أزمة المناصير أم أزمة النظام

أزمة المناصير أم أزمة النظام

عبدالله مكاوي
[email protected]

تعد مشكلة المناصير واحدة من حلقات مسلسل الفشل الذريع الذي عودنا النظام علي إخراجه حيث يبدأ المسلسل بمطالب موضوعية وبسيطة ومستحقة لجهة محددة تقابل بإهمال واستخفاف من قبل النظام الذي يدعي تقديم نموذج طاهر للحكم وهو شعار يتطلب منه المسئولية عن بقرة تعاني في نواحي كاجوكاجي أو( غنماية) تائهة في نواحي الضعين لما لم يسوي لها المراحيل ناهيك عن بشر كرمهم المولي تعالي وحض علي احترام آدميتهم، ومع استمرار إهمال النظام لتقديم حلول سريعة و مقنعة تكبر المشاكل وتتعقد ألازمات وعندما تصل المواجهة بين الجهات المطالبة بحقوق شرعية والنظام لمرحلة إراقة الدماء تكتسب المطالب نوع من القداسة او الحساسية الأخلاقية لدماء الشهداء وبالتالي يمثل أي تراجع عن سقف المطالب العالية نوع من الخيانة ويدخل الطرفان في حالة من أزمة الثقة تمهد لتدويل القضية لردم هوة انعدام الثقة بين الطرفين وعند وصول الأمور لهذه المرحلة تكتسب مفاهيم مثل الشرعية والحماية مدلولات متباينة لطرفي الصراع ويكون الضحية الوطن والمواطنين البسطاء ليدفعوا الثمن غاليا لقضايا يمكن حلها بالحوار ولا تتطلب إلا تخلي النظام عن التعنت المفضي للمهالك وهذا هو الطريق الذي تسلكه قضية المناصير واضحة المطالب سهلة الحلول لكل صاحب بصيرة وإرادة تؤهله لممارسة الحكم وهو نفس السيناريو الذي شاهدناه في دارفور والنيل الازرق وجنوب كردفان وقبل ذلك مشكلة الجنوب وهي تجارب لم تورث حكمة لدي النظام الذي ما زال يلدغ من جحر أخطائه عشرات المرات بنفس الطريقة مما ولّدَ مجموعة من ألازمات والكوارث يرزح تحت وطأتها ما تبقي من وطن المليون(محنة)* مربعة وكل ذلك جعل المواطن ينظر للمستقبل بعين الخوف والقلق مما يحمله في جوفه من صعوبات اقتصادية ومعوقات سياسية ونذر الشر المستطير بتفتت الوطن وذهاب ريحه خاصة والمواطن المسكين لم يبقي في جسده مكان إلا وتعرض لضربة رسوم او طعنة جباية حولت حياته الي رحلة معاناة سرمدية عكس الشعوب الأخري التي تستقبل العام الجديد بالترحاب والفرح بما يحمله لها من زيادة في الدخل والنمو وفرص العمل وإنجاز الأهداف المرسومة بدقة والرفاهية وإقامة الأنشطة الثقافية والاجتماعية بمشاركة الجميع وهي ضاحكة مستبشرة مقبلة علي الحياة برغبة واستمتاع. كل ما سبق يقودنا لنتيجة خلاصتها أن ألازمة الحقيقة ليست أزمة المناصير ولكنها أزمة نظام ووطن يحكم بواسطة عقليات مأزومة تعاني من عقدة غياب الشرعية التي تشكل لها حالة من فقدان الطُمأنينة وتتمظهر بصورة جلية في تضخم الهاجس الأمني والتعامل مع كل القضايا والمشاكل بشئ من الريبة والشكك وتتحول المطالب البسيطة لأي جهة الي نوع من السعي لنزع السلطة وإمتيازاتها من المجموعة الحاكمة وبالتالي يغيب عن ذهنها موضوعية المطالب ومشروعيتها مما يستوجب تقديم حلول مرضية وهي ممكنة ومتوفرة(الدليل المبالغ المهولة التي تصرف علي الحرب والتي لو وظف ربعها لإحداث تنمية فعلية لكانت كافية لإرضاء كل الجهات) ولذلك تسارع الي ما تعتقد انه يوفر لها الحماية وهي الحلول العسكرية (الابن الشرعي للخوف وفقدان