«القاعدة» تطل مجددا في السودان

عثمان ميرغني

إحساس بالصدمة والحزن ينتاب المرء عندما يسمع أن تنظيم القاعدة بالسودان أعلن قبل أيام عن تشكيل جناح طلابي له بجامعة الخرطوم، أعرق الجامعات السودانية وأهم مراكز النشاط السياسي الطلابي. ذلك أن السودان لم يعرف عنه العنف والتطرف، كما أن السودانيين عرفوا دائما باعتدالهم وتسامحهم، ونبذهم الفطري للغلو، وهي صورة ظلت راسخة لم تتغير إلا في ظل حكم إسلاميي نظام الإنقاذ الحالي. فقد فتح هذا النظام في بداياته أبواب السودان للإسلاميين بكل أطيافهم من سياسيين وحركيين ومتطرفين، بغية الاستقواء بهم ولتنصيب نفسه قائدا لحركات الإسلام السياسي، بعد أن أخذته نشوة الوصول إلى سدة الحكم والانفراد به، وإن كان بالخداع وعن طريق الانقلاب العسكري وليس عبر صناديق الاقتراع، ليصبح بذلك أول حركة من حركات الإسلام السياسي في المنطقة العربية تنفرد بالسلطة.

استخدم النظام الشعارات الإسلامية لأغراضه السياسية ولكي يعطي لنفسه شرعية بعد أن أخذ السلطة عنوة واغتال النظام الديمقراطي الذي كان قائما آنذاك، وكان الإسلاميون يعملون بحرية في ظله. كما جند الشباب ودفع بهم إلى ساحات القتال في الجنوب تحت راية الجهاد، بينما أفردت مساحات في التلفزيون الحكومي لبث البرامج الحماسية عن «ساحات الوغى» و«أعراس الشهداء» الذين يموتون في ساحات القتال.

تلك الأجواء كان لا بد أن تفرز بعض الحركات المتطرفة والتكفيرية التي شن منتمون إلى إحداها هجوما بالأسلحة النارية على مسجد لأنصار السنة بمدينة الثورة في أم درمان وقتلت عددا من المصلين أثناء صلاة الجمعة، في عمل لم يعرف له السودان مثيلا من قبل مما أحدث صدمة واسعة، وجعل الكثير من العقلاء يحذرون من مغبة النفخ في خطاب التطرف. لكن نظام الجبهة الإسلامية مدفوعا بنشوة السلطة وأحلام القيادة الإسلامية التي راودت الترابي وبعض أتباعه من القيادات الحاكمة، لم يستمع للنصح وتمادى في خططه بعقد المؤتمرات للإسلاميين الهاربين من بلادهم وبفتح الحدود للمتطرفين المطلوبين للمحاكمة في بلدانهم، وبمد بعض القادمين إليه من «الإخوة» بجوازات السفر العادية والدبلوماسية. وفي تلك الفترة استقبل النظام أسامة بن لادن الذي مكث في الخرطوم خمس سنوات أقام خلالها بعض المشاريع والمزارع التي استخدم بعضها في أغراض التمويل والتدريب لعناصره، كما مرت على السودان عناصر قيادية من الجماعة الإسلامية المصرية ومن تنظيم الجهاد، مما أدى إلى توتر علاقاته في محيطه القريب والبعيد، لا سيما بعد محاولة اغتيال الرئيس المصري السابق حسني مبارك في أديس أبابا، التي جاء المشاركون فيها من الأراضي السودانية.

هكذا أدخل نظام الجبهة الإسلامية السودان في قائمة الدول الداعمة للإرهاب التي لم يستطع الخروج منها حتى اليوم، وجر على البلاد الكثير من المصائب والويلات التي قد يدفع الناس ثمنها لسنوات طويلة قادمة. وقد اكتشف النظام متأخرا أنه لا قبل له بمواجهة العزلة والضغوط الدولية، فطلب من «ضيوفه» المغادرة ومن بينهم بن لادن الذي توجه إلى أفغانستان، كما سلم الإرهابي الفنزويلي كارلوس الذي كان مقيما في الخرطوم إلى فرنسا بعد صفقة مع مخابراتها. لكن تلك الخطوات والأخرى اللاحقة لم تنفع في تبييض وجه النظام، على الرغم من أنه تعاون مع الاستخبارات الغربية والأميركية على وجه الخصوص وقدم لها الكثير من الملفات والمعلومات، لا سيما بعد تعرضه لغارة أميركية في عهد كلينتون، ثم بعد التحذيرات التي تلقاها في عهد إدارة بوش من أن تشمله الحرب ضد الإرهاب.

