
#لو_كنت_مكان_حمدوك
أصدر قرار برفع الدعم عن المستهلكات وزيادة المرتبات ودعم الأسر الفقيرة
حسب تصريحات وزير المالية، فان الدعم الحكومي للسلع يبلغ ما يعادل 302 مليون دولار في الشهر، أي ما يساوي ثلاثة مليار و624 مليون دولار في السنة. استمرار دعم المستهلكات المختلفة من وقود ودقيق خبز ودواء وغاز، سوف يؤدي حتما إلى الندرة والى تنشيط التهريب، هذا غير افقار الخزينة العامة من الدولار. وهذا الدعم الكبير من الحكومة، والذي يقدر بمليارات الدولارات، ويذهب لدعم الوقود والخبز والغاز وغيرهم، لا يذهب الى الفئات ذات الدخل المحدود لوحدها، وهم المعنيين بالدعم، بل يستفيد منه الأثرياء والمقتدرين والأجانب كذلك.
إذا استمر الدعم الحكومي للمستهلكات، سوف لن تختفي ظاهرة الندرة، مما يعني استمرار وجود صفوف الوقود والخبز والغاز.
ولأن اسعار المستهلكات المدعومة من الدولة، أرخص بكثير من دول الجوار مثل إريتريا وأفريقيا الوسطى وتشاد وجنوب السودان وغيرهم من دول الجوار، فإن معظم هذه المستهلكات سوف تهرب إلى هذه الدول، ويتم المخاطرة بذلك بواسطة المهربين، لأنهم يجنون أرباح كبيرة جدا من التهريب.
من الممارسات التي تخلق الندرة واستمرار الصفوف، غير التهريب، هو البحث عن الأرباح الكبيرة بواسطة أصحاب المخابز، حيث يقومون بإعادة تعبئة الدقيق المدعوم في جولات أخرى صغيرة او كبيرة الحجم، وبيعها في السوق على أنه دقيق تجاري. او ان يقوموا بتهريب معظم الخبز المعمول في الصباح الباكر بداخل الفرن، إلى أصحاب المطاعم المختلفة، لبيعه بأسعار أكبر من سعره الذي يتم بيعه به للمواطن. كذلك يقوم أعوان النظام البائد، وبما يملكونه من أموال ضخمة، من شراء الدقيق المدعوم بأسعار كبيرة، والقيام بتهريبه، او تخزينه حتى يصبح غير صالح للاستعمال. وهم يقومون أيضا بتخزين الغاز والوقود لنفس الأهداف الهدامة.
إذا توقف الدعم الحكومي للمستهلكات فيمكن للقطاع الخاص المشاركة في استيراد الوقود والدقيق من الخارج عن طريق العطاءات الحكومية او فيما بعد بالاستيراد غير المشروط، طالما يحقق لهم ارباحا مضمونة، وبذلك يقل الضغط على دولارات الخزينة العامة. كذلك عند توقف الدعم من المتوقع ان تتوفر كل المستهلكات من وقود وخبز وغيرها، طوال اليوم للمواطنين، لانعدام دواعي تهريبها او التجارة فيها في السوق الأسود.
وقف الدعم يعنى زيادة أسعار هذه المستهلكات، لكن من جهة أخرى، وهو مهم للغاية، هذا يضمن انحسار وتوقف صفوف الخبز والوقود التي يقضي فيها المواطن فيها معظم وقته، وتعطله من القيام بأعماله المختلفة، غير ان استمرار الصفوف يخلق حالة عامة من الإحساس بالتوتر الشديد وعدم الاستقرار، والإحباط القاتل بعدم جدوى التغيير الثوري الذي ازاح النظام البائد.
بالنسبة للأسعار العالية، فعندما ينعدم وجود سلعة استهلاكية ما، والوقود كمثال، فإن أسعاره في السوق السوداء تتضاعف بشكل كبير للغاية، لا يقارن بغلاء سعر الوقود غير المدعوم. كان سعر جالون البنزين المدعوم يعادل 24 جنيه، وعند اوقات الندرة، الكثير من المواطنين يشترونه من السوق الأسود بمبلغ ألف جنيه او أكثر، حتى يستطيعوا ممارسة اعمالهم اليومية المختلفة مثل الزراعة او التعدين الأهلي او غيرها. سعر ليتر البنزين عالميا يقدر بحوالي دولار واحد، مما يعني ان جالون البنزين يعادل أربعة دولارات. فإذا كان سعر الدولار في السوق الأسود يعادل 140 جنيه سوداني، فهذا يعني ان جالون البنزين يعادل 560 جنيه، او 5 جنيه و60 قرش بالعملة الجديدة، وهو اقل من سعر السوق الأسود للبنزين بكثير.
