صناعة الطاغية

ليس هناك شيئ يخدع الطغاة ويزيد في طغيانهم .. مثلما تخدعهم غفلة الشعوب وذلتها وطاعتها وانقيادها… واذا تأملنا سنجد ان الطاغية ما هو إلا فرد .. لا يملك في الحقيقة قوة خارقة ولا سلطاناً لا يهزم . لكنها هي الشعوب الغافلة الخاضعة .. المتذللة بين يدية التي سلمته قيادها وانقادت له ..
تحني له ظهرها فيركب .. وتسلمه رقابها فيقود .. وتطأطئ له الجباه فيستعلي عليها .. وتكشف له عن ظهورها فيجلد .. وتتنازل له عن حقوقها في العيش بعزة وكرامة .. فيطغى عليها ويتجبر ويتفنن في اذلالها ..
وقد قال الكواكبي في كتابه طبائع الإستبداد ومصارع الإستعباد مصور حال الشعوب وسلوكها مع الطغاة (اﻟﻌﻮاﻡ ﻫﻢ ﻗﻮﺓ اﻟﻤﺴﺘﺒﺪ ﻭﻗﻮﺗﻪ ﺑﻬﻢ .. ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻳﺼﻮﻝ ﻭﻳﻄﻮﻝ ﻳﺄﺳﺮﻫﻢ ﻓﻴﺘﻬﻠﻠﻮﻥ ﻟﺸﻮﻛﺘﻪ .. ﻭﻳﻐﺼﺐ ﺃﻣﻮاﻟﻬﻢ ﻓﻴﺤﻤﺪﻭﻧﻪ ﻋﻠﻰ ﺇﺑﻘﺎﺋﻪ ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ ﻭﻳﻬﻴﻨﻬﻢ ﻓﻴﺜﻨﻮﻥ ﻋﻠﻰ ﺭﻓﻌﺘﻪ ؛ ﻭﻳﻐﺮﻱ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺾ ﻓﻴﻔﺘﺨﺮﻭﻥ ﺑﺴﻴﺎﺳﺘﻪ ﻭﺇﺫا ﺃﺳﺮﻑ ﻓﻲ ﺃﻣﻮاﻟﻬﻢ ﻳﻘﻮﻟﻮﻥ ﻛﺮﻳﻤﺎً .. ﻭﺇﺫا ﻗﺘﻞ ﻣﻨﻬﻢ وﻟﻢ ﻳُﻤَﺜِّﻞ ﻳﻌﺘﺒﺮﻭﻧﻪ ﺭﺣﻴﻤﺎً ﻭﻳﺴﻮﻗﻬﻢ ﺇﻟﻰ ﺧﻄﺮ اﻟﻤﻮﺕ ، ﻓﻴﻄﻴﻌﻮﻧﻪ ﺣﺬﺭ اﻟﺘﻮﺑﻴﺦ ﻭﺇﻥ ﻧﻘﻢ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻨﻬﻢ ﺑﻌﺾ اﻷﺑﺎﺓ ﻗﺎﺗﻠﻬﻢ ﻛﺄﻧﻬﻢ ﺑﻐﺎﺓ. ﻭاﻟﺤﺎﺻﻞ ﺃﻥ اﻟﻌﻮاﻡ ﻳﺬﺑﺤﻮﻥ ﺃﻧﻔﺴﻬﻢ ﺑﺄﻳﺪﻳﻬﻢ ﺑﺴﺒﺐ اﻟﺨﻮﻑ اﻟﻨﺎﺷﺊ ﻋﻦ اﻟﺠﻬﻞ ﻭاﻟﻐﺒﺎﻭﺓ .. ﻓﺈﺫا اﺭﺗﻔﻊ اﻟﺠﻬﻞ ﻭﺗﻨﻮﺭ اﻟﻌﻘﻞ ﺯاﻝ اﻟﺨﻮﻑ …)
فالشعوب هي من تصنع الطاغية … فيشمخ الطاغية مزهواً .. ويردد انا ربكم الاعلى ولا اريكم الا ما ارى .. والشعوب تفعل ذلك بدافع الخوف من جهة .. ومخدوعة من جهة أخرى .. وهذا الخوف لا ينبعث إلا من الوهم. فالطاغية هو فرد .. والفرد لا يمكن أن يكون أقوى من الألوف والملايين .. لو أنها شعرت بإنسانيتها وكرامتها وعزتها وحريتها …
ونردد مع ابو القاسم الشابي
إذا الشعب يوماً اراد الحياة
فلابد ان يستجيب القدر
ولابد لليل أن ينجلي
ولابد للقيد ان ينكسر
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..