على الصعيد الداخلي كانت بذرة التطرف التي سمح النظام بغرسها، بل وأسهم فيها، قد بدأت تنمو وتتفرع إلى تنظيمات وحركات تعتنق فكرا مغاليا في التطرف وفي تكفير الآخرين، ويلجأ بعضها إلى العنف المسلح. وهكذا رأينا مواجهات وعمليات مسلحة لتنظيمات متطرفة يعتنق بعضها فكر «القاعدة»، تحدث في السودان، مثل عملية اغتيال الدبلوماسي الأميركي جون غرانفيل في الخرطوم في مطلع عام 2008، وهي العملية التي تبناها تنظيمان متطرفان أحدهما يحمل اسم «القاعدة في بلاد النيلين» والآخر باسم «أنصار التوحيد».

وعلى الرغم من أن السلطات السودانية تنفي وجود تنظيم القاعدة بالسودان فإنها تقر بوجود جماعات متطرفة مسلحة تخوض مواجهات معها أحيانا مثلما حدث الشهر الماضي عندما أعلنت عن مداهمة الأجهزة الأمنية لمعسكر تدريب يتبع إحدى الجماعات المتطرفة في جنوب شرقي السودان، وهي مداهمة تخللتها معركة بين الطرفين أدت إلى وقوع قتلى. إضافة إلى ذلك فإن عددا من السودانيين اعتقلوا أو قتلوا خلال مشاركتهم في القتال إلى جانب عناصر «القاعدة» في أفغانستان أو في الصومال، مثلما ورد أن بعضهم انضم إلى القتال الدائر في مالي حاليا.

ولعل الأمر المقلق هنا أن «القاعدة» أو تنظيمات متطرفة متعاطفة مع فكرها بدأت تجاهر بنشاطها في السودان مؤخرا، مما يدلل على أنها باتت تشعر بشيء من الثقة بعد أن نجحت في نشر فكرها واستقطاب بعض الشباب. فخلال الشهر الماضي بث موقع «الهجرتين» الذي يعتقد أنه مرتبط بواحدة من الجماعات السودانية القريبة من فكر «القاعدة» فيديو يظهر عملية هروب أربعة من المدانين بقتل الدبلوماسي الأميركي من سجنهم. وكان لافتا أن اثنين من المتطرفين الهاربين ظهرا على الفيديو وهما يشرحان تفاصيل عملية هروب المجموعة من سجن كوبر مع لقطات لعملية الهروب عبر نفق تحت الأرض، يظهر فيها أحد عناصر المجموعة الذي ذكرت تقارير أنه قتل لاحقا في عمليات بالصومال عندما كان يقاتل إلى جانب حركة الشباب.

هذا الظهور المتزايد لعناصر تنتمي إلى «القاعدة» أو تعتنق نهجها يشير إلى أن السودان قد يكون في طريقه إلى مرحلة خطرة من المواجهات مع تنظيمات نمت في ظل هذا النظام وبسبب ممارساته التي فتحت الباب أمام عناصر التطرف، وأفرزت المناخ الذي ولد العنف والكراهية، ولا أحد يستطيع أن يجزم إلى أين سيقود البلاد. فهناك نماذج ماثلة لأنظمة ظنت أن بمقدورها ترويض حركات التطرف واستخدامها لأهدافها الخاصة متى شاءت، لتكتشف لاحقا خطأ حساباتها.. ولكن بعد فوات الأوان.

[email][email protected][/email] الشرق الأوسط

تعليق واحد

  1. لا داعي للاحساس بالصدمة والحزن فالارهاصات لظهور تنظيمات كهذا واردة فالهوس الديني واستحلال دم الغير بدون وجه حق دلالة على المعرفة التامة بامور الدين والكل يفتي على حسب هواه فيمكن ان يقتلوا اي شخصعبر عن رايه طالما كان مخلفا لهم ولا تنسى سياتي يوم تجد فيه قوما من بني جلدتنا من يطلقون على انفسهم عبدة الشيطان سيظهرون قريبا لاننا ولله الحمد شعب يجيد المحكاة والتقليد كما القردة ومع ذلك بسطاء لا نجيد من امور الدنيا الا القليل وممكن اي واحد ياكل بعقولنا حلاوة عشان كدا ياما تشوفوا بلاوي وقالوا البعيش لازم يشوف فالحياة حبلى ويا مثبت العقل والدين

