معراج سيدي الرئيس: التقراوي العظيم (4)

(حكاوي عن الديكتاتورية وفساد الطغمة)..
كان ذلك اليوم هو اليوم التالي لحولية العارف بالله الشيخ ود الارباب يسمى بالعربية يوم (تجمع خليفة) ويقال له بالامهرية (خليفة سبسبة).. ظل خليفة بعشوم متقلب المشاعر ما بين التوتر والرهبة والرجاء.. ملأ رئته بهواء الصباح المخلوط بذرات الندى.. وقف في منتصف الكوبري الفاصل بين الدولتين.. الكوبري المشيد على خور ابو نخرة.. على الشمال تقع بلاد الحبش تلبس ثوب الحرية القشيب الذى طرزه لها (التقراوي العظيم).. وفي اقصى البلدة تنتظره الجموع الهادرة عند قبر المك نمر حيث تهيء قدست اديسو وزوجها درجي مركوس مكان اللقاء.. على الجنوب تقع بلاد الغبش بلاد يقود دفتها المتسلطون الذين يشبهون هنري الثامن في اوجه عديدة.. ويحكمها رئيس اتسم عهده بالتعسف والعنف والقهر..
على وجه العموم بلاد الاحباش تقع شرق بلاد الغبش لكن النتوءات والتداخلات الجغرافية على الحدود تجعل احيانا بعض مناطق وبلدات الغبش تقع جنوبا أو شمالا خلافا للعادة..
وقفة خليفة بعشوم تلك تسمى (وقفة التجليات).. يتسمر في مكانه في العادة نصف ساعة كاملة.. كان عليه اجترار كتل من اضابير الماضى.. بحلق ناحية تبلدية (مكنن تكر) التى تقع غرب حي جنقرة.. رفع علم الغبش عاليا بينما امسك بعلم الحبش مطويا بين يده..انه عند اخر نقطة في الحدود خطوته التالية ستدخله في بلاد يتكلم اهلها لغات اعجمية .. عليه استدعاء ذكريات مؤلمة من جحور الماضي.. ذكريات لرجل سيء الصيت اضاع اجزاء واسعة من البلاد.. كان ذلك الرجل اسمه الخليفة عبد الله التعايشي.. حكم بالقوة والكبت وخنق الحريات العامة.. اكل ابناء الثورة الذين شيدوا اعمدتها حجرا حجر.. اضاع دولة كاملة اسمها الدولة المهدية..
اضاع الخليفة عبد الله التعايشي فرصة ان يحافظ على زعامته وعلى استقلال البلاد قاطبة حتى في ظل القوى الاستعمارية كما فعل الملك منليك الثاني.. لكن حكم البطش والتنكيل بالاعداء المترسب في ردهات عقليته هي التى جعلت بنيان الدولة يتخلخل.. فكانت النتيجة الحتمية خسران المتمة وفازوغلي وبني شنقول الى الابد.. وفي النهاية خسر الغبش دولتهم ذاتها وبسط الاستعمار سجادته عليها.. وطوى دولة شيدها مهدي الله ومنح مفاتيحها لمن لا يتسحق الخلافة بعده.. كل مؤهلات الخليفة عبد الله التعايشي انه اول من امن بالمهدي.. كما ان كل مؤهلات السيد الرئيس صقر على الاسبليطة يضغط عليه بأصابعه وبعض نجيمات خاب وهجها..
صوب خليفة بعشوم نظره ناحية شجرة تبلدية (مكنن تكر)
.. ويقال ان تحت هذه التبلدية جلس الملك يوحنا الرابع قبل ان يلقى حتفه على يد دراويش الانصار..
كان العمدة شيخ خريف تحت ظل هذه التبلدية يقول لخليفة بعشوم اننا هنا في هذه البلاد مثلما خلية نحل فائرة… الحاشية هي من تخدم السيد الرئيس وليس العكس.. لان السيد الرئيس هو اساس وحدة البلاد.. لم يدر العمدة شيخ خريف ان السيد الرئيس كما الخليفة عبد الله التعايشي.. هو من قطع اوصال الدولة وشرذم الشعب.. واقام دولة الفاقة.. وحكم بناصية التعذيب ونصب اعلاما من الويل وبيارقا من الثبور.. لكن هناك رجل واحد رفض الاستضعاف وخنوع السيد الرئيس للاحباش هو ود سليكان.. الابن البكر لسليكان مردوم سليكان الرجل الذي مات بوباء الكوليرا.. الرجل الذي جادل السيد الرئيس وهو في الرمق الاخير من الحياة..
القي خليفة بعشوم نظره على يمينه فاذا بجموع من الاعراب تقف على امتداد خور ابونخرة حتى مزرعة بيينة قبر قيدوم تمهيدا لاقتحام المتمة.. كانت الجموع متحفزة لاقتحام جنقرة والبارات الممتدة طوال الطريق..
ألقى خليفة بعشوم نظرة الى الامام حيث كبلاي الحبش (الجمارك) على الضفة الاخرى لخور ابو نخرة.. كان يقف الرجل الذي اغضب عبد الكريم نيانق مرارا.. انه كداني كرانكيل الذي قال وهو يسدي النصح لعبد الكريم نيانق الموفور بالحب الجارف للمومس زيني هبتو: (انها مثل قناة تلفزيون الحكومة متاحة للجميع.. ابحث عن قناة تلفزيونية مشفرة تكون ملكك وحدك لا احد يشاركك المضاجعة معها.. ستشعر بالمتعة والاثارة والايثار).. لكن عبد الكريم نيانق لم يرض ان يواجهه احد بالحقيقة التى حاول ايداعها عبثا في كوة النسيان.. كان يتحين الفرص لاختلاق المشاكل والمناكفات مع كداني كرانكيل بسبب او دون سبب.. حتى ان العمدة شيخ خريف زجره وطالبه بالكف عن ملاحقة كداني كرانكيل لان عداءه مع هذا الحبشي القادم اكسوم يمكن ان يجر الدولتين لحرب لا تنطفي نارها خلال يوم او ليلة ..
[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..