المولانات الأفارقة .. العدالة المطلوبة

من المنتظر أن يلتئم يوم الأحد القادم رؤساء القضاء ورؤساء المحاكم العليا الأفارقة في ائتمار بالخرطوم هو الأول من نوعه على مستوى القارة بمبادرة من السلطة القضائية السودانية ، وبهذه المناسبة الاقليمية الكبيرة التي تعتبر لفتة بارعة وغير مسبوقة من قضائنا السوداني ، عنت لي كلمة هي من صميم اختصاص القضاء كما لا أجدها بعيدة عن اجندة المؤتمر ..
فلا أحد يختلف على أن قيمة العدل تعلو وترتفع كلما كانت أحكام القضاء عادلة وناجزة وسريعة غير متباطئة ولا معقدة ولا تعطلها مناورات وحيل وأساليب «لولوة» ومط وتطويل يطيل أمد التقاضي، وحول هذا البطء الذي يخصم كثيراً من قيمة العدل ويعد إحدى العلل الأساسية لنظام التقاضي، تحضرني الطرفة التي تحكي عن قصة محامٍ استغل هذه الثغرة واستطاع عبرها أن يمد ويمط إجراءات قضية كان يترافع فيها بصورة خيالية تمكن أثناءها أن يخطب من أحبها ثم تزوجها ثم أنجب وكبر أولاده حتى تخرج أحدهم وأصبح محامياً، وكل ذلك من أتعاب هذه القضية، ولكن المحامي الابن وكان يعمل بمكتب والده سارع إلى إنهاء هذه القضية بإجراء تسوية في جلسة واحدة، وعندما علم والده بصنيعه استشاط غضباً وصاح فيه «يا ابني أنا ربيتك بهذه القضية فكيف تنهيها أنت في جلسة واحدة » ،ولكن عدالة ناجزة لي عدالة ناجزة تفرق، فهنالك نوع من العدالة الناجزة يقتل العدل عديل ويمشي في جنازتو كمان، كما حدث عندنا هنا في السودان على أيام سيئة الذكر محاكم العدالة الناجزة التي أطلق عليها الساخرون مسمى «محاكم الكاوبويات»، نسبة لأنها حفلت بالكثير من الأحكام المترصدة والمتربصة التي ذبحت العدالة من الوريد إلى الوريد، على النحو الذي كان يفعله أبطال أفلام رعاة البقر الأمريكية، ومن قصص تلك المحاكم التي كانت لا تحكم بل «تكجم كجم» والتي لا تدري أتضحك لها أم تبكي منها، قصة الحرامي الذي سرق مسجلاً وجئ به إلى أحد قضاة تلك المحاكم، وكان المبلغ المحدد لإقامة حد السرقة مائة جنيه، تم تقييم المسجل بكم وتسعين جنيهاً، أي أن المبلغ لم يبلغ حد إقامة الحد، صاح القاضي في الحاجب أفتح المسجل علنا نجد بداخله شريط كاسيت يكمل مبلغ حد السرقةً.. تلك كانت تجربة سودانية ملفوظة ومرفوضة مع العدالة الناجزة، أما العدالة الناجزة التي تعني اختصار إجراءات التقاضي وتبسيطها بما يختصر الفترة الزمنية التي يستغرقها نظر القضية، ثم ضمان تنفيذ الأحكام على نحو سريع وصحيح، فتلك عدالة ناجزة لا غضاضة فيها بل هي العدالة المطلوبة ..
الصحافة