حينما تُهدر السيادة الوطنية … لا هكذا تُورد الإبل يا إدارة الحج والعمرة!

مختار العوض موسى
“ما هكذا تُورد الإبل يا إدارة الحج والعمرة بالسودان”… هذه العبارة قفزت إلى ذهني فور قراءتي لخبر مفاده إسناد مهمة نقل الحجاج السودانيين هذا العام لشركة بحرية غير سودانية، رغم امتلاك بلادنا لشركة وطنية رائدة هي تاركو للنقل البحري. هذه الشركة الوطنية تضم باخرتين بمواصفات عالمية هما الملكة إيناس والجابرة، وتمتلك من الإمكانيات الفنية والخبرات التشغيلية ما يمكنها من الإسهام بفعالية في حماية السيادة البحرية ودعم التعافي الاقتصادي الوطني، بشهادة خبراء صناعة النقل البحري.
كما صرّح قسم الخالق بابكر، رئيس مجلس إدارة شركة تاركو للطيران (الشركة الأم لتاركو للنقل البحري) :
> “نحن في تاركو للنقل البحري نمتلك القدرة والخبرة الكافية لنقل الحجاج السودانيين بأمان وكفاءة. تجاهلنا دون مبرر واضح لا يخدم مصلحة الحجاج ولا الاقتصاد الوطني. نحن ملتزمون بتقديم خدمات وفق أعلى المعايير وندعو الجهات المعنية لمراجعة هذا القرار تحقيقاً للعدالة والشفافية”.
ورغم هذا الالتزام الواضح، أصر الأمين العام لإدارة الحج والعمرة على إقصاء الناقل الوطني البحري دون مبرر معلن، بقرار لا يمثل فقط تجاهلاً للكفاءة الوطنية بل يعد انتهاكاً صريحاً للسيادة الوطنية.
ولا نعلم على أي سند قانوني استندت الإدارة في هذا الاختيار؟ وكيف غاب عنهم أن هذا القرار سيمس السيادة الوطنية ويثير جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والاقتصادية؟
أليس تجاهل شركة بحرية وطنية رائدة وذات سمعة موثوقة خيانة لمصلحة الوطن؟
إن التساؤلات المُثارة كثيرة ومشروعة:
– لماذا تم تجاهل العروض المقدمة من شركة تاركو رغم جاهزيتها العالية؟
– هل وقع الاختيار على الشركة الأجنبية دون طرح عطاء تنافسي علني؟
– إذا كان الأمر كذلك، أليس ذلك انتهاكاً واضحاً لمبادئ الشفافية والنزاهة وخرقاً للوائح العطاءات العامة؟
– أليس تفضيل الشركة غير السودانية رغم وجود بديل وطني أكفأ وأرخص يثير شبهات حول وجود مصالح شخصية وعلاقات مشبوهة؟
– ألا يضعف هذا القرار من قدرة السودان على إدارة ملفاته الاستراتيجية ذاتياً ويفتح أبواباً لا نحتاجها في ظل الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد؟
إن إقصاء الناقل الوطني لا يعني فقط إهدار فرصة لتعزيز الاقتصاد الوطني ودعم الشركات المحلية، بل يسهم أيضاً في تسريب العملة الصعبة للخارج، ويُضعف من تنافسية قطاع النقل البحري الوطني.
ويجب التذكير هنا أن قانون الشراء والتعاقد والتخلص من الفائض لسنة 2010م ينص بوضوح على أن أي تعاقد حكومي يفوق سقفاً معيناً يجب أن يتم عبر عطاءات معلنة بشفافية لضمان تكافؤ الفرص. تجاوز هذا الإجراء، كما حدث هنا، يضعف المصداقية وقد يندرج ضمن مخالفات المال العام بموجب المادة (177) من القانون الجنائي السوداني لسنة 1991، والمتعلقة بخيانة الأمانة.
إن الحفاظ على السيادة الوطنية لا يتم بالشعارات الرنانة بل بتمكين المؤسسات الوطنية وإعطائها الأولوية في الملفات الحساسة، خصوصاً في قطاع كالحج والعمرة المرتبط بأقدس شعائر المسلمين.
لابد من العمل وفق مبادئ الإدارة الرشيدة لتوفير التسهيلات الحكومية الداعمة للاستثمار الوطني في النقل البحري، ومقاومة أي قرار إداري يقصي الشركات الوطنية ذات الأهلية من المنافسة. ويجب منع تفضيل أي جهة غير سودانية دون عطاء علني يضمن النزاهة والشفافية.
ندعو كذلك إلى سن مزيد من التشريعات ووضع اللوائح التنظيمية لضمان حرية المنافسة بين شركات النقل البحري المحلية، وتسهيل الاستثمار فيها. وعلى هيئة مكافحة الفساد أن تضطلع بدورها الكامل في المساءلة، بمراجعة فورية للعقود المبرمة وكشف الحقائق للرأي العام. كما نناشد اتحاد أصحاب العمل السوداني للوقوف بحزم في حماية الشركات الوطنية من الإقصاء التعسفي ودعمها في مثل هذه الملفات الحساسة.
علينا أن ندرك جميعاً أن دعم النقل البحري الوطني لم يعد خياراً اقتصادياً فقط، بل هو ضرورة أمنية وسيادية قصوى. ويجب أن نبذل في سبيل ذلك الغالي والنفيس من أجل الوطن ولا شيء غير الوطن.
والله من وراء القصد.
ابحثوا عن الفساد فستجدوه فى اضبير هذا القرار وسبذهل الشيطان ذاته على تفاصيله