الشرعية). ومن الجانب الآخر تحتاج الإمتيازات الهائلة التي تُقدّم للأجهزة العسكرية الي دليل إثبات لمدي إخلاصها للمجموعة الحاكمة ولذلك تسارع لتلبية رغباتها من غير نقاش او علي الأقل تبرير تحوّل عقيدتها من حماية البلاد وأمنها الي حماية المجموعة الحاكمة وامتيازاتها علي حساب دماء إخوانهم في الوطن وتدمير مناطقهم وهتك النسيج الاجتماعي صمام الأمان لبقاء الوطن سالماً. ومع مرور الوقت تتبلد أحاسيس المجموعة الحاكمة ويدب الوهن في عضد اهتمامها بمشاكل المواطنين وتتقطع خيوط أمل المواطنين في نظامهم وتتولد جدران انعدام الثقة والكره بين الطرفين ويحس المواطن ان النظام لا يهمه شئ سوي استغلاله والتمتع بنتاج جهده وكسبه وحرمانه من ابسط الاحتياجات وينظر النظام لشعبه بنظرة الازدراء ويصوره كمجموعة كسالي فاقدة للأهلية لأداء ابسط المهام وأنهم كثيري المطالب قليلي العمل ومن الأفضل إحضار شعوب دول أخري لتنجز مشاريع النظام الرسالية وخططها الاستراتيجية الربع قرنية وبرامج طلوع الفضاء ونزول القمر وغيرها من أوهام ومشاريع الهروب من الواقع الذي يزداد تعقيد وعندما يشعر النظام بصعوبة الأمر يلجأ لتقديم الحلول الشكلية مع بعض الحوافز كهامش الحريات والانتخابات الصورية معلومة النتائج والنِسب مسبقاً وإشراك جزء من المعارضة والمجموعات التي تقاتلها بعد شق صفوفها واستقطاب العناصر الرخوة، كنوع من المسكنات التي تشعرها بشئ من الاستقرار وتعفيها من ارق السطو علي السلطة بليل شديد السواد وهو الامر الذي يكدر عليها مباهجها ويجدد لها المواجع ، وكل ذلك يقود لواحد من امرين إما ان يشعر النظام بخطورة الامر ويتحرك العقلاء(لو وجدوا) داخله لفتح مسارات الحرية والمشاركة الفعلية للجميع والتخلي عن السلطة بصورة حضارية والاكتفاء بما أحدثوه من خراب وإلتهامهم لكيكة السلطة بنهم وشره لوحدهم مما سبب لهم اختناق في حلوقهم وتفكيرهم وضمائرهم وعرّض معدة البلاد للاضطراب أو الانتظار الذي يقود للنقطة الحرجة وهي نقطة اللاعودة وحدوث الانفجار العظيم وهي النقطة التي يشعر فيها المواطن ان الموت افضل من حياة المهانة او بتعبير حميد الموت حياة الميتين وان القبول بهكذا نظام هو إهانة له ولتاريخه النضالي ولرفضه للظلم والحقارة. وهنالك مقولة تنسب للرئيس الأميركي الأسبق كينيدي مفادها (إن من يمنعون الثورات السلمية يجعلون الثورات العنيفة حتمية).
قبل الوداع
*إقترب الأستاذ الرائع صاحب الذاكرة الحديدية والإسلوب الشيّق في ألحكي شوقي بدري ابن امدرمان البار من حاجز ال (100) محنة وتبقت له (900 ) محنة ليكمل مجموع محن الوطن وذلك بدون محنة الوطن الكبري والمتمثلة في سوء الحظ الذي لازم الوطن بفقد أميز وأحب أبنائه بطرق مأساوية في أحرج الأوقات وهو ما عبر عنه علي ما اعتقد عاطف خيري بقول(هذا الوطن عندما يبتسم يحطّ علي فمه الذباب).
أللهم ارحم الصحفي الكبير سالم احمد سالم وأدخله فسيح جناتك مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين والوطنين وحسن أؤلئك رفيقا، والزم أهله ومعارفه وقرائه الصبر الجميل في فقيد الوطن المنكوب. وإنا لله وإنا إليه راجعون.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..