إذا رفعت الدولة الدعم من المستهلكات، فمن المتوقع وفقا لاستراتيجية زيادة الإنتاج واحتكار تصدير الذهب والمحصولات النقدية، ان يحدث انخفاض في سعر الدولار بالسوق، مما يؤدي بدوره إلى انخفاض اسعار المستهلكات في السوق، لأنها تعتمد على السوق الحر المرتبط بالدولار وليس الدعم الحكومي الثابت سعره على الدوام.
إذا رفعت الدولة يدها عن دعم المستهلكات، فإن للسوق آلية خاصة به، تؤدي تدريجيا إلى وفرة المستهلكات والى استقرار سعرها في السوق. وهذا يتم بصفة خاصة بمشاركة القطاع الخاص في التجارة بالمستهلكات واستيرادها من الخارج، حيث تؤدي المنافسة القوية إلى استقرار الأسعار وكذلك إلى انخفاضها، لأن كل تاجر سوف يحاول ان يكسب السوق بترخيص بضاعته اقل من منافسيه الذين يتاجرون معه في نفس السلعة، وحتى يكثر الطلب بهذا السعر المنافس من قبل المشترين. منع الاحتكار والمنافسة التجارية هما عاملين مهمان للغاية يعملان ضمن آلية السوق لتوفير السلع الاستهلاكية المختلفة وانخفاض الأسعار.
المشكلة الكبيرة كما اراها ليس في زيادة سعر المستهلكات، برفع الدعم منها، بل في ندرتها، واستمرار ظاهرة الصفوف. من المؤكد ان المواطن إذا خير ما بين الوقوف لساعات طويلة في الصفوف لشراء الخبز او الوقود او توفر الدواء وزيادة اسعار هذه المستهلكات، فإنه في الغالب سوف يختار زيادة الأسعار وتوفر السلع والمصاحب لها تلقائيا تحسن الجودة. فالندرة تقود أيضا إلى تدهور الجودة، وكمثال واحد لذلك نلاحظ إنقاص اوزان الخبز وصناعته باي شكل كان بواسطة أصحاب المخابز، لان سعره واحد ومحدد بواسطة الحكومة التي تدعمه بمليارات الجنيهات. فاذا انتهى الدعم، وخضع الخبز لسعره الحقيقي، حسب التكلفة الحقيقية، بشراء الدقيق غير المدعوم، فان كل واحد من أصحاب المخابز سوف يعمل على تحسين جودة الخبز وتخفيض أسعاره لكسب السوق، لمنافسة بقية أصحاب المخابز، والمستفيد من هذا الامر هو المواطن، حيث يتوفر لديه الخبز وبجودة عالية، وتتلاشى للأبد ظاهرة الصفوف.
يجب ان يسبق رفع الدعم تنوير اعلامي كبير حول ضرورته القصوى لخلق اقتصاد الوفرة ومحاربة الندرة، وشرح فوائده ومضار عدم الرفع. تقوم الحكومة أيضا بعقد اجتماعات مع ممثلين لمختلف شرائح المجتمع السوداني من قادة الأحزاب السياسية، ولجان المقاومة، وتنظيمات المجتمع المدني، والصحفيين وقادة الطرق الصوفية وزعماء القبائل لشرح الخطة الجديدة في رفع الدعم عن المستهلكات، بالتزامن مع زيادة المرتبات ودعم الاسر الفقيرة.
هذا التنوير الإعلامي أيضا يناقش خطة الدولة لزيادات كبيرة في المرتبات ودعم الاسر الفقيرة في المجتمع، تصاحب خطة الدولة لرفع الدعم. فبدلا من أن تذهب مليارات الدولارات لدعم السلع الاستهلاكية، مع استمرار الندرة والصفوف والتهريب، فمن الاجدى ان تذهب هذه المليارات إلى دعم المرتبات ودعم الفئات الفقيرة مباشرة.
