الدين يفسد السياسة .. والسياسة تفسد الدين

الدين يفسد السياسة .. والسياسة تفسد الدين

أ.د. كامل إبراهيم حسن

في السادس من ديسمبر لسنة 1992 هدم المتطرفون الهندوس مسجد مدينة أيودها ? المعروف بإسم مسجد ( بابري ) في ولاية ( أتاربريشاد ) في الهند بحجة أن المسجد – الذي يعود عمره إلى خمسمائة عام – يضم رفات ( راما ) نبي وإله الهندوس وهو شخصية أسطورية كما يقول البعض … ألا يذكرك ذلك بالصراع الناشب بين اليهود من ناحية وبين المسلمين والمسيحيين من الناحية الأخري حول المسجد الأقصي بسبب الحفريات التي يقوم بها اليهود تحت المسجد الأقصي ودعواهم بأن الهيكل الثالث يرقد تحت مباني الأقصي !!؟ … تم هدم مسجد ( بابري ) بتحريض من حزب ( بهارتيا جاناتيا ) اليمني المتطرف وأمام أنظار الأحزاب الأخري ورجال الأمن … وكما هو متوقع أثارت هذه الأحداث حفيظة المسلمين في كل البلدان الإسلامية ومنها بالطبع بنغلاديش … ولكن بدلاً من ردع المجرمين الحقيقيين صب مسلمو بنغلادش جام سخطهم علي أبناء وطنهم الهندوس والنتيجة موت الكثيرين وحرق منازل الهندوس وسرقة ممتلكاتهم … ومن أراد بيع عقاره والهروب إلى الهند لينجو بجلده كان إما كانت العروض ضئلة لا تتناسب مع قيمة العقار الحقيقية وإما لم يجد مشترٍ حتى لو رضى بالثمن البخس … وأخشي أن يحدث هذا للأخوة الجنوبيين إن هم أرادوا مفارقة الشمال … والغريب في الأمر أنه وفي أول إنتخابات بعد هذا الحادث المشئوم – وعكس التوقع السائد – فاز حزب ( بهارتيا جاناتا ) وكوّن الحكومة وكأن موقفهم الطائفي المتشدد وجد تأيداً من هندوس الهند … علي ضوء هذه الأحداث البشعة كتبت الأديبة البنغلاديشية تسليمة نصرين روايتها الذائعة الصيت ( لاجا ) … ورغم أن الرواية هاجمت المتطرفين من الهندوس والمسلمين علي حد سواء وجدها مسلمو بنغلاديش فرصة للهجوم السافر علي تسليمة المعروفة بدعوتها لعلمانية الدولة ومطالبتها بعدم حشر الدين ? أى كان ? في السياسة وكأنها تردد مع أحد أساتذة حسن البنا 🙁 الدين يفسد السياسة والسياسة تفسد الدين ) كما جاء في مسلسل ( الجماعة ) الذي بثته قناة ( نايل دراما ? Nile Drama ) المصرية في شهر رمضان الفائت … ليس هذا فحسب بل طالب بعض المتشددين بقتل تسليمة بحجة أنها اساءت للإسلام والمسلمين – رغم تأكيدها أكثر من مرة بأنها لم تهاجم الإسلام ولكنها إنتقدت تصرفات بعض المسلمين والمتطرفين منهم علي وجه الخصوص – مما إضطرها إلى الهروب للنرويج ولم تعد لبلادها حتى الآن … وفي ترجمة الرواية للغة العربية وضع عصام زكريا مترجم الرواية كلمة ( العار ) في مقابل كلمة لاجا البنغالية … وكأن التاريخ يعيد نفسه وها هي الأوضاع تنفجر من جديد في نفس المكان ولنفس السبب …

يقول د. خالد العظم في كتابه ( نقد الفكر الديني ) : ” تبين أيضاً ? بعد هزيمة 1967 ? أن الأيدلوجية الدينية علي مستوييها الواعي والعفوي هي السلاح النظري والصريح بيد الرجعية العربية في حربها المفتوحة ومناورتها الخفية علي القوي الثورية والتقدمية في الوطن العربي .” … نتفق مع الدكتور العظم غير أننا نضيف أن هذا التوصيف ليس مختصراً علي هزيمة 1967 والبلاد العربية بل نستطيع تعميمه علي كل البلاد في مشارق الأرض ومغاربها وذلك لحساسية الدين ومقدرته الرهيبة في تأجيج المشاعر خاصة إذا تصاحب مع الجهل وعدم معرفة مقاصد الدين وترتيب الأولويات لخلق التوازن بين التدين ? ممارسة الدين وسط التباينات في التدين ? وحقوق المواطنة … فإذا سألتني من هو الأقرب إليك هل هو الدينكاوي السوداني غير المسلم أو المسلم من جماعة طالبان فالرد عندي واضح وهو أن الدينكاوي غير المسلم أقرب إلىّ لما نشترك فيه من تاريخ ومواطنة رغم إختلاف أدياننا … وأعتقد أنه الموقف الصحيح بينما … وسيكون رد أي من جماعة الإسلام السياسي أن جماعة طالبان أفغنستان أو باكستان أقرب إلى قلبه لأنه يعتقد أن أواصر الدين أقوي من روابط المواطنة ويعتقد أنه الموقف الصحيح … ولن يستطيع تحريكي من موقفي ذلك قيد أنملة وفي نفس الوقت قد يتحرك الجبل ولن يتحرك صاحبنا من جماعة الإسلام السياسي من موقفه ذلك قيد أنملة …. فكيف الحل إذا ( حرّن ) كلانا علي موقفه !!؟

