نجيب محفوظ بين الوفدية والماركسية

٭ في سبتمبر عام 6002 أصدرت مجلة روز اليوسف المصرية عدداً خاصاً عقدت من خلاله محكمة أدبية لنجيب محفوظ ضمت عشرة نقاد عمالقة.. والملف أعده ضياء الدين بيبرس في أسلوب شيق.. رسالة من الناقد ورد من الأديب.
٭ عزيزي الأستاذ نجيب محفوظ..
إن من يتابع أعمالك الفنية قبل الثورة وبعدها يكتشف بوضوح أنك كنت في أعمالك الفنية تميل إلى حزب الوفد قبل الثورة والحقيقة ان هذا الميل الوفدي يكشف عن عنصر شعبي أصيل في شخصيتك فكثير من الأدباء والمفكرين الأصلاء في تاريخنا الفكري والوطني كانوا مع الوفد قبل الثورة رغم ان أحداً منهم لم يتردد عند الضرورة في ابداء النقد والتحفظ ضد الوفد وتركيبته السياسية هذا هو موقفك السياسي كما أتصوره قبل الثورة أما بعد الثورة فمن الواضح أنك أصبحت تميل إلى الفكر الماركسي فالماركسيون في رواياتك هم الأبطال والشهداء وحاملو الزهور الحمراء وهم الذين يضيئون الحياة بنور الأمل في الظلمات وأحياناً يبدو نقدك للماركسيين هو نقد العشم أي نقد الذي ينتظر منهم الكثير ولكنهم خيبوا الرجاء المعقود عليهم كما نلاحظ في قصتك القصيرة البديعة «عنبر لولو» وهذا نفسه يدل على ميلك إلى الماركسية وانعطافك نحوها أي ان مسارك السياسي كان من الوفدية إلى الماركسية وأريد أن أسألك هل هذه الفكرة صحيحة أو انني مخطيء وانني أبني موقفي على الظن الأدبي وبعض الظن في الأدب كما في الحياة «اثم».
وأريد أن أسألك أيضاً انني رغم ما أحس به من ميلك للماركسية فأنا ألمح في كتاباتك تردداً في إعلان ايمانك بهذه العقيدة السياسية فلماذا التردد؟ هل هو إيمان لم يكتمل بعد أي انك ما زلت على حافة الإيمان وعلى حافة الماركسية أم أنها الظروف السياسية العربية التي تفرض عليك شيئاً من الحذر.
انني أسألك وأعرف اني أضع في طريقك بعض المتفجرات ولكن قلبي معك وقلبي عليك قدمك عندي أثمن من الحياة.
«رجاء النقاش»
٭ عزيزي الأستاذ رجاء النقاش..
قد شخصتني فأجدت التشخيص فلو خيرت بين الرأسمالية والماركسية لما ترددت في الاختيار لحظة واحدة ولكن هل يعني ذلك انني ماركسي؟ الماركسي هو المؤمن أو المقتنع بالماركسية نظرية وتطبيقاً وبلا أدنى تردد ولو أدخل في اعتباره التجديدات التي طرأت على النظرية.
على هذا الأساس لا أستطيع أن اعتبر نفسي ماركسياً رغم التعاطف الشديد ذلك انني ضعيف الإيمان بالفلسفات ونظرتي إليها فنية أكثر منها فلسفية ولعل الإيمان الوحيد الحاضر في قلبي هو إيماني بالعلم والمنهج العلمي.
وبقدر شكي في النظرية كفلسفة فاني مؤمن بالتطبيق في ذاته بصرف النظر عن أخطاء التجريب ومآسيه ولكي أكون واضحاً أكثر اعترف لك بأنني أؤمن بتحرير الانسان من:
(1) الطبقية وما يتبعها من امتيازات كالميراث وغيره.
(2) الاستغلال بكافة أنواعه.
(3) أن يتحدد موقع الفرد بمؤهلاته الطبيعية والمكتسبة.
(4) أن يكون أجره على قدر حاجته.
(5) أن يتمتع الفرد بحرية الفكر والعقيدة في حماية قانون يخضع له الحاكم والمحكوم.
(6) تحقيق الديمقراطية بأشمل معانيها.
(7) التقليل من سلطة الحكومة المركزية بحيث تقتصر على الأمن والدفاع.
٭ هذه صورة المجتمع الماركسي في نظري الذي هدفه حرية الفرد وسعادته والاعتماد في كل شيء على العلم وربما التوجه في النهاية لمعرفة الحقيقة العليا أو المشاركة في خلقها وكل ذلك أمكن لي دون الإيمان بالنظرية فماذا تعدني.
نجيب محفوظ
هذا مع تحياتي وشكري
الصحافة