أرقام في حساب الثورة السودانية..اا

معاوية يس *

صحيـــح أن أحـــــزاب المعارضة السودانية اصطلت ? مثل بقية السودانيين ? بنار نظام الإسلام المسيّس وجبروته ومصادرته للحريات والدور الحزبية. صحيح أنها اكتوت بجمر سياسات النظام حتى لم تجد متسعاً من الزمان والمكان لتنمو نمواً طبيعياً وتتنفس هواء الحرية، حتى تصلح عيوبها وتعالج انحرافاتها وشقاقاتها. وصحيح أيضاً أن الأحزاب القديمة عانت أكثر من غيرها من القوى السياسية من تشويه إعلام النظام لقادتها وأدوارها حتى غدت غالبية السودانيين متأثرة بتلك الحملات الجائرة لاغتيال الشخصية الحزبية.

بيد أن ذلك كله «كوم» وما يرومه شباب السودان «كوم» آخر أكبر وأعظم. يريد الشباب ثورة من صنعهم تحقق التغيير بعقلانية، وبمنظور السوداني الذي يريد نظاماً يتفرغ ساسته للسياسة بمعناها الحقيقي : خدمة الشعب والسهر على مصالح المواطنين. وليس سياسة تزيد البطون انتفاخاً والأرصدة تضخماً، وتبني فوق المسحوقين طبقات اجتماعية جديدة كالتي سحقتنا على مدى الـ 20 عاماً الماضية. الشباب هذه المرة يريدونها ثورة تُعنى بحل أمهات المسائل قبل أن ينعم الثوار بجاه المناصب، وما تأتي به السلطة من نعيم وبَطَر وزيف، إنهم يريدون ثورة تؤسس إعلاناً دستورياً شاملاً وعملياً يحمي سلطة الشعب من الانتهازيين والوصوليين من دهماء عضوية الأحزاب التي لا يزال بعضها يقدّس أفراداً ويعبد أفكاراً هَرِمَتْ وثَبتَ خَطَلُها.

إنهم يريدونها ثورةً لا تتعجل المكاسب وتحقيــق المغانـم الفردية، لأن إشـعال الثورات وإنجاحها ليس نزهة يمكن تكرارها كل بضع سنوات.

وشباب الثورة السودانية لا يتمسّكون بتلك الرؤية لأنهم عاقدون عزمهم على إقصاء الأحزاب، بل يثمّنون مشاركة الأحزاب لهم في ما هم مقبلون عليه من تضحية وفداء وسجون وبطش وتضييق في الأرزاق وابتلاء في الأنفس والثمرات. لكنهم مصممون حقاً على رسم خريطة طريق واضحة للسياسة في السودان الشمالي الذي مزّقه نظام المحفل المتطرف أشلاء، وأضعفه بحذقه سياسة المستعمر المعروفة «فَرَّقْ تَسُدْ».

ولا تثريب على الأحزاب السودانية إن هي رأت أن ترسم ما تراه خريطة أفضل. كل خريطة ومشروع وفكرة ستُطرح لنقاش تحت ضوء الشمس وعبير الحرية، ومن خلال آليات يُتفق عليها (استفتاء أو نحو ذلك) تفوز الفكرة التي تطمئن إليها غالبية الناخبين السودانيين الذين ستعطيهم دماء الشهداء للمرة الأولى منذ العام 1986 انتخابات واستفتاءات حرّة نزيهة.

شباب السودان هذه المرة مختلف عن شباب الحقب الزمنية السابقة، غالبيتهم إما تخرّجوا في جامعات ومعاهد عليا أو هم في صفوف تلك المعاهد والجامعات. جميعهم يفهمون في السياسة، ويعرفون الفساد والمحسوبية، وعرفوا على مدى 20 عاماً معنى تسييس الدين، ووأد الحرية، وتوظيف الآلة الإعلامية الحاكمة لغسل أدمغة الشعب، والكذب عليه.

