أخبار السودان

سلاح البجاوي .. يعود إلى غمده

بورتسودان ـ  حامد إبراهيم

يشتهر إنسان شرق السودان وخاصة الإنسان البجاوي بميله للتسلح بالأسلحة التقليدية مثل: السيف والسكين والشوتال والعصي بأنواعها، والسفروق عبارة عن عصاة خشبية مقوسة ومنجورة من الإتجاهين وتمتاز بالسرعة عند إطلاقها على الهدف، وتستخدم غالباً في صيد الحيونات البرية، بالإضافة للحراب (والقدب ) وهو عبارة عن فاس خفيف الوزن وغيرها من أنواع الأسلحة، ويعزى ذلك لنمط حياة الإنسان البجاوي والمنطقة ذات الطبيعة القاحلة التي يعيش فيها مما يتطلب منه أن يكون في قمة الجاهزية للدفاع عن نفسه وحيواناته من الأعداء ومن الحيوانات المفترسة والزواحف، ويشتهر الإنسان البجاوي بإجادة إستخدام جميع أنواع الأسلحة البيضاء .

?السلاح مكمل للشخصية?:

وتتم تنشئة الصغار منذ نعومة أظافرهم على تعلم مهارة المبارزة ( الضرب والصرف)، أي كيف يضرب ضرباً مؤثرًا ، وفي ذات الوقت كيف يصد ضربات الآخرين ، ويغرس في نفوسهم أهمية حمل هذه الأسلحة والتحلي باليقظة والحذر في كل الأوقات وكل الأماكن، كما تستخدم هذه الأسلحة في الرقص، ويشتهر البجا برقصة السيف والدرقة التي برعوا فيها أيما براعة، وتعتبر كذلك شئ مكمل لشخصية الرجل، ورغم أهميتها التأمينية والتراثية، إلا أنها برزت في الآونة الأخيرة آراء ناقدة خاصة في أوساط المثقفين من أبناء البجا لميل الإنسان الشرقي الدائم للتدجج بالأسلحة، وكأنه يتملكه شعور دائم بعدم الأمن، مما صار معوقاً لإستجابته لقضايا العصر الحديث الذي له متطلبات قد لا تتفق كلياً مع متطلبات العصور الماضية.

?درقة وسيف?:

وحسب الأستاذ سيدي بافلي من مواطني مدينة وقر وأحد المهتمين بجمع تراث البجا فإن للأسلحة الخفيفة أدوار أخرى غير مهمتها الدفاعية تتمثل في الجانب المظهري والتراثي  قائلاً: إن الإنسان البجاوي لا يحس بإكتمال الأناقة في ملبسه إلا إذا حمل سيفه وعصاته ). ويضيف: وبالتالي يحرص على الإهتمام بسلاحه الأبيض وتزيينه بالفضة والنحاس وبنقوش جميلة ولا يبالى بالتكلفة المالية وهو أمر أكده وأمَّن عليه حسين هبنا وهو صاحب محل لتزيين السيوف بسوق كسلا قائلاً : إن بعض أنواع السيوف المزركشة بالفضة يصل سعرها إلى حوالي ألفي جنيه، وهو مبلغ كبير بمقياس دخول الأفراد المشترين الذين حسب قوله هم في غالبهم من فئة محدودي الدخل من سكان الأرياف.

?مسميات السيوف?:

ويضيف أن كل قبيلة تفضل إقتناء نوع محدد من السيوف، فمثلاً أفراد قبيلة الأمرار يقتنون سيوف تسمى الكار , بينما يفضل أفراد البني عامر السيف الأفرنجي , والدميلاب السيف السليماني، أما الشكرية فيفضلون السيف الدكري.
وما يذكر السلاح عند البجا إلا وذكر سلاحهم الأبرز الشوتال، وهو عبارة عن سكين لها مقدمة معقوفة وإرتبط الشوتال بحروبات وفرسان البجا حتى صار يوماً ما، شعارًا للقيادة الشرقية للجيش  السوداني التي كان معظم منسوبيها من أبناء البجا.

?صارت مهنة?:

ويقول إسماعيل عبد الرحيم يونس أحد صناع السكاكين بسوق كسلا إنه بدأ ممارسة هذه المهنة منذ  صباه الباكر، وله أكثر من عشرين عاماً يعمل في صناعة وبيع السكاكين، وقال إنها مهنة ما بطالة وتدر عليه دخلاً لا بأس به، بالرغم من أن الإقبال لم يعد كما كان من قبل، ويضيف: إن مبيعاتهم  تزيد في مواسم بعينها كفصل الخريف عند قدوم الرعاة أو عيد الأضحى، ويضيف: بأن السكاكين أنواع متعددة منها القديمي، وهنالك السكين (دقة أنصارية ) والخنجر الذي قل الإقبال عليه مؤخرًا، وتتراوح أسعار السكاكين الجيدة بين خمسين جنيهاً ومائتين وخمسين جنيهاً.
وعن العصي وأنواعها يقول الشاب حامد آدم صاحب فرشة لبيع العصي الجيدة بسوق هيكوتا بكسلا أنها تنقسم إلى العصي والسفروقات وأن أجودها هو نوع (الأندرابة )  وهو نوع من الشجر التي تمتازعيدانه بالمتانة والمرونة ويضيف بأن مبيعات منتجاته جيدة جدا ( والسوق كويس شديد) حسب وصفه ومهما يكن فإن صناعة العصي والسفروقات تتطلب مهارة عالية في النجارة بالفاس الخفيف لدرجة أن بعضها يعطيط إنطباعا بأنه تم صناعته في إحدى مصانع الأخشاب

