مقالات سياسية

برنامج وهمي

لم أر حكومة في العالم تجيد (اللولوة) على شعبها دون أن تمل أكثر من حكومة المؤتمر الوطني هذه، فهي لديها قدرة عجيبة جداً على ابتكار برامج وهمية تستمر فترة طويلة وتصرف عليها ما تصرف، وفي النهاية تكون النتيجة لا شيء، وماذا تخسر لو وجهته لمشاريع حقيقية لتغيير واقع السودان وتحسِّن صورتها القبيحة؟، وياما قلنا، ولكن لا حياة لمن تنادي، واحد من تلك البرامج تدور فعالياته الآن وهو سنار عاصمة الثقافة. نعلم أن سنار لها تاريخ حافل وتستحق تكون عاصمة للثقافة دائماً، ولكن هذا البرنامج يقام لشيء في نفس يعقوب، لن يقدم لسنار شيء، فقط بعض الاهتمام الكاذب والذي سينتهي بانتهاء مراسم الاحتفال.

ولاية سنار قبل أن يقام فيها هذا البرنامج تحتاج إلى مدارس تستوعب كل الأطفال، فما زال هناك عدد كبير لم يدخل المدارس، وآخر يتسرَّب منها لأسباب كثيرة، تحتاج إلى مستشفيات، فما زال الغالبية من سكانها لا يجدون الرعاية الأولية وتفتك بهم الأمراض، تحتاج إلى مياه نقية وبيئة نظيفة فرداءة البيئة والمياه ما زالتا تشكلان خطراً يهدد حياة الناس، وليست معاناة الإسهالات المائية ببعيدة عن ذاكرتنا. سنار تحتاج إلى مناخ يحيي فيها كل مقومات الثقافة، فالثقافة ليست أيام يغني فيها الفنانون وتلقى فيها المحاضرات وتستنفر المدارس والجامعات وتقام المعارض لتسهر المدينة على كوب شاي وفنجان قهوة وتصبح في ضيافة مسؤولين غير مسؤولين هم في غرارة نفسهم يؤمنون أن برنامج سنار عاصمة الثقافة بالنسبة لهم مشروع حوافز تمنح لهم نظير أدوارهم التي أدوها في المسرحية، الثقافة ليست سلعة للتجارة.

سنار ليست هي المدينة الوحيدة التي أقيم فيها هذا البرنامج الوهمي، ولن تكون الأخيرة، وكل المدن تعاني من نفس المشاكل التى تعاني منها سنار، وهي قبل أن تكون عاصمة للثقافة تحتاج إلى أن تكون عاصمة لولايتها، قادرة على توفير الأمن والسلام وتعليم ومعالجة وتشغيل مواطنيها وضمان حياة كريمة لهم تجعلهم قادرين على أن يبدعوا بلا استنفار ولا مناسبة، وإلا فلا معنى لأن تكون المدن عواصم للثقافة وهي تئد الإبداع داخل مواطنيها.

غداً ستنتهى فعاليات الفرح المزيف سنار عاصمة الثقافة، وستعود المدينة إلى حزنها، فكل التجهيزات التي أعدت عبارة عن ديكور وألوان تشتت أنظار الناس مؤقتاً عن الحقيقة المرة، وسيرفع وزير ثقافتها تقريراً منمقاً يجعل منه إنجازاً يستحق التكريم ثم تنسى سنار مثلما نسيت مدن أخرى قبلها لتختار الحكومة مدينة أخرى حسب ما يستدعيه الظرف.

متى تفهم الحكومة أن الاحتفالات والبرامج والشعارات عمرها ما كانت وسيلة لإحياء المدن أو تنميتها أو تطويرها، تاريخية كانت أم حديثة، فالمدن تحيا بالاستقرار والأمن والرعاية. نرجو أن تصرف هذه الأموال المهدرة على البنية التحية والمدارس والمستشفيات والبيئة، فالألق والجمال والثقافة والفنون والإبداع بجميع ضروبه، هم أبناء شرعيين لأي مدينة نشأت في العالم، لأي ظرف كان يموتون في المهد أن لم ترع الدولة أمهم.

التيار

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..