  2. الحرية لنا ولسوانا .
    ألبست هى الديمقراطية من حق اى شخص ينشئ اى كيان ويخضع للقانون الذى يحتكم له الجميع

  3. المثل السوداني يقول ” التربي بي ايدك و يغلب اجاويدك” بدون شك فان النظام الفاسد في السودان هو الذي تسبب في ظهور هذه الحركات الخارجة بل مهد لها السبيل و دربها و فتح لها الفرص العملية لممارسة ” الجهاد” و القتل المنظم في جنوب السودان و غيره… و معروف ان سلاطين النظام و متنفذيه لا يحاربون بانفسهم لان هدفهم هو الدنيا و السلطة و المال و الجاه و النساء لذلك يستعينون بامثال هؤلاء المتطرفين للقتال بالانابة و يكتفون هم بتحميسهم و دعمهم و حمايتهم ليقتلوا نيابة عنهم في احراش السودان و اطرافه البائسة و يذهبون هم لمضاجعة نسائهم المتعددات ثم ياتون في كامل اناقتهم الاوربية الى وسائل الاعلام و اللقاءات ليمارسوا الدجل و الكذب باسم الدين… يبدو انه حان الاوان لينقلب الكلب المسعور ليعض صاحبه

  4. شروق مرت من هنا، والقاعدة مرت من الخرطوم وباضت وفرخت فيها .
    البشير والترابى وعلى عثمان ممثلون بارعون ، يستطيعون إظهار ما لا يبطنون بدرجة إمتياز . أسامة بن لادن والظواهرى بالنسبة لهم حمائم ، يقتلون وهم يبتسمون ، يتآمرون وهم يتحدثون عن مكارم الأخلاق . الأمريكان اكتشفوا خبثهم ، ويداوونهم بالتى كانت هى الداء ، يستغلونهم ويبتزونهم ، وسيرمونهم كما ترمى مناديل الكلينكس بعد استخدامها .

  5. الانقاذ تخبطت و مازالت تتخبط للاستقواء و الحكم لهذه الرقعة من الدنيا .. و لكن عالم الالفيه الثانيه قد تغيرت مفرداته من أسواق و تبادلات تجاريه و الدول الاولاء بالرعايه تجاريا في الاسواق الكبري و استقدام الخبرات من لوتراى و هجرات للخبرات و الشباب من الدول الفقيرة ، و لكن لم تتعلم ذلك الانقاذ كواحدة من منابع هذه الهجرات . القاعدة تنظيم تغذى على ايدى القوة الامريكيه لاغراض من الثمانينات و انتهت بالإستلاء على اكبر طريق للحرير في الشرق الاقصى و تعطيل الاتحاد السوفيتى السابف و تحطيمه تجهيزا لتفكيكه ( كما حدث ).الامداد من شباب السودان للقاعده يتم في غايه البحث عن الدين الصحيح بعد ان ضلت الانقاذ( الضالة اصلا بالنشأة)، فتح الاجواء الديمقراطيه للطرح الجيد هو السبيل الحكيم للتخلص من و دفن بذرة التطرف الدينى التى تنمو في الظلام و تحت اجنحة الوصوليين من مساندى الانقاذ.. و لكن فتح الاجواء الديمقراطيه ليس هو بالسبيل الكافى الا اذا تعلمت الاحزاب انها كانت تصنع هذا المستقبل للسودان من اخطائها فلابد من النقد الذاتى لتجربة الدولة الوطنيه منذ الاستقلال و تصحيح الاخطاء حتى لاياتى مثل هؤلاء مرة اخرى لتقسيم ما تبقى من السودان ..اما الفهم القديم اذلا للاسلام المتسامح هو البئية التى ستقضى على بذرة التطرف الدينى في مناخ متسامح و ديمقراطى ….