لن يعطوا الظالمين أي فرصة لصياغة السودان الشمالي المصغّر الذي يعتقدون أنهم بتفتيته سيجدون متنفساً أكبر لديمومة ممارساتهم القبيحة.

صحيح أن شباب السودان لم يُقدم بعد على مسيرته الهادرة في «شارع القصر». بيد أن تلك الأناة ليست جبناً أو تردداً، فمن يطأ الجمر يعرف وحده متى سيتخذ قرار الوثبة التي ستنجيه. ولا شك في أن أولئك الشباب يعرفون أن من الاستحقاقات الفادحة التي ورّط فيها نظام المحفل الخماسي المتأسلم البلاد أن يتم إعلان استقلال جنوب السودان في 9 تموز (يوليو) 2011. لحظة مؤلمة لكل سوداني حر وشريف، لكنها لحظة العار كله بالنسبة إلى نظام ما كان يعرف بالحركة الإسلامية النافقة. بعد إعلان انشطار السودان رسمياً في الموعد المضروب سيحدد شباب الشمال موعدهم لإحداث التغيير الذي ينشدونه، ولن يحول عائق دون هدفهم، حتى الأحزاب التي ترى نفسها الوريث الأوحد لانقلاب المحفل الخماسي الشرير، ليس لأنهم الكثرة وهي القلة (وتلك الحقيقة شئنا أم أبينا)، ولكن لأن مستقبل السودان الشمالي هو مستقبلهم، وقد رأى بعضهم وقرأت غالبيتهم مدى إخفاق الأحزاب منذ أن كانت الانقلابات العسكرية «حميدة»، كما حدث في عهد الفريق إبراهيم باشا عبود، وبعدما «تشيطنت» انقلابات العسكر في عهد المشير جعفر نميري، وحتى بعد أن أضحت جحيماً لا يطاق في عهد المشير عمر البشير.

الكلمة هذا العام لشباب السودان. ومثلما حدث في مصر فإن الأحزاب ستجلس على المقعد الخلفي. من حقها أن تراقب وترصد وتحشد مؤيديها للتظاهرات والاجتماعات، وتبرم ما شاءت من التحالفات، لكن ثورة شباب السودان ستحسم هذه المرة كل القضايا السياسية العالقة منذ استقلال البلاد… «يا أسود يا أبيض» كما يقول أبناء شمال وادي النيل… أو «أَمْسِكْ لَيْ وأقْطَعْ ليك» كما يقول عامَّة السودانيين.

* كاتب وصحافي من أسرة «الحياة».

[email protected]
دار الحياة

تعليق واحد

  1. سبحان الله مغير الاحوال وصدق القران الكريم عندما قال وكان الانسان اكثر شيء جدلا انتو ماكنتم اهل الحل والربط الجديد شنو ….ضاقت الحاله بيكم التسوي كريت في القرض تلقي في جلدها يادوب حسيتو بالحاصل علينا غفر الله لكم…..( )

  2. انا من جيل عاصر اوج الحراك السياسي في السودان منذ نهايات الستينات من القرن الماضي و بالتالي شهدت ازهى فترات الدولة السودانية من الديمقراطية و الحرية و المؤسسات التي كنا نفاخر بها الاخررين و يحسدوننا عليها.
    مقالك هذا زادني طمأنينة بان ايام هؤلاء اللصوص الافاقين قد دنت و ان فجرا من الازدهار السياسي قادم لبناء السودان على أسس جديدة تحافظ على ما تبقى منه و أسأل الله ان يمد في ايامي حتى اشهد نهاية هذا الكابوس السياسي و ارى بأم عيني حساب كل قاتل و فاسد و مغتصب و كاذب و خائن للعهود الساسية و المفرط في حقوق و حدود البلد و الاجانب الذين صالوا و جالوا في بلادنا و قتلوا اهلنا.

