلاد العالم الشعب أعلى مكانة من الجيش لأنّ الشعب يمثل مصدر التشريعات والدساتير التي تحُكم البلاد، والشعب هو الأساس الذي تتكون منه الحُكومات والرئاسيّات التي تأتى للحُكم محمولة على إرادته، وفي كل بلاد العالم أن مكانة الشعب خط أحمر لا الجيش ولا رئاسة البلاد تُعلي عليها، وإلا انفرط عقد البلاد وضاعت امكانياتها وتفرقت أيدي سبأ، نطمع جميعا أن تعود سيرة جيشنا التي عهدناها في صغرنا وفي صبانا نفخر به ونغني له ونمجده ونربي أبنائنا واحفادنا على حبه، وهذا بلا شك يحتاج لعمل كبير..

أقول للزميل عشان ميرغني إن شتم الجيش ليس بطولة بكل تأكيد.. لكن رد فعل غير مساوي بأي حال من الأحوال.. وشتان ما بين القتل والشتم..!.

خالد عبدالله- ابوأحمد
22 مايو 2021م
[email protected]

‫3 تعليقات

  1. الاخ خالد السلام عليكم ….. تحليلك مظبوط ووضعت يدك علي الجرح نعم مافي مواطن سوداني بكره الجيش ولكن انها الحقيقة الجيش اجبر الشعب علي كرهه . خراب الجيش بدأؤه تجار الدين فالرقاص القاتل الفاسد العر حوله لمليشيات كيزانية و ثالثة الاسافي تكوين مليشيا. القتل السريع و يا ريت كانو سودانيين عاثو في دارفور قتلا و اغتصاب و كملو الناقصة امام عرين جيشنا الهمام قتلو و اغتصبو الكنداكات و الثوار و رموهم احياء في النيل ( المستعمر ما سواها ) وبرضو عثمان ميرغني عايز يلوم الشعب عشان يرضي اشباه العسكر في الجيش . الغريبة ان يحاكم الرقاص العر في جريمة غسيل اموال ولا يحاكم عن جرائم القتل المباشر و غير المباشر بعد تكوين مليشيا القتل السريع المرتزقة …… هل الشعب هو الذي وزع الرتب العسكرية للمرتزقة الملقطين من غرب افريقيا بقيادة التشادي الفريق خلا الذي لا يعرف اين تقع الكلية الحربية . بالله شخص لم يستمع للكاشف ووردي و الكابلي و عثمان حسين و ابرهيم عوض كيف يحكم السودان …. بلد تأسست فية جامعة الخرطوم في العام 1902 يجي واحد جهلول لا يتقن ابسط كلمات الخطاب و يكون نائب رئيس مجلس السيادة …. هل دي بلد محترمة ؟ ناهيك عن الجيش سبب كل الكوارث

  2. استاذ خالد ياخي ما معقول تغيب مننا كدا اشتقنا لحرفك الجميل الصادق المعبر عننا
    شكرا على المقال
    عثمان ميرغني الظاهر خلاص باعنا اصلوا متعود على البيع
    القمته حجر كبير

  3. السلام عليكم ..
    يا استاذ .. جيشنا من استقلال السودان هذا حاله لا يعرف غير قتل السوداني و ليس غيرهم امسك
    قتل المواطنين الجنوبيين و هدد بحقهم
    قتل الطلاب و المواطنين بأكتوبر ١٩٦٤م
    قتل المواطنين بودنوباوي و هد عليهم المسجد
    قتل المواطنين بالجزيرة ابا و بالطيران
    قتل رفاقهم ببيت الضيافة بدم بارد
    قتل الطلاب بمعسكر العيلفون.
    قتل المواطنين في سبتمبر ٢٠١٣م .
    قتل المواطنين في ٢٠١٨ م ابان الانتفاضة .
    غير الذي ذكرت في دارفور و النيل الأزرق و جبال النوبة هل تم معاينة اي جندي في كل هذه الجرائم ؟

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..