إعلانات بلا قيود

إعلانات بلا قيود
فيصل محمد صالح
كتب الكاتبون مراراً عن فقر الخيال الإعلاني في بلادنا، وعن السذاجة والابتذال في بعض الإعلانات والتي وصلت حد مسخنا في شخوص إعلانية مستنسخة مثل النعجة دوللي، جعلت من طريقة كلامنا وغنائنا ورقصنا مسخرة في تليفزيوننا وبفلوسنا كمان. نعم يذهب المعلنون لعمل إعلاناتهم في الخارج، لكنهم، ويا سبحان الله، وربما بحكم الانجذاب التاريخي، يقعون في نفس حملة فقر الخيال من بعض إخواننا في البلاد الشقيقة، فيعودون بإعلانات سخيفة وسمجة ومملة وبها عوج في اللسان السوداني إضافة لكل ذلك، هو إحنا ناقصين!
وقد كتبت مرة عن إعلانات “خديجة التي وقعت من البلكونة” وأخواتها اللائي يرقصن لكل منتج كاسد في السوق، وقد كدت أشمت قبل أيام في أسرة تجارية قديمة ومحترمة قادها قدرها لمنتجي الإعلانات في سوق العتبة فأنتجوا لها إعلانا بهدل اسم العائلة العريقة ولخبط نطقه، وهو يكرر ويذاع أكثر من مرة في اليوم.
ولأن زوجتي مراقب جيد ومتابع مداوم للتليفزيون فكثيراً ما تنتبه لما لا أنتبه له، ولا ينتبه له المعلنون، في أحد إعلانات الزيوت يقنع التاجر إحدى السيدات بجدوى زيت معين لتشتريه، وفعلا تفعل ذلك وتستخدمه في الطبخ، ثم تقدم الطعام لزوجها وأطفالها الذين يأكلون باستمتاع وتذوق شديد للطعم اللذيذ، إلى هنا والإعلان جيد، لكن فجأة تصرخ السيدة حرمنا “دة مش بتاع الدكان، بياكل معاهم ليه؟” ويبدو أن المخرج أعاد استخدام الممثل لدور التاجر مرة أخرى في دور الزوج توفيرا للنفقات، وعليه الآن أن يجيب على سؤال السيدة حرمنا” مالذي جاء بـ”بتاع الدكان” ليأكل مع السيدة وأطفالها؟”، وهو سؤال يمكن أن يقود المخرج والشركة المعلنة لمحكمة النظام العام!
أما ثالثة الأثافي، وهي لعلم بعض القراء الحجر الثالث الذي يوضع تحت إناء الطبخ، وتسمى الأثافي بالبلدي “اللدايات”، ففي مجافاة بعض الإعلانات للقيم والأخلاق الإنسانية العامة وليست السودانية فقط. ففي حوار حول نفس الموضوع مع الأستاذ كمال الجزولي نبهني لإعلان حديث يقترب فيه الابن من خزينة والده ليسرق، نعم ليسرق، وهو يعترف بذلك صراحة لوالده حين يسأله ماذا كان يفعل ، فيقول الابن إنه يبحث عن الذهب الذي يخبئه الوالد؟
ماذا فعل الوالد؟ هل أبلغ الشرطة؟ هل ضرب الابن؟ هل وبخه وبين له الجرم الشنيع الذي ارتكبه؟ هل روى له قصص وحكايات من التاريخ والتراث والدين تشرح عقوبة من تمتد يده للسرقة؟
كلا، ولكن قاده من يديه ليدله على ما هو أغلى من الذهب، وهو نوع من الشاي موجود في السوق، فعل ذلك وهو والابن يبتسمان ويرتشفان الشاي في انسجام.
لم تعد المشكلة في الإعلان أن الابن سرق، ولكن أنه حاول سرقة ما لا يستحق السرقة، وهو الذهب، بينما هناك ما هو أغلى من الذهب وهو شاي “البتاعتين!”، هل هذه رسالة من الممكن أن يبثها جهاز إعلاني محترم للجمهور؟
هل من المعقول أن يهدم الإعلان الأخلاق والقيم الاجتماعية والدينية والإنسانية ليروج لمنتج ما، أليست هناك حدود أخلاقية للإعلان، دعك من الحدود القانونية؟
الاخبار
ليس فقط فى الاعلان ولكن التفاهة والانحطاط اصبحت فى اشياء كثيرة ولا حدود لها واولها اعلامنا الهابط ونجومه المتواضعين اذا لم نقل ال ———