  3. اعزائي الكتاب كفايه كلام وتنظير. شبابناالثائر يفقد الخبره في العمل النقابي والتنظيمي

    والميداني. الرجاء من ذوي الخبره في العمل التنظيمي دعمهم.من الممكن خروج مظاهرات سلميه كل يوم جمعه بعد الصلاة في كل مدن السودان واستخدام منبر الجوامع لمخاطبة المصلين, لان الجوامع هي بيوت الله وملك للجميع وليست ملك للانقاذ اخوان الشيطان. الانقاذ لاتملك كل هذه االاعداد الكبيره من قوات الامن لمواجة كل هذه الحشود من المواطنين الشرفاء. تصدوا لهم لان الشهادة واحده, والانسان مابموت قبل تمام اجله. والله الموفق

  4. "الشباب يعرفون أن من الاستحقاقات الفادحة التي ورّط فيها نظام المحفل الخماسي المتأسلم البلاد أن يتم إعلان استقلال جنوب السودان في 9 تموز (يوليو)".
    يا أخا الاسلام، يس
    لا فض فوك، يصعب أن يختلف معك من له ذرة من عقل يقدر بها الأمور التقدير السليم. واتفق معك حني في تمديد معاناة الشعب السوداني حتى موعد استيلاد دولة جنوب السودان. ولكن اسمح أن أختلف معك في استخدام تعابير مثل " المحفل الخماسي المتأسلم" لأنها فيها من القدح ما لا يخفى، فنحن لم نبعث لعانين أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. يذكرني هذا بما حدث لأعرابي نطق بالشهادة بعد أن كان مع الكفار ومع ذلك قتله أحد الصحابة ظنا من هذا الصحابي أن هذا الأعرابي إنما نطق بها لينقذ رقبته من السيف.. فجاء الذي قتل إلى الرسول يستفتيه فيما حدث. فقال له الرسول: أشققت قلبه لتعلم أنه قالها أي الشهادة لينقذ نفسه من السيف؟ أو كما قال. فهل شققت قلوب هؤلاء لتعلم أنهم مـتأسلمون وليس بمسلمين؟ أترك القلوب لخالقها، بارك الله فيك.

  5. إلى كل مواطن شريف سئم ما يراه في بلاده من ظلم وفساد وفقر وجوع..
    وتقسيم للبلاد.. وبطالة للشباب.. واغتصاب للنساء في المعتقلات..
    إلى كل من يتمنى تغيير بلاده للأفضل.. ولا يرجو غير تقدمها وتحسن أحوالها..
    انضم إلى إخوتك من الشباب المناضل في ثورة الحرية 25 أبريل
    وكن جزءا من تاريخ بلادنا كما نتمناه أن يكون..

    تابع معنا التجهيزات والإعداد لثورتنا على شبكة رعد على الفيسبوك
    على الرابط في الأسفل:

    https://www.facebook.com/pages/ط´ط¨ظ?ط©-ط±ط¹ط¯-طھط§ط¨ط¹ظ?ط§-ظ?ط¹ظ?ط§-ط£ط®ط¨ط§ط±-ط«ظ?ط±ط©-ط§ظ?ط³ظ?ط¯ط§ظ?-RNN/203136986381681?sk=info

  6. كلام في غاية العقل – التنظيم والتخطيط أولاً وليس العنترية والتخبط ثم التنفيذ المرتب والمحكم لنتفادى العشوائية كما نرى في الثورات التي عمت الوطن العربي في هذا العام منذ شهور وللآن في الميادين ( في العجلة الندامة وفي التأني السلامة) التخطيط السليم لسودان معافى هذا قصدنا ولنبدأ في وضع اللمسات وتحديد المقاصد التي تنتشل الوطن الحبيب الغالي من الهوه السحيقة التي يقبع فيها وبعدها يا وطن جاتك رجال المستقبل الزاهر .

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..