  6. دا لو ما كان الموضوع برمته من صنع الكيزان …. وبعدين لما القصة تسخن يقول ليك نحنا بنكافح فى الارهاب

  7. أستاذ عثمان ميرغني
    تحية طيبة
    القاعدة لم تخرج أساسا من السودان هنالك من يجاهرون بدعمهم للقاعدة مثل عبد الحي يوسف وعلاء الدين الزاكي وغيرهم ويجندون الطلاب في الجامعات والثانويات لإرسالهم للقتال في بؤر النزاعات كما في الصومال، أعرف أخوان طلاب تم تجنيدهما وإرسالهما للصومال أحدهما قتل والآخر رفض العودة للسودان بالرغم من تضرعات أمه وأبيه بل كان رده عليهم بمثابة التكفير لهما. الحكومة هي التي جلبت المتطرفين من كل حدب وصوب ووزعت الجوازات الدبلوماسية لقادة التيارات المتطرفة من فلسطينيين ومصريين وجزائريين وتونسيين وليبيين وغيرهم. هذا العمل ابتدأ مع الترابي ومؤتمره العربي الإسلامي ولم ينتهي بعد رحيل الشيخ الذي انقلب عليه سحره. إن الريح التي زرعتها الإنقاذ جنينا ونجني عاصفتها الآن. ألم تر المتطرفين ينبشون القبور ويسعون لحرق القباب ويهاجمون خيم المولد النبيوي الشريف ويحاولون اغتيال رجال الطرق الصوفية.
    الحرب ينبغي أن تبدأ برأس الفتنة ألا وهو نظام الإنقاذ وكنس كل “شذاذ الآفاق” أمثال عبد الحي يوسف وعلاء الدين الزاكي وغيرهم من قادة التطرف الذين تفتح لهم وسائل ألإعلام أحيانا منابرها وتصفهم بالشيوخ.

  8. يا خي لخبطتنا يا عم عثمان فبالله عليك ورجاء خاص وأنا أعلم أنك معتز جدا باسمك

    فأرجو منك وهذا الرجاء من كل الشعب السوداني اليحب قلمك ده أكتب اسم الجد الاكرم يعني

    تاني في الشرق الوسط .. في الحياة .. في القدس العربي … في القيامة أكتب اسمك ثلاثي

    عشان نفرز الكيمان لأنه وكما تعلم بان الشعب السوداني ده بقى يكره الكيزان لي درجة

    ما بتتخيلها ولا كانت عندنا هذه الكراهية لكن الكيزان كرهونا الحب ذاتو دحين يا ود ميرغني

    الاسم الثلاثي واجب وهذه مناشدة…. ولا فض فوك .

  9. هو عثمان ميرغنى بتاع التيار كان قدر يكتب مقال زى دا وهو فى السودان(امبا كان خررررررررا)الكلام الزى كدا مايتجراء يكتبه الا الخال الرئاسى فقط اصحوووووووووو انتو قايلين فى حرية صحافه بالجد

  10. يا اخوانا نحنا ما في عثمان مير غني ده منو نحن في الإنقاذ دي البفكها مننا منوا ، والله نحنا لا شاغلين بي تنظيم القاعدة ولا الواقفة نحن همنا المصيبة المسكن السودان ناس الإنقاذ ديل البشيلهم منو يالله القوي فكنا منهم بأي شئ حتى كان القاعدة والباقي الله كريم. الله يحفظ سودانا.

  11. صدقونى سينقلب السحر على الساحر .. وكما يقول المثل السودانى : ” البيربى المحن لابد يلولى عيالها ” وسيدفع اهل الانقاذ انفسهم الثمن غاليا لاغماض عيونهم عن أمثال هؤلاء وفى اعتقادهم بان السكوت هلى ما يرتكبون من افعال باسم الاسلام يخيف الآخرين الذين لا يقفون مع الانقاذ .. أصبروا وستروا كيف يبكى الانقاذيون من هؤلاء

  12. القاعدة موجودة في السودان بعلم النظام ورغبتو كمان عشان يخوفو بيهم الخارج قبل الداخل لانو الكيزان ديل ديك العدة الكان خلوهو بوسخ وكان هشوهو بكسر

  13. جماعه الهوس الديني ديل حيجيبو للمؤتمر البطني الكفوة الناس ديل ماعاقلين ولا شنو ديراين يخربو السودان ولا شنو زمان طردو بن لادن ليه وقت دايرين يأوي القاعدة ياعالم أتعقلو .

  14. كاتب مقال الشرق الأوسط هو عثمان ميرغني عبدالله والآخر عثمان ميرغني الحسين هو صاحب التيار

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..