في هذه الحالة لن يبقي أمامنا غير خيارين إما أن ( نتقابض الحزز ) أي أن نتقاتل قتال الأفيال ونقضي علي الأخضر واليابس من عشب بلادنا كما يريد المتطرفون من جماعة الإسلام السياسي لنا أن نفعل ونكتفي في برهان ذلك بتصريحات د. مصطفي عثمان إسماعيل أمام الطلاب في عطبرة مؤخراً … أو حقن ? وإن شئت الدقة ? عدم حقن كمال عبيد وما يتوعد به من سوء معاملة إن إختار الجنوبيون الإنفصال ضارباً عرض الحائط بمواثيق حقوق الإنسان التي وقعت عليها حكومته … والطريق الثاني هو أن نتعامل علي أساس قبول الآخر بما له وما عليه ويبقي الإحترام المتبادل لأنه ? وحتي إن تم إنفصال الجنوب – فإن ما يجمعنا أكثر بكثير من نقاط الإختلاف … وقد يظن البعض أن تعصب المتشددين نابع من حرصهم علي صفاء الدين ونقاء جوهره ولكن الواقع يقول بغير ذلك … فرغم صراخهم وتردادهم لأكاذيب ( لا لدنيا قد عملنا ) نجدهم يحبون المال حباً جما وينكبون علي ماديات الدنيا بشراهة …يقول سورنجار الهندوسي بطل رواية ( العار ) لصديقه حيدر المسلم عن المتشددين من الديانتين الإسلامية والهندوسية : ” هل تعرف الحقيقة … هؤلاء الذين يرتكبون حوادث العنف لا يفعلون ذلك بدافع الحب لأي دين … إن هدفهم الأساسي هوالسرقة والنهب … هل تعلم لماذا يسرقون محلات الحلوي ؟ ببساطة لكي يشبعوا نهمهم إلى الحلوي … وهم يقتحمون محلات المجوهرات كذلك سعياً وراء الذهب … في الحقيقة ليس هنالك فارق فعلي بين أعضاء الطائفتين … ” وهنا تذكر بيت شعر من قصيدة د.ل. روي يقول فيه : ” إذن أنا رفستك … ولكن كيف يمكن أن تكون وتتألم بسبب هذا ؟” … وأضاف لنفسه : يمكن للمتطرفين أن يرفسوننا ? وهم فعلاً يفعلون ذلك ? ولكن لا يصح أن نكون وقحين ونتألم … علينا أن نبلع الاساءة والإهانة دون شكوي أو إمتعاض … وفي الختام أقول فلنجعل من الإستفتاء عملية حضارية فنحن شعب عمر حضارته الآف السنين وكم خضنا المعارك ضد الظلم والإستعمار ونحن متشابكي الأيدي ويكفينا فخراً أننا أحفاد علي عبد اللطيف وعبد الفضيل الماظ والإمام المهدي … وأخص بقولي هذا أهلي في أبيي من مسيرية ودينكا نقوك وأحذرهم قائلاً : لا تبتلعوا الطُعم ولا تقتلوا بعضكم بعضا ولا تجعلوا طبول وأبواق الحرب التي ينفخ في نارها المهوسون أن تصم أذانكم وتطيش بعقولكم … فأنتم من يُضرب بهم المثل في التآخي وتغليب التسامح علي الفتنة .

أجراس الحرية

تعليق واحد

  1. الدين لايفسد السياسة جاء فى الحديث الشريف الدين المعاملة يا دكتور
    حتى لغير المسلمين الحديث من اذى ذميا فقد برئت منة ذمة اللة من قتل نفسا بغيرحق كانما قتل الناس جميعاوالاسلام مبنى على الشورى وامرهم شورى بينهم على اساس الحكم واعتقد يا دكتور تشابة عليك البقر ولم تفرق بين الدين وطالبان والترابى وعبيد حقنة والحس كوعك
    يا دكتور استشهد صحابى فى غزوة من الغزوات وعند ما سال عن مصيرة اخبرهم الرسول صلى اللة علية وسلم انة فى النار بسبب شملة سرقها من بيت مال المسلمين
    ويدل هذا على حرمة المال العام
    اذا فهم الانسان الدين بعقلانية فهو هدى ورحمة الدين الحياة الحقيقية ومقالك تفوح منة رائحة كراهية الدين واتمنى ان اكون غلطان

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..