السودان يصَابُ بالتضخم المستمر

أكدت مصادر سودانية لـ«الشرق الأوسط» أن ارتفاع التضخم السنوي في السودان بنسبة 29.5 في المئة أَثْناء شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، والذي رفعت فيه الحكومة الدعم عن سلع بنسب متفاوتة، قد كشف ضعف الأجهزة الرقابية في الدولة المناط بها مراقبة وتصحيح الأسواق، من أجل كبح جماح الزيادات في أسعار السلع الضرورية، التي تطال كل المواد الغذائية والضرورية حاليًا، وارتفع بعضها بنسبة أكثر من 150 في المئة، مثل الألبان والعدس والزيوت.

كذلك علي الجانب الأخر كشف ارتفاع الضخم ضعف إقبال الموردين والمصدرين والمغتربين على التعامل مع البنوك بسياسة الحافز للدولار، والذي يبلغ سعره الرسمي 15.90 جنيه سوداني، بينما سعره الموازي 19 جنيهًا، بجانب بطء الإجراءات التي اتخذها بنك السودان المركزي ضمن سياسة رفع الدعم لوقف استيراد تسعة سلع، وهي: اللحوم بأنواعها، والمياه المعدنية والغازية، والحيوانات الحية، والزهور الصناعية وغيرها.

ووفقًا للبيان الشهري من الجهاز المركزي للإحصاء التابع لوزارة المالية والاقتصاد، فإن معدل التضخم في السودان قفز نحو عشر نقاط مئوية إلى 29.49 في نوفمبر، من 19.6 في المئة في أكتوبر (تشرين الأول).

وعزا الجهاز هذا الارتفاع الجنوني إلى الزيادات التي طرأت على المجموعات السلعية والخدمية الـ12، والتي تحدد مسار التضخم، حيث ارتفعت كل سلع المجموعة بنسب متفاوتة.

وسجلت مجموعة الأغذية والمشروبات زيادة بنسبة 47.48 في المئة، والنقل 15.09 في المئة، والسكن والمياه والكهرباء 8.96 في المئة، وكذلك مجموعات المعدات المنزلية والملابس والأحذية والمطاعم والفنادق والصحة والاتصالات والتبغ.

وتشهد معدلات التضخم في السودان فِي غُضُون بداية العام الحالي ارتفاعا ملحوظا بنسب متفاوتة في كل الشهور، وذلك بسبب الزيادة المستمرة في أسعار السلع نتيجة لزيادة سعر صرف الجنيه مقابل الدولار، والتي تسهم بِصُورَةِ مباشر في زيادة التضخم، باعتبار أن معظم السلع الاستهلاكية مستوردة، بجانب أن الزيادات المتكررة في الخضراوات واللحوم والفواكه تؤدي مباشرة إلى ارتفاع معدلات التضخم، إضافة إلى التهريب الواسع للسلع عبر الحدود.

ومن المتوقع وفقًا لمصادر لـ«الشرق الأوسط» أن ترتفع معدلات التضخم أكثر بسبب زيادة تكلفة الإنتاج، التي تعود إلى القرارات الاقتصادية الأخيرة.

رفع الدعم

وكانت الحكومة السودانية قد رفعت في أكتوبر الماضي، الدعم عن أسعار المحروقات والأدوية والكهرباء، وهو ما صاحبه ارتفاع في أسعار السلع الغذائية والاستهلاكية والخدمات بنسب متفاوتة، وذلك بسبب ما أسمته بـ«البرنامج الإصلاحي» لإحداث الاستقرار الاقتصادي وزيادة معدلات النمو في البلاد وخفض البطالة، وتخفيف أعباء المعيشة على المواطنين.

وطبقت الحكومة وفقًا لهذا البرنامج زيادات في أسعار البنزين والجازولين والكهرباء، وتضاعفت أسعار الأدوية بنحو 200 في المئة، وبلغ التضخم، وفقًا لمدير إدارة الإحصاءات الاقتصادية بالجهاز المركزي للإحصاء دُوِّلَ الْكُرَةُ الْأَرْضِيَّةُ عبد الغني، 19 في المئة بزيادة 7 في المئة عن شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، حيث شكلت زيادات الأغذية والمشروبات 49 في المئة، وارتفع معدل التضخم لأسعار السلع الاستهلاكية والخدمية في الحضر إلى 20 في المئة، وفي الريف 19 في المئة.

واتخذت الحكومة السودانية جَمِيعَ الأجراءات لمواكبة تِلْكَ القرارات، شملت تخفيض فاتورة الاستيراد بنحو ملياري دولار، ومنع دخول سلع مختلفة كاللحوم بأنواعها ومعظم الكماليات، والتصديق بزيادات في المعاشات والبدلات، وإعادة النظر في الإعفاءات ورفع أَغْلِبُ الرسوم الجمركية، والإبقاء على إِعَانَة الحكومة للصناعة، ورفع تمويل الزراعة، والسماح للشركات بتصدير الذهب ولجميع المصدرين ببيع عائدات تجارتهم بالعملات الحرة إلى البنك المركزي، كذلك علي الجانب الأخر رفعت الحكومة مرتبات العاملين بالدولة.

