ثورة التغيير وإرادة الإصلاح

ثورة التغيير وإرادة الإصلاح
عثمان احمد فقراي

يمكن لأي محلل ومتابع للثورات الشعبية التي أسقطت نظامين شموليين من حولنا (تونس -مصر) أن يصل الى نتيجة واحدة واضحة,وهى أن الشعوب تعشق الحرية وتكره الاستبداد والعبودية , الأمر الذي أربك النظم المشابهة لها ,مما أصاب قيادات تلك النظم بالإنزعاج خاصة الأقدم منهما فى دول الجوار ,والمتمثلة فى “الجماهيرية الليبية”,التى انفرد بحكمها الزعيم الليبى لأكثر من أربعين عاما, والذى ما فتئ يضيف كل الصفات التى تمثل القيم والمبادئ التي تتطلع اليها الشعوب حتى أصبح أسم الدولة أطول من حجمها , صحيح أن القذافى اسعد شعبه بالرفاه والتنمية وأسكنهم فى منازل مشيدة بدلا من الخيام التي سكن فيها هو كرمز لعزة العرب ,ومتع شعبه من عائدات النفط عكس النظم الأخرى,ولكن رياح التغيير والهبات الشعبية أقلقته الأمرالذى انعكس على تصريحاته ووقوفه الى جانب الرئيس التونسى المخلوع الذى رفضه شعبه,مما يثبت أن الدكتاتوريات تساند بعضها البعض برغم الشعارات الثورية التى كان ينادى بها القذافى فى بداية عهده,كما تؤكد الاحداث أن الشعوب تواقة الى الحرية أكثرمن إى شىء أخر .
مرت لحظات عصيبة خلال تلك الايام ونحن فى قمة الانفعال مع احداث الثورة المصرية التى قادها شباب مصر الابطال التى تابعها معنا حتى اطفالنا على قناة الجزيرة التى أصبحت نصيرة الشعوب والتى دعمت الثورة بأقوى سلاح وهو الإعلام الذى أثبت فعاليته وأثره بالرغم من كل وسائل الإغلاق والتعتيم وحجب الاخبار عن طريق الأقمار الصناعية خاصة نايل سات ,إلا أن وسائل العولمة التى الغت الحدود والمسافات فى العالم الجديد,وبالتالى ثبتت شاشات الجزيرة لتغطى الاحداث ساعة بساعة,مما جعلنا ننسى قنواتنا الوطنية والتى عندما نحول الروموت إليها خلسة لنأخذ مجرد بصة نجدها غارقة فى الغناء من كل الانواع.
ولكن لفت نظرنا خلال تلك الاحداث مقال الدكتور إمين حسن عمر على صفحات السودانى الغراء تحت عنوان”التغيير مطلوب الساعة”!! ,مما جعلنى افرك عينى واعيد قرأته لأكثر من مرة حتى اتأكد إن المقال فعلا كتبه احدى مفكرى الإنقاذ,الأمر الذى جعلنى انظر الى المستقبل بشىء من التفاؤل إذ عاد المفكرين من ابناء السودان ويلقون نظرة موضوعية وواقعية على احداث التاريخ وإرادة الشعوب التى تنشد التغييروممارسة الحرية فى حياتها ,حيث تناول المقال أهم القضايا الوطنية التى تخرج السودان من الاحتقان والاحتراب وذلك بأسلوب موضوعى رصين , حيث تناول أهم القضايا واجندة الحوارنستخلص منها بعض الفقرات الهامة فى المقال مثل “الحوار حول الأجندة الوطنية لبلورة رؤية للمستقبل”00 “ويتوجب ان يشمل الحوار القوي السياسية والاجتماعية دون إقصاء”00على ان يكون حوار نظراء تكون أدواته البينة والحجة وليس الغلبة والسلطان”00″أن استخدام السلطة دون استناد إلى قوة الرأى الموالى أو التسليم بالتفوق لصاحب السلطان أمر قد ترتفع تكلفته” وهو الأمر الذي أصاب الحزب الحاكم فى مصر عندما زور الانتخابات وكانت النتيجة الثورة الشعبية التى اطاحت به, وكانت تقتضى الحكمة أن نتبع فى السودان هذا المنهج قبل انتخابات أبريل الماضى التى شكلت برلمان انفرد به الحزب الحاكم بدون معارضة؟!, ثم جاءت تصريحات مماثلة من قيادات عليا فى الحزب الحاكم فى نفس الاتجاه,مما يؤكد أن الفرصة مازالت مواتية إذا سرنا فى طريق الإصلاح قبل التغيير بأبهظ التكاليف استلهاما لتاريخنا الذى سبقنا فيه كل الشعوب فى مصر وتونس وغيرها منذ ثورات أكتوبر وأبريل الخالدتين .
