أخبار السودان

كفانا جلد أيها الرئيس !

أسماء عبداللطيف

في افتتاحه لمدينة المعلم الطبية بالخرطوم الأسبوع الماضي في السابع من ديسمبر الحالي . تكلم الرئيس الذي يجلس على الكرسي منذ سبعة وعشرين عاما , بأحلام ورؤى من تسلم الرئاسة من قبل وقت قليل , والذي نقف عنده في جزئيات كلامنا هو تحدث الرئيس عن ضرورة إعادة الجلد في المدارس , وانتقد سيادته قرار الغاء عقوبة الجلد , وقال أن القرار ينطوي على تقليد أعمي للغرب , وأن عدم الجلد ينمي حرية الطلاب بافراط مما يجعلهم يتطاولون معلميهم , وحتى يعطي الجلسة طابع الودية ? وهو يعلم في قرارة نفسه أن المعلمين في كافة أرجاء البلاد يعانون وهم في استياء شديد لسياسة حكومته تجاه التعليم والمعلمين والعملية التعليمية المنهارة برمتها في جميع مراحلها ? حكي الرئيس بعض ذكرياته الماضية و الشنيعة وانه تعرض للضرب من أساتذته وأنه ضرب ستين سوطا , من هنا نفهم النفسية التي جعلت الجلد ينصب على كل البلاد . ألا ترى أيها الرئيس طويل العمر على الكرسي أن شعبك قد جلد بما فيه الكفاية , جلد في فصل جزء حبيب من بلادنا , وجلد في عذابات أهلنا في دار فور , في ازهاق أرواحهم البريئة واغتصاب النساء وتدمير بنيتها الأساسية كلها في جميع مدنهم وقراهم , وجلد شعبنا في شرق السودان بإهمال وتهميش وحياة فقر مدقع , ولا تقرنك بعض البهارج والمهرجانات الهزيلة في بورتسودان وجميع مدن الشرق وحتي كسلا تعيش التجويع والتهميش والنسيان والعابر بالبصات الى بورتسودان لا يملك الا الشعور بالأسى والخجل , من هيا وحتى سنكات ودرديب وسواكن .
وجلدتم المواطن في جبال النوبة وكردفان والنيل الأزرق , ما من مكان في السودان والا وجلد ناسه وعُذِّب أهله , ألا يكفي هذا , جلدا وسحلا , وقد ترون المشاريع وقد تدمرت السكة الحديد , سودانير , مشروع الجزيرة والمصانع والمدارس وحتى الجامعات .
السؤال هو من الذي يصنع كلمات الرئيس , أم أنه يأتي بقوة الأمن والسلاح والناس يستمعون إليه فيلقى الكلام على عواهنه ؟
الموضوع هو ما يخص المعلم وعلاجه , ولكن ما هي الفئة المستفيدة من هذا العلاج , هل جميع المعلمين في بلادنا أم أنهم أهل البيت أهل القرابة في الحزب والموطن ..
تقول يا سيادة الرئيس أن إلغاء عقوبة الجلد تقليد أعمى للغرب , ألا ترى أنها نغمة تشبه نغمة المشروع الحضاري التي أذاقت الشعب الويلات , ألا تريدون أن تتغيروا قيد أنملة أو أن تتعلموا نظريات علم النفس في تأثير الضرب على نفسية متلقيه . لقد ذكرت يا سيادة الرئيس أنك ضربت في طفولتك ولم تنسى ذلك الأمر حتى يومنا هذا رغم بلوغك السبعين . ولعله هو المسيطر عليك أن ترى حياة من حولك مدمرة مهشمة كما فعل بك ذلك المعلم في الماضي , دون أن تكون لكم ردة فعل صارمة . إن جلد الصغار في المدارس في جميع المراحل لا ينتج عقول نيرة متفتحة . وهذا إن دل على شئ إنما يدل على إنكم تقفون خارج التاريخ وانكم ما زلتم مجمدون عند الماضي البعيد عند حوش تلك المدرسة وان تتلقى الضرب والإهانة من معلمك , بذلك هدمتم التعليم في البلاد .
وإذا كنتم قد تسلمتم الحكم قبل شهر لكان الكلام مقبولا ولكن بعد سبعة وعشرين سنة وأنت خارج التاريخ ترد وتقول أن إلغاء عقوبة الجلد تقليد أعمى للغرب , ولنا أن نسأل أي شئ في حياتكم السياسية لا تقلدون فيه الغرب ؟ إن عمل حزبك يا سيادة الرئيس منذ أن تغول على الحكم تغول على طريقة الغرب , إن ما فعله الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفيتي سابقا طبقتموه بحذافيره في سياسة تمكين السلطة , وبعد ذلك يكون الحديث عن الجلد وليس عن السلم الوظيفي للمعلمين ولا عن تطبيق الحد الأدنى للأجور , وأنتم تعلمون ما وصل إليه المعلم منذ مرحلة الأساس وحتى الجامعي . المعلم الذي كنا نحترمه ونجله ونقدره , أصبح اليوم أضحوكة التلاميذ وأهل الحي , وكنا إذا جاء المعلم في الطريق أفسحنا له وسرنا في طريق آخر . كانت البنات في أغانيهن الشعبية يغنين للمعلم وكانت غاية المنى أن تتزوج إحداهن معلم ( شرطا يكون لبيس من هيئة التدريس ) ولكن في عهدكم عرفنا الكلام الساقط البذئ في حق المعلم ( يا معلمين يا تعبانين ) وغيرها . هلا تحدثتم سيادة الرئيس عن ضرورة أن ترفع مرتبات المعلمين , وهلا تحدثتم عن ضرورة أن تقوم الدولة ببناء المساكن الشعبية للمعلمين , إن المعلم والمعلمة في بلادنا اليوم لا يأبه بهم أحد , ولا يعيرهم أي التفاتة . إن كان حكمكم ناجحا في خلال السبعة وعشرين سنة الماضية , لبنيتم عيادة طبية متكاملة في كل مدرسة يتعالج فيها الطلاب ويتعالج فيها المعلمون .
بعد سبع وعشرين سنة تنادي بأن يكون هناك التعليم التعاوني الذي تتكافل فيه القوى الشعبية بعضها ببعض , كما قامت الناس في الزمن الجميل بالنداء لتأسيس معهد القرش , ودفع كل فرد قرشا , يوم كان القرش له العظمة والفخامة واليوم المليون جنيه وليس القرش في زمانكم لا يساوي شيئا ..
سيدي الرئيس متى تكفِّر عن سيئاتكم وتعترفوا بالقصور والاهمال والنهب لكل شئ في الحياة سوى أن تبقوا وجماعة الأمن والحزب والقرابة الجبهجية في الواجهة ؟!
إن يعجب المواطن فإنه يعجب لحديثكم عن مجانية التعليم وأنها شعارات , ألآ تخجل سيادتكم من مثل هذه الأقوال ؟ لا يغرنك ما ترى من كثرة المدارس الخاصة في السودان ومسمياتها ومستوياتها , هي نتاج طبيعي لانحرافكم بالتعليم ودمرتم بنيته الأساسية ومعلميه . أزهقتكم روح العلم فهرول الناس بأبنائهم إلى المدارس الخاصة لأنهم يعرفون قدر التعليم , وأنتم تعلمون قدر الجهل فهو الذي يُسكت الناس عنكم .
هلا تحدثتم سيادة الرئيس عن الفشل المريع في بنايات المدارس في كل مراحلها , انهيار تام وغياب للأثاث المدرسي . ألم تصلكم التقارير عن حالة المدارس وأن في بعضها يجلس الطلاب على الأرض تظلهم السماء وتشوي عقولهم الصغيرة حرارة الشمس اللاهبة , وفيما سبق كان حتى الحبر يوزع للطلاب بالمدارس والكنبات مجهزة لذلك , الان لو سألوك عن مستودعات وزارة التعليم وما بها , ماذا تقول ؟!
وماذا عن مرتبات المعلمين والمعلمات في المناطق النائية والتي لم تصرف منذ زمن . ثم يأتي الحديث عن وثيقة عهد وميثاق من المعلمين أن يظلوا على العهد حماة لكم وفي صفكم ومؤازرتكم وسندا لكم على مرور العهود والأزمان , إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها فأنتم الخالدون ونحن الهالكون . من أين جاء هذا الميثاق وما هي الجهة التي وقَّعت فيه , إنها الجهة المتاح لها العلاج في مدينة المعلم الطبية . يا الله ! على الانصراف والهروب نحو الرماد الذي يذر في الأعين بغرض إلهاء الناس وكأن لا شئ في خراب ودمار من حولكم …
وأنت تكرر ضرورة إعادة عقوبة الجلد فأعلم سيادة الرئيس أن هذا من نحس الماضي , وهذه بضاعتكم ردت اليكم .. ولا أختم إلا بأبيات ابن الرومي :
تلله ما ألهبت مصطليا ***إلا لنحس فيك ألهبكا
ولا نقول ختاما إلا حسبنا الله ونعم الوكيل , وأنتم تواصلون الجلد وتقولون بجلد الصغار والمراهقين …

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. هذا الرجل لم يخبرنا لماذا جلد 60 جلدة أكيد عمل ليه مصيبة كبيرة لان الجلد فى تلك الايام كان لا يتعدى عشرة جلدات

  2. هذا الرجل لم يخبرنا لماذا جلد 60 جلدة أكيد عمل ليه مصيبة كبيرة لان الجلد فى تلك الايام كان لا يتعدى عشرة جلدات

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..