علم المغالطات..!!

قمة الغوص في الوحل على المستوى السياسي و الإداري و الثقافي ، ما يعانيه المجتمع السوداني حكومة و شعباً من عدم المقدرة على التعايش مع ما هو مُثبت و قُطع فيه القول، وذلك ليس قدحاً في مكتسبات ثقافية قومية ، بقدر ما هو نظرة متأنية في أغوار الشخصية السودانية ، و التي على ما يبدو تكون في المقام الأول هي المسئول الأول عن حال كل (التحويرات) و التغييرات السلبية التي ( نبتدعها ) من ماعون بعض ثقافتنا الإجتماعية السالبة ، فعلم (المغالطات) عندنا أصبح مشاعاً في عرصات البيوت و في بيوتات الأفراح و المآتم و نواصي المتاجر و تحت أشجار الأحياء، يمارسه الكهول و الشباب و النساء و الرجال ، وذلك في نهاياته ينتج القنوط والجنوح اللاواعي لمعارضة كل الأفكار و المشروعات، و بالتحديد تلك التي تحتوي بين طياتها على إتجاهات فيها نوع من الإبتكار و(التغيير) ، وليعلم أهل الحل و العقد و كذلك عامة الناس أن التغييرات الجذرية في كافة الأمور سواء أن كانت سياسية أو إقتصادية أو إجتماعية، هي في أغلب التجارب العالمية أولى إتجاهات التنمية خصوصاً في البلدان النامية ، و الذين ينبذون فكرة التغيير و تأييد الأفكار الجريئة هم من سيدفعون ثمن البقاء أزماناً طويلة في مكانهم لا يتحركون إلى الأمام في حين أن جميع من حولهم يتقدمون، الجرأة و الإقدام و الرغبة في تغيير الذات و الواقع و الأساليب و السياسات هي معاول مناسبة و مجدية و فعالة في النهوض بالأمم، أما أن يستعمل بعض (الراديكاليون) سلاح الدفاع عن الموروث الثقافي والعادات و التقاليد و أحياناً الدين ، لكي يوقفوا عجلة التطور والتغيير ، لمجرد أنهم لا يملكون الشجاعة التي تدفع بهم للإعتراف بأن ( غيرهم ) على حق ، فذاك ما يقعد الأمة بأسرها حقباً يدفع ثمنها القاصي و الداني و أجيالاً قادمة، لنعود إلى دائرة التفاعل مع عجلة الكون و الحياة و التي من شانها ألا تستقر على حال ، و لنفتح الأبواب مشرعة أمام كل فكرة و مشروع و رؤية تحمل في محتواها تغييراً جزئياً أو جذرياً ، و لنترك النقد و البحث و الدراسة لأهل الإختصاص وحدهم ، لأنهم وحدهم سينبرون أيضاً للدفاع عن أفكارهم ، دعونا لا نستنكر غرابة الأفكار و المعالجات، لان الغرابة هي أم الإبداع و الإختراع ، و دعونا لا نختزل كل النجاحات و الإنجازات للأفكار و الأساليب المنتسبة للماضي ، و لنفتح أبواباً جديدة على المستقبل ، أقول هذا و أنا أرى لجنة التحكيم المسئولة عن برنامج (مشروعي) بالنيل الأزرق تسال أصحاب الأفكار و المشاريع أسئلة ينم محتواها عن إستهجان فكرة الغرابة و الإبداع في محتوى ما يقدم من أفكار و مشاريع ، كثيرٌ من الأفكار التي غيَّرت وجه العالم و كانت محوراً أساسياً في نهضته في بداياتها بدت غريبة على المطلعين و النخبة من المختصين و العلماء، أزيلوا لجام الخيل و أفتحوا الأبواب المغلقة ليبدع الشباب ما لم نستطع نحن إبداعه.
الجريدة