المخرج من الأزمة

وكان استطلاع لـ«الشرق الأوسط» أجرته في الخرطوم في أوساط اقتصادية متنوعة عند صدور الإجراءات الاقتصادية الأخيرة، أشار إلى أن هناك إجماعا بأن السياسات الجديدة هي المخرج للاقتصاد السوداني، رغم ما تحمله من زيادة في معاناة المواطنين، حيث تعهد وقتها الدكتور بدر الدين محمود وزير المالية، بأن العائد من تِلْكَ السياسات سيصب في القطاعات الإنتاجية، خاصة الزراعة، وأنها ستساهم في تحسين تعامل السودان مع النظام الاقتصادي العالمي، ملمحًا إلى أن جَمِيعَ الأجراءات مصرفية ستتخذ لتفعيل سياسات التمويل الأصغر التي توفر الفرص الوظيفية وتدفع الإنتاج، حيث ستلتزم البنوك باستنفاذ نسبة الـ12 في المئة من ودائع البنوك للتمويل الأصغر.

وحَكَى فِي غُضُونٌ قليل ثلاثة وزراء آخرون إن حزمة الإجراءات الجديدة، ستعمل على تنفيذ سياساتهم في تطوير القطاعات التي يعملون بها، حيث أشار البروفيسور إبراهيم الدخيري وزير الزراعة والغابات، إلى أنها ستوفر موارد للزراعة، وسيتم التوسع في برنامج الوزارة للحلول المتكاملة القائم على استخدام التقنيات الزراعية.

وأشار الدكتور صلاح محمد الحسن، وزير التجارة، إلى أن وزارتهم تعكف على فتح أسواق جديدة للصادرات وتجويد الصناعة المحلية لتصبح منافسة في أسواق الكوميسا ودول الخليج وأوروبا، كذلك علي الجانب الأخر ستعمل على توطيد علاقات رجال الأعمال السودانيين بنظرائهم حول دُوِّلَ الْكُرَةُ الْأَرْضِيَّةُ.

وحَكَى فِي غُضُونٌ قليل عبد الرحمن حسن محافظ بنك السودان المركزي، إن سياسة التحفيز الجديدة للمغتربين والمصدرين ستعمل على تساوي وتوازن الجنيه السوداني مقارنة بالعملات الحرة، مما سيوفر موارد ضخمة من احتياطي البنك المركزي من النقد الأجنبي. مشيرًا إلى أن السودان ومنذ انفصال الجنوب ظل يكابد في توفير النقد الأجنبي، إلا أن السياسات المصرفية الجديدة ستحقق تنفيذ الخطط الموضوعة في البرنامج الخماسي الاقتصادي للدولة القائم على دفع الإنتاج وحماية الشرائح الضعيفة.

وبين الدكتور عادل عبد العزيز الفكي الباحث الاقتصادي ومدير قطاع الاقتصاد وشؤون المستهلك بوزارة المالية بولاية الخرطوم، أن سياسة الحافز التي أصدرها بنك السودان، ستلغي تدريجيًا هيمنة تجار العملة على السوق، حيث دخلت معهم الدولة في معترك، لن يقوى كثيرًا على تحمله.

تعويم الصرف

وكان بنك السودان المركزي قَامَ بِإِصْدَارِ في أكتوبر الماضي، جَمِيعَ الأجراءات جديدة لتشجيع المغتربين، المقدر عددهم بخمسة ملايين مواطن، والمصدرين والموردين، تهدف للتعامل مباشرة مع البنوك الوطنية عند بيعهم أو شرائهم للعملات الحرة، وذلك بعد أن سمح بإعادة تطبيق سياسة الحافز، القائمة على مساواة سعر الجنية الرسمي كسعره الموازي في السوق السوداء، مما اعتبره خبراء أنه خطوة مسرعة لتخفيض قيمة الجنيه السوداني وتعويم سعر صرفه، المحدد رسميًا بنحو ستة جنيهات مقابل الدولار، بينما كان يبلغ سعره (آنذاك) أكثر من 15 جنيهًا خارج البنوك والصرافات وبقية جهات الاتجار بتحويل الدولار من الخارج.

لكن الحافز الدولاري سيعمل على تشجيع المغتربين للتعامل مباشرة مع البنوك الوطنية عند بيعهم أو شرائهم للعملات الحرة، حيث تقدر تحويلاتهم السنوية خارج النظام المصرفي بنحو ستة مليارات دولار، تعهد أمين سَنَة جهاز المغتربين باستقطابها من السودانيين العاملين بالخارج مع تطبيق تِلْكَ السياسات الجديدة.

الشرق الاوسط

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..