الخوف

هناك أشياء كثيرة في عالمنا هذا تشعرنا بالخوف ، بالتأكيد ، يأتي الإجرام في المقام الأول ، ‏الجريمة التي يقترفها عقل مجرم لا يأبه ولا يكترث لحقوق وحريات الآخرين ، ثم هناك الخوف ‏من الحروب ، والخوف من الإرهاب الذي يكمم حرية التعبير ، وهي أثمن ما نملك ، لأنها ‏المنتج النهائي لحرية التفكير ، والخوف من المرض ، والخوف من الموت ، والخوف من ‏الفشل العملي والعاطفي ، والخوف من تحطم الأسرة ، والخوف من الفقر ، والخوف من الجهل ‏والخوف من الذنب ، والخوف من الميتافيزيقيات ، وأنا أتحدث هنا عن الخوف الطبيعي لا ‏المرضي كالفوبيا ، أتحدث عن الخوف الذي ?بكل أنواعه- ينصب في إتجاه واحد هو الخوف ‏من المستقبل . ‏
المستقبل بكل محتواه ، النفسي ، الجسدي ، المالي ، العقلي ، الجنسي ، العائلي ..الخ ، إن ‏الخوف يحيط بعالمنا ، إحاطة السوار بالمعصم ، إننا نفكر دائما في التداعيات ، من الأصغر ‏إلى الأكبر ، من قبل التكوُّن ، انتهاءً بوقوع الحدث في الخيال ، ويزيدنا التطور خوفاً على ‏خوف ، فمشاهدة التلفاز ، والفيديو ، والصور ، والأصوات ، وكل ما ينقل لنا تلك الصورة ‏المشوهة للبشرية ، يزيد من مخاوفنا ، وسياسات الحكومات الدكتاتورية تزيد من مخاوفنا ، ‏وكثرة المجانين ، من العنصريين والمتعصبين ، تزيد من مخاوفنا من المستقبل الحيوي ، ‏وتأتي الأديان لتنقل مخاوفنا إلى ما بعد الموت.‏
ولقد أبدع الكثيرون في نشر المخاوف ، وفي المقابل كانت هناك علوم تحاول تخليص الإنسان ‏من مخاوفه ، كعلم البرمجة العصبية ، وكعلوم الدين ، وهي تنصب كلها في محصلة نهائية ‏هي الإيمان بعدم القدرة على تغيير القدر ، لكنها تجاهلت قضية المسئولية ، وهي ضرورة أن ‏نفهم أن المستقبل هو محصلة الحاضر ، بل وأن الحاضر نفسه هو محصلة الماضي ، إنه ‏محصلة القرارات التي اتخذناها والتي سنتخذها ، إن المستقبل السيء هو نتاج للقرارات الخاطئة ‏التي سنتخذها الآن ، إذن ، فنحن في الحاضر مسئولون أمام مستقبلنا ، وأمامنا الخيارات ‏حاضرة ، وقد لا تكون أمامنا خيارات كثيرة أو حتى لا توجد خيارات ، وهذا الحاضر البائس هو ‏أيضاً نتاج قرارات الماضي إما تلك التي اتخذناها بأنفسنا أو اتخذها الوالدان بالنيابة عنا ، وهذه ‏نقطة هامة تصادر على خزعبلات الأديان والبرمجة اللغوية العصبية . إنها فكر وجودي ‏محض ، حيث لا محل للصدفة أبداً ، لا محل للقدر ، إنها مسئولية كاملة يجب أن نتحملها ، ‏وهذه المسئولية يجب أن تكون حاضرة في كل القرارات التي نتخذها لأنفسنا أو لأبنائنا ، هي ‏مسئولية يجب أن تقرر بعيداً عن الضمير ، والقيم الأخلاقية ، لأنهما معرقلان للعقل والمنطق ‏، ولا يحوز الضمير ، ولا القيم الأخلاقية حيزاً إلا في أضيق نطاق ممكن هو نطاق الأسرة ، ‏أما خارج ذلك فيجب أن نفهم أن قراراتنا هي سلاح ضد أعداء وليس عدو واحد ، فنحن ? شئنا ‏أم أبينا ? في حالة صراع دائم ، وكلٌ ? كما يقول دولوز- يجهز أسلحته ، قد تكون الأسلحة ‏هي العلم ، أو المال ، أو الصحة ، أو المعتقدات الزائفة كلها ، ولكنها في النهاية تبقى أداة ‏للمعركة الحاسمة ، معركتنا من أجل المستقبل . من أجل تقليل مخاوفنا ، وليس انتزاعها ، ‏فنحن يجب أن نخاف ، لأن الخوف هو الذي يدفعنا إلى النصر أو الهرب ، يدفعنا إلى أن ‏نحب حياتنا ، يدفعنا كذلك لأن نخوض معاركنا بحكمة.‏
أمل الكردفاني
‏4 فبراير 2015‏

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..