وبناء عليه مازال الأمل معقود فى كل أهل السودان وحكماءه فى الحكومة والمعارضة خاصة فى الجمهورية الثانية التى بشرنا بها السيد نائب الرئيس ,إذا ما احسنا النوايا وافسحنا المجال للفكر الحر والمنهج السليم مثلما اتبعناه فى نيفاشا بنفس القيادة الحكيمة التى اوصلتنا إلى السلام الذى نعيشه الأن وذلك باجراء إصلاحات جذرية, خاصة فى الدستور الانتقالي الذى يحكم البلاد وهو من نوع الدساتير التعاقدية اى تم بناء على اتفاق بين طرفين فى مرحلة غير ديمقراطية غابت فيه إرادة و إجماع الشعب ,الذى فى أحشائه يحمل الكثير من التعقيدات الدستورية التى إن لم تعالج بحكمة وبإجراء إصلاحات دستورية فى هيكل الحكم (نظام الحكم ? السلطة ? والثروة ? الأقاليم ? الولايات) كل ذلك قبل انتهاء الفترة الانتقالية بدلا من إصلاحات الزمن الضائع التى اتبعها “مبارك” والذي أطاحت به وبنظامه ثورة التغيير, على أن يتم ذلك بمشاركة جميع القوي السياسية فى (مؤتمر دستوري) لتكون جهة تأسيسية لصياغة دستور مؤقت امتدادا لفترة انتقالية باجماع القوى السياسية التى كانت لها شرعية فى البرلمان السابق فى الديمقراطية السابقة ,لأن المادة( 224) الفقرة (1) تنص (على عدم جواز تعديل الدستور إلا بموافقة ثلاثة أرباع جميع الأعضاء لكل مجلس من مجلسي الهيئة التشريعية القومية .. الخ) فإذا انتهت الفترة الانتقالية بدون إصلاحات دستورية بإجماع القوى السياسية لحين اعتماد الدستور الدائم مع سقوط اكثر من 110 مادة منه إى نصف مواد الدستور ستشكل خلل كبير بالرغم من نص الفقرة (9) من المادة (226 )التى تنص على سريانه لحين اعتماد دستور دائم,بينما شرع الدستور الانتقالى 2005م بإرادة حزبين هما المؤتمر الوطنى والحركة الشعبية وبمشاركة هامشية من أحزاب آخري, بناء على (اتفاقية السلام الشامل)التي تعتبر بنود “الاتفاقية “هى الدستور الأشمل حسب بنود الاتفاقية نفسها ومفوضية المراجعة الدستورية للفترة الانتقالية ,وهو أمر مخالف للفقه الدستوري الذي يقر مبدأ سمو الدستور فوق كل القوانين والتشريعات, وقد تم ذلك الوضع إستثناء من أجل تحقيق السلام وليس بإجماع أرادة أهل السودان وبالتالي يعتبر حالة مؤقتة لاتعبر عن إرادة الأمة, فأذا استمر الدستور الحالي بعد إسقاط المواد التي تحكم الجنوب سيكون دستور أعرج يمثل إرادة ورؤية حزب واحد من شمال السودان بعد انسلاخ شعب الجنوب نفسه الذى شارك ممثلوه ونوابه فى وضع ذلك الدستور الانتقالي فالأمر يتعلق إذن بطبيعة الدستور نفسه وليس لنصوصه , مما لا يساعد حتما على الإصلاح الذي نراه بديلا للتغيير, لأن اردة الشعوب من أرادة الله الواحد القهار وإليه ترجع الأمور وهو المستعان.

عثمان احمد فقراي
[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..