غادة النيلين

مأمون الرشيد نايل
لا يهم إن كنا أفريقيين أو عرباً الهوية الحقيقية هي الانتماء لطلاب الحق والعدل والحرية
تُبّاً لدنيــــاك غـــــــــير البؤس لا تهبُ – فهل نصيبك فيـــــــها الهمّ والنَصَبُ
تسعى وفي الرأس آمـــــــــــــالٌ معاندةٌ – ومبلغ السعي قبـــض الريح والتعبُ
لم يبـــق طي لساني غير أغنيــــــــةٍ – جريحةٍ قد ســــــلاها اللهو والطربُ
تمشي على الجمر والاشواك هائمـةً – فأدفن الدمــــــــــــع في ليلي وانتحبُ
سـمراء يا غــــــــادة النيلين اقتربي – منك الصــدود وفيك القصد والأربُ
لا تنفري من هــوىً بالقلب يضمره – صبٌّ بسحرك مجـــــذوبٌ ومنجذبُ
مـــــــــــن لي بقافـيةٍ للحب أنظمها – حـــــــروفها الدرّ والياقوت والذهبُ
جــواهرٌ فوق عرش الحسن أنثرها – تسري بسيرتها الأســـــــفار والكتبُ
***
ونخلةٍ في ربا السودان شــــــامخةٍ – منها الكساء وفيـــــها الشهد والرُطَبُ
قد صوحت وتبقى مـــــن محاسنها – سعفٌ رمادٌ وجذع ٌ في الثرى حطبُ
سـارت على عصفها المأكول قافلة – حزينةٌ حادياها الجــــــــوع والسغبُ
يلفها الليــــــــــــل لا نجمٌ يسامرها – أو يختلي بالدياجي صـــــبحها الشنِبُ
ضلّت زمــــاناً فلما خاب عسكرها – وحار في أمـــــــــرها ساداتها النُجُبُ
تمخضّت محنة الأيـــــــــام منتجةً – شعباً يمـــزقه التشـــــــــــريد والعطبُ
ما بين مغــــتربٍ في قلب موطنه – وآخــــــرٍ في بـــــــــلاد الناس يغترب
ضاق المقام فهل اجـــدى لراحتنا – وصــــــــفاء عيشتنا الترحال والهربُ
“مليون ميلٍ” نقايضـــــها علانيةً – بربع ميلٍ فاين العـــــــــــرض والطلبُ
***
دق الشـــــــــريد على أبوابـــهم خجلاً – عزيز قـــــــــــــومٍ رمته بثقلها النوَبُ
من الفتى؟ قال عـــــــــربيٌ!! فانطلقت – تحيطـه نظـــــــــــرات الشك والرِيَبُ
لم يشفع الدين أو ضـــــــــــادٌ يُحرّكها – بين الشــــــــــــفاه لسانٌ مفحــــمٌ ذرِبُ
طغى “الكفيل” فاين تكون وجـــــــهته – والبحر مـــن خلفه بالبــؤس مضطربُ
القى عمــــامته مــــــن حــــــــزنه فإذا – “بالأوس” تخرج “والعبّاس” ينسحبُ
***
يا ابن الذين على الأزمــــان ســـيرتهم – وأمجـــادهم فوق قرن الشمس تُكتتبُ
هم الكــــرام فلا مــــــــــــؤودةً قتـــلوا – درءاً لعـــــــــــارٍ ولا جيرانهم سلبوا
إرث الحضارة في واديك مشــــــــهده – يسبي النفـــــــــوس وللألباب يستلبُ
فحــــدّث الناس عن أمــــــر النبي لدى – عهد النبوءة لما اشـــــــــتدت الكُرَبُ
قال الأمـــــين الا ســـــــيروا إلى ملكٍ – في عــــــــــزه وحماه الظلم لا يجبُ
فالعدل كان هنا ظــــــــــــــــلاً يظللنا – وربوعنا وقــــــــــــرانا بيته الرحبُ
فاعجب لمروي وبرمنجهام ما فطمت – كيف الحـــــــــديد بها كالماء ينسكب
وافخر بملكٍ على الحيــــــــوان رأفته – في سُـــــــــــــنَةٍ سنّها للخير تُكتسب
لما تناهى إلى الأســــماع عن بلــــــدٍ – ما فيه بالخيل ثمـــــــــة مُشفقٌ حدِبُ
اهــــــتز للنبأ المشــــــــــــئوم مكتئباً – فاجاب عنــه ومنــــه الجحفل اللجِبُ
***
لو أننا ندّعي في معــــــشرٍ نســــــباً – لرأيتنا لبني الســكســــــــــون ننتسبُ
من يبتغي أمةً في قـــاع حاضــــــره – هل يُتبـــــع الرأس أم هـل يُتبع الذَنَبُ
يا ويحها أمة قد صـــــــــار ديدنـها – شجباً وشــكوى إذا ما جـار مغتصبُ
سود الصـــحائف في البلوى أسِنَتُها – وفي الخطوب الجسام سـيوفها الخُطَبُ
لكننا ولسان الضــــــــاد يجمــــــــعنا – وخير دينٍ ليــــــــوم الحشر يُصطحبُ
تبقى العــروبة في وجـــــــــداننا أبدا ً – فضـــــــــــــــائلاً نستقي منـها ونحتقبُ
في موضع الروح قد نسجت مكارمنا – وتهاوت النعــــــرة الحـــمقاء والأُهبُ
قدرٌ يوحدنا طـــــــــــــــراً ويجمعنا – في عالمٍ يستبد بخـــــــــــــــيره قُطبُ
أضحى يبيع بســــوق البؤس عولمةً – للبائسين الحيارى أمــــــــــــرها عجبُ
فلا يغُرًنْك من أصـــــــداء مظهرها ? عــــــــيونها السود أو اثوابها القُشُبُ
يندس فيها وحوش العصر إن شموا – روائح النفـــــــط في اثــــــــاره وثبوا
دم الشعوب مباحٌ في شـــــــرائعهم – والأرض في عُــــــرفهم نهبٌ ومنتهبُ
تُبّاً لمن آزروهم في الفســـاد ومــن – كدر العمــــــــــالة اتخموا وشربوا
تُبّاً لمن صمتوا وعيونهم شــــــهدت – مذابحاً تحت ضوء الشمس تُرتكبُ
طوبى لأرضٍ على أرجـــائها يسمو ? مــــقــــــاومٌ بدم اليانكي مختضبُ
طوبى لمن وهبت نفساً طـــــــواعيةً – لم يثنها عن هوىً أفراخها الزُغب
بين الضلوع فلسطينٌ وفي دمـــــــها – ينداح فـجــــرٌ من الظلمات مرتقبُ
طوبى لمن شمخوا في وجه مغتصبٍ – منائراً في عـــــــيون الليل تنتصبُ
دم الفــــــــــرات على أجسادهم حممٌ – ودمع دجلة فــــوق صــدورهم لهبُ
لم يبخلوا بالدم الغــــــالي وقد علموا ? غــرس الكرامة يسقيه الدم السرِبُ
في مثلهم تزدهي القـربى لمقــــتربٍ ? وبمثلهم يتباهى الأصــــل والحسبُ
إن كنت تكتب يا تاريخ مــــــــــأثرةً – عنهم تتيه بـــــــها الأزمان والحِقَبُ
فاكتب كذلك بالكــــــــــــــوفي متئداً – تحت الهـــــــــــــــوية …إننا عربُ
قصيدة رائعة شكلاً ومضموناوفريدةٌ في ميدانها تدل على شاعرية صادقة اصيلة