دبابيس وتلبيس

بشفافية

دبابيس وتلبيس

حيدر المكاشفي

من الأقوال الغابرة المشهورة التي تصف حال بعض الشعوب السالفة، مقولة مفادها أن اليونانيين قد إشتهروا بالفلسفة والعلوم والمنطق، والفرس بالتدبير والسياسة واللهو والزندقة والإلحاد، والهنود بالحكمة والحساب وأسرار الطب والتصاوير والصناعات العجيبة، أما الأفارقة وسائر البلاد جنوب مدار الجدي فقد اشتهروا بمعالجة الأعراض وترك الأمراض، وبهذا اشتهرنا نحن أيضاً في السودان….
يقول الراوي – محمد لطيف – وأنا هنا أنقل عنه بلساني، إن مجموعة من الطلاب الاسلامويين «تحزمت وتلزمت وتحنفشت» وشقت طريقها إلى الرئيس لا تلوى على شئ وهي تتأبط أمراً جللاً وخطيراً تريد أن تواجه به الرئيس، كان ذلك في زمنٍ ما من زمان الانقاذ هذا الذي منذ أن أظلنا قالوا لنا إن رجاله هم ظل الله في الأرض، يطبقون شرعه ويرعون حرماته ويقيمون الدين كله، ولهذا عجب الناس واندهشوا قبل أن يتعجب الرئيس ويندهش أن يكون أمر أولئك الطلاب الجلل هو المطالبة بتطبيق الشريعة، ثم دار ما دار من حوار بين الرئيس وهؤلاء الطلاب إنتهت خلاصته إلى أن ما أثار حمية الطلاب وأوغر صدورهم غيرة على الشريعة هو أن هناك بعض البنات «لا يثبتن الطرح التي على رؤوسهن بالدبابيس»، كان عدم تثبيت الدبابيس هو الذي أطاح بالشريعة عند أولئك الطلاب… فتأملوا رحمكم الله مثل هذا التلبيس والتدليس، إنها مفارقة الاعتناء بالقشور وصرف النظر عن اللباب والاهتمام بالأعراض وترك الأمراض تستفحل، إنها حجة العاجز بل هي عجز القاصر عن إدراك جوهر الأمور وأصولها لم تسلم منه حتى المجموعة التي خلعت على نفسها صفة علماء الدين، والتقت الرئيس أخيراً ودار بينها وبينه مثل ذاك الذي دار بينه وبين أولئك الطلاب….
التلبيس والتدليس بمعنى إختلاط الظلام بالنور وتعويم الأشياء والتهويم بعيداً عن الحق والحقيقة أصبح ممارسة فاشية عند القوم على مختلف درجات قوامتهم علينا، إذا سُئل الواحد منهم عن مصدر تمويل بناية غاية في الروعة والفخامة والابهار قال لك بعنجهية «ومال أهل أبوك إنت»، وإذا ما ووجه أحدهم بمظنة فساد ترك كل شئ وهجم على زمارة رقبتك ليلهيك بنفسك ويصرفك عن هذا الحق العام من أجل عيون الحقوق الخاصة والمجاورة، وهكذا ما سئل مسؤول عن شئ لا يسره إلا ولجأ لأسلوب المداورة والمداراة والتلبيس والتدليس وتسفيه القضية موضوع السؤال، وانظروا إلى القضية التي أثيرت أخيراً واتهم فيها مدير الهيئة العامة للحج والعمرة بجملة من المخالفات والمفارقات التي يرقى بعضها لدرجة مفارقة الشريعة، فلا يهتم الرجل بإثبات براءته بتفنيد هذه الاتهامات بنداً بنداً، بل حرص كل الحرص على تثبيت نفسه في الوظيفة بأن نفى نفياً مغلظاً إقالته أو ايقافه عن العمل وإحالته للتحقيق، وقال بالحرف إن ما تردد عن إقالته شائعات وأمانٍ، فماذا نسمى ذلك وعلى أي وجه نفهمه إن لم يكن يعني أن الدولة بما فيها ومن فيها أضحوا مجرد غنائم يتم الصراع حولها…

الصحافة

تعليق واحد

  1. يتركوا لب الموضوع ويمسكواب الهوامش .. نعم .. يذكرني بايم حنتوب الثانوية .. كانت المذاكرة بالمساء واجبة ومقررة كحصص الصباح هذا في الزمن الجميل – ومن يقبض عليه خارج فصله خضع للعقوبة وهي الجلد .. فكر أحد الطلاب في أن يوقف الأستاذ المشرف عن المرور لا يقبض أيا منهم يتجول خارج فصله فذهب إليه في مكتبه وسأله سؤالا من تلك الأسئلة : إنما الحيزبون والدرديس والطخا والنقاح والعلطبيس .. أعرب واشرح ! وقف الأستاذ برهة ولما لم يجد جوابا حاضرا طلب من الطالب أن يناوله تلك العصا فضربه بها عقابا علي خروجه من الفصل أثناء المذاكرة ! هذا حالنا نترك المهم ونتمسك بالقشور ! سبحان الله ودقّي يا مزّيكة !

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..