جرينا جنس جري

الناس والحياة

جرينا جنس جري

أمل هباني
[email protected]

-أزيك يا نجاة ،والله ما عرفتك ،جيتي متين ،حمدلله على السلام ،أن شاء الله طلعتوا سالمين من الحرب دي؟
_وصلنا لينا أسبوع ……سالمين وين ؟؟؟؟؟؟ …والله تعبنا تعب ….جرينا جنس جري من الضرب والموت ،نحن ماشين عشرة يوم لحدي ما وصلنا الابيض ،لا اكل لا شراب ،كباية السكر بخمسة جنيه،كباية اللبن بخمسة جنيه ….وصلنا عريانين وحفيانين وأبو عيالي ،لي هسع ما عارفة عنو شى ..طشينا كلو زول في جهة عشان نخارج روحنا ..ركبنا من الابيض ،وضربنا لي ود ابتسام جارتنا… تتذكريها ؟ شغال هنا في الخرطوم …استقبلنا ودفع لينا حق الترحيل ماقصر ..هسع عملنا لي عشة في ام درمان وقعدنا فيها ..
كان هذا حوارا مع نجاة جارتنا .. بعد أن عادت من كادقلي التي رحلت أليها قبل عامين
*ونجاة جارتنا كانت تسكن في (عشة ) (عشوائية ) قرب منزلنا ؛كانت شديدة الأهتمام بنظافة بيتها الصغير ذاك وأن كان (عشة ) من شوالات واعواد …ونظافة ابنائها وأن كانوا يقضون يومهم في الشارع الذي هو مآواهم ومسكنهم …كانت تعمل في خدمة البيوت ،تنظف وتكنس وتغسل وتكوي …وكانت أمرأة ذات خلق وتهذيب عال …لا يشبه سوء ظروفها تلك …بل أن ظروفها هي التي لا تشبهها ،فهي ابنة أسرة محترمة ..,والدها محترم بين أهله وعشيرته * لكنها الحرب التي تثقل القلب وتغير أيقاع الحياة الى النقيض من فعل بنجاة وآلاف أمثالها ذلك ؛وهاهي الحرب (تنيخ راحلتها ) مرة أخرى في ديار نجاة واهلها في جنوب كردفان فبين حربين تجرى احداث حياتها التي ترقص على أيقاع الحرب .
*عندما عادت نجاة الى موطنها الاصلي كانت في قمة السعادة لان السلام قد حل هناك وحل معه الاستقرار وراحة البال ،واتصلت بأمي من هناك لتخبرها أنهم وصلوا بخير ،وانها نفذت وصيتها بالا تترك بناتها قبل اولادها بدون تعليم ،وأنهم جميعا البنات والبنين اصبحوا يذهبون الى المدرسة ،وأن حياتهم أسعد

*لكنها الحرب التي يدفع فاتورتها نجاة وابنائها وأكثر من ستون الف نازح مثلهم …تستقبل الخرطوم وحدها ما يزيد عن اثني عشر الفا منهم ،ليعودوا لذات الواقع الذي ما أنفك يلاحقهم رغم فترة السلام القصيرة التي لم تتجاوز العشرة أعوام ..
*نفس الذين يدفعون الفاتورة كل مرة ….من النساء والأطفال والشيوخ …ويزداد تهميشهم وتزداد معاناتهم ويثقل الحمل …..وكأنهم يلعبون في لعبة متاهات الحياة ما أن يتجاوزوا واحدة حتى يجدوا أنفسهم قد عادوا من حيث أتوا ..
* تعود نجاة للخرطوم التي تفتح ذراعيها كأم رؤووم للجميع ،لكنها وبفضل ظروفها وحملها الثقيل لن تستطيع أ ن تعيش سوى في هامش كرش الفيل هذه ،تدق أبواب البيوت بحثا عن خدمة منزلية لا تجيد غيرها فهي بلا شهادة تعليم ولا مؤهل عمل ….تبحث عن قوت ابنائها بين فتات الموائد …تزداد صبرا وقوة على ذلك الكم الهائل من الصبر الذي اكسبته لها الحياة والذي جعلها تنجب وحدها ذات مرة دون مساعدة ولا حتى من جارة سمعت صراخ المخاض …لانها من قوتها وصبرها لم تصرخ أصلا
*هل ستبقى نجاة واطفالها يتوارثون التهميش جيلا بعد جيل ….ويدفعون في كل مرة فواتير ثقيلة ومرهقة لا قبل لهم بها ؟
* دعونا نحاول أن نفتح بيوتنا وقلوبنا الى اولئك العائدات من نار الحرب في جنوب كردفان …نداوي معهن بعض جراحهن …نتقاسم الطعام والكساء …علنا نطفئ بتكافلنا وأرثنا في التسامح الاجتماعي كما اسماه الامام الصادق المهدي في خيمة الصحفيين أمس الأول نار الحرب التي لا تستعر نيرانها في أجواف المدافع بل في قلوب الناس وأفكارهم أو كما قال الأديب اللبناني ميخائيل نعيمة .