الشــــــوتــــــــال إســــــــطورة التســـــلح ورمز الفرسيــة البجــــــــاوية:
وعن الشوتال يقول الفنان البجاوى المعروف محمد البدرى إحدى الحوارات أن (الشوتال) إرتبط بالحياة البجاوية وقد شاهده منذ أن كان يافعاً فى بداية حياته بمدينة هيا، حيث يرتديه الأعيان ويُوضع فى (كمر)، يصنع من الجلد يسمونه (هباب)، وقد إشتهر بلباسه الفرسان وأشهرهم عبر التاريخ الشاعر الفارس (محمود الفلج) من (تهاميم) وقد عاش فى عهد التركية السابقة وله قصة مشهورة، إذ أن حاكم سواكن عمل على إعتقاله وطمسه فى صحن زيت مغلى أمام سكان حى (ليلى) بسواكن ومن شدة فراسته لم يتنحنح أو يئن حتى لفظ أنفاسه الأخيرة..
ويضيف البدرى قائلاً:إن (الشوتال) استخدم فى الغناء التراثى البجاوى وتغنيت كثيراً بأغان ذكر فيها اسم (الشوتال) فى بداياتى الفنية، وأضاف ان الشوتال لا يرتديه الشباب أو الصبية فهو للفرسان وأعيان القبيلة والخنجر يرتديه من هو فوق الخمسين عاماً، أما الصبيان فهم يرتدون (سكين الضهر) التى تسمى فى البجاوية بـ(مننت) أو (لومننت وتسمى بلغة البني عامر ( جردت)و).
يعتبر حسن محمد أحمد المشهور بـ(ابو كراع) والموجود فى مدينة كسلا بشرق السودان هو أشهر من يصنع (الشوتال) بعلامته المميزة (ابونجمة) ويقبل على شرائه أعيان الشرق وفرسانهم لمتانة صنعته، يقول (ابوكراع):
ورثت صناعة (الشوتال) من والدى الذى بدأ العمل منذ العام 1940م إبان الحرب العالمية الثانية، وكان يتسلح به العسكر الذاهبون لمحاربة الطليان على الحدود الأريترية، أول (شوتال) صنعته كان فى العام 1968م وهو صعب مقارنة مع بقية الأسلحة البيضاء لكثرة تعرجاته وخصوصيته.

وعن طريقة صناعته يقول:
إستخدم أدوات الحدادة العادية منفاخ الكور، والمطارق، وأصقل الحديد بالفحم الجيد الذى استجلبه من مناطق (شللوب وقرقر) على حدود أريتريا من أشجار (السنقنيب والسيال) و(الشوتال) سعره مرتفع نسبياً مقارنة مع الأسلحة البيضاء الأخرى، لأنه سلاح الفرسان و(الفارس بيقدر قيمة سلاحه.

قيمـــــــــــــــة أثريـــــــــــــة وتاريخـــــــــــية للســــــــــيوف:

وهنالك جانب مهم جدا وهو القيمة الأثرية المتوارثة لكميات كبيرة من السيوف والخناجر المتداولة التي يعود عمر بعضها لأكثر من ثلاثمائة عام حيث توورثت كابر عن كابر وهذه كما يقول هبنة ( على  أصحابها يقع أمر تقييمها أما إذا أتت إليهم في محالهم التجارية فإنهم يتعاملون معها باعتبارها سيوف عادية وهو أمر وصفه بالخسارة لأصحابها ) ودعا للمحافظة على السيوف القديمة باعتبارها إرث قديم حمله يوما ما الآباء والأجداد ويؤكد عراقة ومكانة هذه الأسر وفروسية أفرادها

وإذا كان بعض  الناس يعتبرون الميل الدائم لدى الإنسان البجاوي للتسلح أمر إيجابي ويساهم في خلق التوازن الأمني المطلوب وبالتالي يقلل من الجرائم ولكن في المقابل فإن كثير من مثقفي أبناء البجا يعتبرون ذلك أمرا سالبا يكرس للتخلف وعدم المواكبة التي يعاني منها إنسان شرق السودان يقول الأستاذ طارق علي عمر ـ معلم ـ أن ظاهرة التدجج بالسلاح من سيوف وسكاكين وعصي تعتبر في عصرنا الراهن سلوك سالب وأضاف على الإنسان البجاوي التحرر من عقدة حمل السلاح بصورة مستديمة وكأنه في حالة حرب وعليه التفرغ للتنمية والإقبال على التعليم ومسايرة متطلبات العصر الحديث وأضاف بأنه لديه قصص مؤلمة مع حمل تلاميذه للسكاكين حتى داخل المدرسة مما تسبب في الكثير من المشاجرات فيما بينهم وإصابة البعض منهم بجروح

التيار.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..