(أن مشكلة الدعم الحكومي للسلع الاستهلاكية لا تكمن فقط في الضغوط المالية على نفقات الدولة والأضرار التي يتم إلحاقها بقطاعات اقتصادية، بل أيضا في كونها تنطوي على الكثير من الهدر في استهلاك المياه والخبز والكهرباء والسلع الأخرى بسبب انخفاض أسعارها. ويترك هذا الوضع تبعات مدمرة على المنتجين في العديد من القطاعات الزراعية والصناعية التي لا يمكنها المنافسة أمام السلع المستوردة والمدعومة. أظهرت خبرات دول مثل تركيا وإندونيسيا والمكسيك أن إقامة شبكات ضمان وأمان اجتماعية للفقراء وأصحاب الدخل المحدود أقل تكلفة بكثير من دعم أسعار السلع الاستهلاكية بشكل يشمل الغني والفقير. كما أظهرت خبرات البلدان الصناعية أن دعم المنتجين بشكل غير مباشر عن طريق تسهيلات في الضرائب والقروض وتحديث البنية التحتية هو السبيل الأنجع إلى مجتمع الرفاهية.) (DW 8 فبراير 2015)
فمن المعروف ان أكبر قطاعين سوف يتضررا من زيادة أسعار السلع الاستهلاكية هم موظفي وعمال الدولة، يشمل ذلك افراد القوات النظامية، الذين يتلقون مرتبات شهرية، وكذلك قطاع الاسر الفقيرة محدودة الدخل. مرتبات موظفي وعمال الدولة ضعيفة للغاية، مقارنة بالاحتياجات الأساسية اليومية التي يحتاجها الفرد او الاسرة الواحدة، وهذا ناتج من التدهور اليومي للجنيه امام العملات الأجنبية، مما أدى إلى ارتفاع يومي في أسعار السلع المختلفة والتالي عدم مقدرة الموظفين على شراء ما يحتاجونه من السوق.
في كل مرة يرتفع سعر الدولار، ترتفع معظم السلع في السوق السوداني، وهذا لا يقابل بزيادة في المرتبات من الدولة. فعلى مدى سنوات طويلة، كانت هنالك زيادات مطردة في سعر الدولار، رافق ذلك بطبيعة الحال زيادة في اسعار السلع الاستهلاكية وغير الاستهلاكية، مما أدى الى زيادة في التضخم، بينما نجد ان المرتبات ثابتة لا تتغير تغييرا يواكب ارتفاع أسعار السلع. هذا الوضع جعل من معظم الموظفين والعمال وافراد القوات النظامية تحت خط الفقر، حيث أصبح المرتب لا يكفي حتى لسداد ركوب الموصلات يوميا للذهاب إلى مكان العمل.
كذلك يساهم دعم المرتبات في الدولة في المدى البعيد إلى تحسن أداء الخدمة المدنية وأداء قوات الشرطة التي تقدمها خدماتها الى المواطن، مما يحسن من أداء الدولة ككل، ويخلق حالة من الرضى العام لدى المواطنين.
لإنجاز زيادات ضخمة في المرتبات، لابد أن تقوم الدولة بزيادة موازية في الرسوم والجمارك والضرائب الحكومية وأسعار الكهرباء والمياه حتى تعادل هذه الزيادات.
تقوم وزارة المالية وديوان الزكاة، ومؤسسات التأمين الصحي، بعمل آلية تنسيق موحدة، او مؤسسة جديدة، تسمى مؤسسة الدعم الاجتماعي، يكون مركزها في الخرطوم، وتتوزع في الولايات المختلفة، لتقوم بدعم الأسر الفقيرة، بدعمهم نقديا إذا تطلب الامر ذلك، ودعمهم عبر تمليكهم أدوات الإنتاج والمساهمة في تمويل تأسيس مشاريع صغيرة منتجة، بقروض ميسرة للغاية، مثل تربية الدواجن لإنتاج البيض وتربية الماعز السعانين والصناعات الصغيرة للجلود، وغيرها من المشاريع الصغيرة المنتجة، ودعهم كذلك صحيا، عبر تسجليهم مجانا في التأمين الصحي.
سعد مدني
السلام عليكم هل انت سعد مدني ام الدكتوؤ سعد المدني استاذ الاقتصاد في جامعة الخرطوم في الثمانينات.
رفع الدعم _ و دعم الفقراء و زيادة المرتبات !!
اعتقد أنه نفس منطق الاستاذ ود الامين فى رائعته _ قرب تعال ما تبتعد , أقترب تعال ما تبتعد !!
ولعل الصلعة قاسم مشترك بين المدنييّن أعلاه !!
دون حل جزور المشكلة كلما رفعت الدولة الدعم كلما هبط قيمة الجنيه السوداني ويتوالي الهبوط وبعد فترة وجيزة فقط سيكون سعر السلعة التي رفعت عنها الدعم أرخص بكثير مقارنه مع الأسعار الغالمية نتيجة لهبوط القوي الشرائية للجنيه وتضطر الدولة تدفع فرق السعر وتستأنف التهريب مرة أخري والدولة ترفع الدعم مرة أخري فتتوالي هبوط قيمة الجنيه ويستأنف المهربون تهريب السلع و تقوم الدولة برفع الدعم فتتوالي الهبوط وهذه المرة الجنيه يصبج غير مبرئ للذمة