شارع الڤلل الامريكية وشارع الحوادث

للذكرى فقط نعود بكم إلى العام (2006) الذي استضافت فيه الخرطوم إحدى القمم الافريقية، علَّ هذه الاستضافة توفر لها ميزة تفضيلية تضعها على رأس الاتحاد الافريقي بأمل أن تنجح هذه الوضعية الافريقية القيادية للخرطوم في فكفكة الحصار الدولي الذي أطبق على خناقها أوانذاك، ولكن للأسف لم تبلغ الخرطوم مرادها وعادت من غنيمة الأفارقة فقط بأربعين ڤيللا رئاسية ويخت رئاسي، الڤلل الجميلة الفخيمة التي تطل على النيل أُعدت خصيصاً لسكنى الرؤوساء، وقد كان رغم توفر الفنادق من ذوات الخمس نجوم التي كانت تكفي للمهمة، أما اليخت الرئاسي «أين هو الآن» الذي كان من المنتظر أن يهيئ لهؤلاء الرؤوساء ساعات «بريك-Break» غاية في المتعة والفرفشة والدردشة عندما يمخر بهم عباب النيل في رحلات نيلية سياحية ومقيلات «ما منظور مثيلا»، ولكن لسوء حظ القادة الأفارقة، لم يُقدر لهذا اليخت وصول البلاد إلا بعد مغادرتهم لها، لعله قد أصابته لعنة الخراب الذي أحدثه على طول رحلته البرية من الثغر إلى كرش الفيل، ومن يومها لم يعد أحد يسمع عنه شيئاً سواءً مازال حكومياً أو تمت خصخصته، أما الڤلل فلم تعد رئاسية بعد أن أخلت الحكومة طرفها منها ببيعها لجهات استثمارية عربية، ليرسو أمرها أخيراً على الامريكان الذين استأجروها لمدة عشرة أعوام بعد أن أدخل عليها المالك الجديد التحسينات التي ترقي لمقام اليانكي، هذه الڤلل كما هو معلوم تقع على أحد جانبي شارع النيل ولكن المواطنون اقتطعوا جزءاً من هذا الشارع وأطلقوا عليه شارع الڤلل الرئاسية التي لم تعد رئاسية بعد أن أضحت امريكية، على امتداد هذا الشارع في العصريات والأمسيات يلحظ المار بجانبه عشرات الشباب والشابات يتحلقون في جلسات أنس وسمر حول ستات الشاي وآخرون يتسكعون، وقهقهات وضحكات وغناء، بينما عدد من الأجانب من جنسيات مختلفة يمارسون رياضة المشي والجري، وبالطبع لسنا ضد الترفيه والترويح عن النفس في هذه الخرطوم العابسة المتجهمة، ولكن المفارقة تبدو في المقارنة بين هؤلاء الشباب الذين يمارسون التسكع والركلسة وأولئك الأجانب الذين يمارسون شيئاً نافعاً ومفيداً…
هذا المشهد على شارع الڤلل الرئاسية – عفواً الامريكية – يقابله مشهد على شارع آخر يناقضه تماماً وشباب مهمومون بأمر مختلف تماماً، أولئك هم مجموعة شباب شارع الحوادث الذين تجدهم يجوبون شارع حوادث مستشفى الخرطوم بالتناوب على مدار اليوم، يقدمون خدماتهم التطوعية للمرضى من الأطفال وذويهم المعسرين والمعدمين الذين لا يملكون ثمن ما يقرره الأطباء من دواء وفحوصات في ظل هذا التصاعد الجنوني غير المسبوق في أسعار الأدوية، وكانت بداية هؤلاء الشباب لله درهم، بما يقتطعونه من مواردهم الشحيحة وبالتعاون مع بعض الخيرين من أصحاب الصيدليات الذين قبلوا التعامل معهم على طريقة «الجرورة» بسداد ما يأخذونه من دواء متى ما توفر لهم المال، وأخيراً اهتدوا إلى فكرة إنشاء صفحة على الفيس بوك باسم شارع الحوادث يعرضون فيها الحالات التي تحتاج إلى مساعدة ليتعاون قراء الصفحة على حلها بالتعامل المباشر مع صاحب الحالة… هذا شارع مهم وباب لفعل الخير فتحه هؤلاء الشباب المهمومين بواحدة من أوجع المواجع التي يعانيها الفقراء، وهل هناك أوجع من أن يعجز السقيم عن مداواة علته ولا يستطيع لها درءاً غير أن ينتظر نهايته، لقد حاول هؤلاء الشباب وبذلوا ولم يستبقوا شيئاً لسد هذه الثغرة التي تقاعست عنها مؤسسات الدعم الاجتماعي الرسمية، فهلاّ ساعدناهم وآزرناهم…

الصحافة

تعليق واحد

  1. الخواجات والاجانب بجروا ويتريضوا عشان يهضموا الاكل الدسم ويزيلو الكروش…اولادنا يتريضوا عشان يهضمو البوش والا الكوارع…سيبوهم في حالهم الفيهم مكفيهم..

  2. انت دائما رائع وموضوعي وعميق الفكرة …احييييييك يا مكاشفي

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..