تعليق واحد

  1. اول مرة فى حياتى …. دمعتى تزرف عشان مقال
    والله و الله و الله لا يوجد بينكم من هو اقرب إلى هذا الحاكم منى فى صلة الرحم …. لكن إنى كفرت بحكمه و تيقنت من ظلمه ….. كيف يسمح من يدعى الاسلام ان يتعرض رعاياه لمثل هذه الظروف ؟ يا عمر اتقى الله …. يا عمو اتقى الله
    حرام عليك حرام عليك ……. اوقفوا سلاح الطيران فورا فورا … يا بهاء الدين بكره قدم اسقالتك …. ما ينفع كده

  2. كم من نجاة تكابد في هذه البلاد؟!!
    كم من أم فقدت زوجها وصارت وحيدة تسعى لتعليم أبنائها؟
    الله ارحم نجاة وارزقها من فضلك العميم

  3. يا الله يا معين…هذه مأساة اخري تشبه مأساة جنوب السودان و هذا ما زادت المشاكل في السودان عندما ياتي مثل هذه المسكينة الي الخرطوم كعاصمة بلادها تجد هؤلاء البشر سليطين اللسان يسمونها خادمة تارة و عبد تارة اخري….و عندما تري مستقبل ابناؤها السمر قاتم تشعر بنفور مما ظنته و سمته وطنا…مش كدة وبس عندما تطبق الشريعة الاسلامية في البلد تتمسك الدولة بمطايقتهم و تطبق فيهم اقسي انواع العذاب باسم الدين. اذا لم ينتبه السودان هذه المرة فان جنوب كردفان و دارفور ذاهبون لتقرير المصير…لان مواطن الجنوب هو الذي قرر الانفصال و ليست الحركة الشعبية و ذلك لنتيجة المعاملة السيئة…عشان كدةالدولة لازم ترعي هؤلاء المواطينيين البسطاء الذين في يدهم السكينة التي تقطع البلاد حتت حتت……. جنوبية و افتخر.

  4. نسأل الله ان يكون بكره اجمل وليس ذلك علي الله ببعيد. الدور الاجتماعي الذي تطالب به الاستاذه أمل أكيد سيخفف من مآسي الكثيرين فضلاً عن اثره في دعم الترابط بين المواطنين غض النظر عن الروابط القبلية والجهوية وغيرها مما تجاوزه العالم من انتماءات متخلفة. لعن الله السياسة التي تخرب كل شيئ جميل. ما ذنب الاخت نجاة في حرب لم تشارك فيها باي دور ؟ لماذا تستمر حرب الكل خاسر فيها؟ ولماذا يُحرم ابناؤها الصغار من حقهم في التعليم ؟ بل و حتي في ان يعيشوا بامان في ديار اجدادهم؟
    شخصيا ليس لي ما اقدمه الا الحزن بسبب الحرب والتأكيد للاستاذة أمل بان القلوب مفتوحة اصلاً , و البيوت علي قلة ما فيها من زاد وكثرة ما فيها من الفة ليس لها ابواب.

  5. فرحت بمقالك واعجبت بطرحك بالوقوف إلى جانب ضحايا الحرب… لكن بصراحة رفعتي ضغطي بحاجة واحدة طاري الامام الصادق المهدي ، والله يجازي الكان السبب في كل البلاوي والمحن التي نعيشها اليوم….لكن لا بأس الى الامام في مبادرة مساندة ومساعدة أهلنا المتأثرين بالحرب

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..