
كثيرا ما تقود الحروب عقب نهايتها لنهضة كبيرة وإعادة أعمار ربما قد تفوق ما كان قبل إندلاعها ، وعلى الرغم من أن هناك نماذج حقيقية عن النهضة والفوائد الاقتصادية للحروب طويلة الأمد في بعض البلدان هناك أيضا نماذج تؤكد بأن الحرب كانت وبال وشر على بلدان أخرى .
مثلا ألمانيا واليابان هذان البلدان صعدتا تنمويا بصورة مبهرة مع إنتهاء الحرب العالمية الثانية على الرغم من الاثنتين خسرتا الحرب بصورة كاملة لتكون قصتهما من القصص الملهمة لنهوض الدول بعد الحروب في العصور الحالية ويتفائل عبرها البعض بإمكانية إعادة الإعمار بعد نهاية الحرب ولكن إذا دققنا النظر قليلا إلى الوراء نجد أن الدولتان بدأتا مرحلة التنمية قبل الحرب وتمكنتا من الإستمرار في نفس النهج وبوتيرة متسارعة بعد أن وضعت الحرب أوزارها وبعد أن قامتا بعملية التقييم الذاتي وبمراجعات داخلية كبيرة ، لذلك عملية إعادة الإعمار في هذه البلدان لم تبدأ من الصفر لأنها أستندت على أرث الدولة السابقة للحرب لأن ذاكرة المؤسسات والنظم لم تمحوها الحرب وإنما محت ذاكرة البنية التحتية.
الولايات المتحدة الأمريكية كذلك خرجت بعد الحرب ثريّة بما فيه الكفاية ليستدين منها الحلفاء وغير الحلفاء استدانات كبيرة فاستفادت كذلك من عمليات إعادة الإعمار في تلك الدول وبعض الدراسات التاريخية للاقتصاد السياسي تؤكد بأن الحرب العالمية الثانية هي التي عالجت معضلة الكساد الاقتصادي الكبير بالولايات المتحدة الأمريكية.
من هذه النماذج نفهم بأن الحروب الأهلية العبثية ليست شبيهة لها لأن ما يحصل بعد الحروب عادة لا يشكّل قطيعة كاملة لما قبل الحرب ، وما يحدث في البلاد الآن بكل عبثيّته وطبيعة القيادات التي قامت به وأوضاع الدولة وهشاشتها وكل العوامل التي كانت سائدة قبل الحرب لا يسمح لنا بأن نقارن بين حربنا والحروب التي لحقتها تنمية ببعض بلدان العالم ، ولكن يبقى الأمل في أننا إذا أردنا أن نصنع مستقبلا نهضويا شبيها بما فعلته بعض البلدان في محيطنا الأفريقي مثل ما حدثت في جنوب أفريقيا بقيادة مانديلا ورواندا تحت قيادة بول كاغامى وفي ساحل العاج وغيرها من البلدان الأخرى علينا بمراجعة وضعية الاقتصاد السياسي السوداني منذ 1956م ومعالجة الأسباب الحقيقية التي أوصلت الدولة السودانية إلى هذه الحالة من الضعف والحروب وبناء نظام جديد للحكم قائم على العدالة والرشد السياسي والاقتصادي .
سوف ينهض السودان دون الاعتماد على احد ويمكننا ان ننتقل الى وضع أفضل من المانيا واليابان بعد الحرب العالمة الثانية لان ألمانيا واليابان اعتمدتا على الاموال الغربية تحت مظلة “مشروع مارشال” اما في الحالة السودانية فعلينا ان لا ننتظر من احد في العالم ان يضع بنود مشابهة لمشروع “مارشال” لمساعدة دولة السودان هذا البلد المنكوب الذي ظل مطمعا لغالبية دول العالم الكبرى ولكافة دول الجوار خاصة الناطقة بالعربية منها ويمكننا ان نصنع لأنفسنا وبأيدينا مشروع افضل من “مارشال” ليكون مشروع سوداني خالص.
هل نملك امكانات ذلك؟
الاجابة نعم فنحن بلد متنوع الثقافات غني بالموارد التي لا يوجد مثلها بالعالم لا كما ولا نوعا اضافة الي اراضينا الزراعية الشاسعة والخصبة ومياهنا الوفيرة كما اننا نمتلك جيوش من المتخصصين والعلماء والخبراء في كل المجالات مبعثرين في كافة بقاع الدنيا بسبب السياسات السيئة والخاطئة وانعدام الامن وكلهم وطنيون صادقون اصحاب همة يسهل جمعهم وعودتهم الي السودان حبا ومنهم من هو على استعداد ان يبيع “هدومه” من اجل السودان حالة ان يجد الامن والحياة الكريمة لأسرته..
نعم يمكننا بعد هذه الحرب ان نصنع افضل من مشروع “مارشال” للسودان العظيم.
شريطة ان يتحقق الامن والاستقرار السياسي بوضع دستور واضح يمنع الخروقات ويحقق الاستقرار ويضمن عدم الوقوع في فخ النزاعات مرة اخرى ورب ضارة نافعة ولعل هذه الحرب التي اكتوى بها سكان العاصمة تكون اخر نزاع سوداني سوداني نتمكن بعده الى الانتقال الى سياسات توعويه مدروسة نحافظ بها على بلادنا ومواردها التي خصنا الله بها مع خلق فرص لموارد جديدة مثل استزراع البترول الصديق للبيئة والتوسع في الزراعات التقليدية ومضاعفتها بان ننتقل الى سياسات حكومية جديدة تنشد التنمية والبناء وتكثف جهدها على مراقبة الحدود ومنع الهجرة والهجرة الغير شرعية الى السودان مع وضع قوانين صارمة للحصول على تأشيرة الإفراد وينبغي البدء فورا في جمع السلاح وتشديد العقوبة على حامليه والبدء الفوري في التعاقد مع شركات عالمية غير اقليمية “لا نريد شركات ترسل لنا رجال مخابرات في شكل موظفين وعمال وتعرف دبة النملة في بلادنا” نريد شركات ذات سمعة طيبة متخصصة في البنية التحتية والمباني بأنواعها وتعبيد الطرق وشق القنوات وانشاء السكك الحديدية واستصلاح الاراضي وزراعتها ويوجد منها الكثير في البرازيل وشيلي ورومانيا وغيرها وهي شركات تعطي عقود طويلة ومريحة مقابل جزء من الانتاج او الارباح او مقابل مواد خام يزخر بها السودان مثل الذهب “بدلا من سرقته” او مقابل عقود ميسرة يقدمها السودان وهذا يعني اننا لن نحتاج الى عملة صعبة ونستطيع في فترة وجيزة بناء بلدنا بما يليق به ونستطيع نقل مواطننا من حالة الفقر الى حالة الرفاهية وكل ذلك يجب ان يتم تحت رقابة صارمة من مكونات المجتمع المدني.
بذلك نستطيع الخروج من النفق المظلم بكفاءة رجالنا ونسائنا وبتوعية اطفالنا وتربيتهم على حب الوطن.
البلد أزمته في الطائفتين الختمية والمهدوية والجبهة الإجرامية الترابية، فما دام آثار هذا الثالوث الجهنمي موجوداِ على الساحة فلن يتقدم السودان شبراً ولن يعرف طريقاً إلى النهضة
البلد أزمته في الطائفتين الختمية والمهدوية والجبهة الإجرامية الترابية، فما دام آثار هذا الثالوث الجهنمي موجوداِ على الساحة فلن يتقدم السودان شبراً ولن يعرف طريقاً إلى النهضة