تحليل السياسة الخارجية على ضوء الإستراتيجية الأمريكية في أفريقيا ( 4 ? 31 )

وفقاً لما جاء في كتاب تحليل السياسة الخارجية للدكتور محمد السيد سليم في تعريف السياسة الخارجية قال : ” أنها مجموعة من الاهداف والارتباطات التي تحاول الدولة بواسطتها ، من خلال السلطات المحددة دستورياً أن تتعامل مع الدول الاجنبية ومشكلات البيئة الدولية باستعمال النفوذ والقوة بل والعنف في بعض الاحيان ” ويعرفه جورج مودلسكي ” بأنها نظام الانشطة الذي تطوره المجتمعات لتغيير سلوكيات الدول الاخرى ولأقلمة انشطتها طبقاً للبيئة الدولية ” .
ويقول تشارلز هيرمان ” تتألف السياسة الخارجية من تلك السلوكيات الرسمية المتميزة التي يتبعها صانعو القرار الرسميون في الحكومة او من يمثلونهم والتي يقصدون بها التأثير في سلوك الوحدات الدولية الخارجية ” . ويعرفه باتريك مروجان بانها التصرفات الرسمية المحددة التي يقوم بها صانعوا القرار السلطويون في الحكومة الوطنية او ممثلوهم بهدف التأثير في الفاعلين الدوليين الاخرين ” . ( انظر الدكتور محمد السيد سليم ? تحليل السياسة الخارجية الطبعة الثانية 1998? صـــ 8 ، 9 )
من خلال التعريفات اعلاها نجد أن السياسة الخارجية هي مجموع سلوكيات صانعي القرار والتي تكون موجهة للدول الاخرى او لدولة ما ، لكن لا يمكن الركون على تلك التعريفات فقط ، ووفقاً لتلك التعريفات فهذا يجعل من تعامل الحكومة مع قضية الحرب الاهلية في البلاد وتعاملها مع الدول التي قد تكون لها مصالح في البلاد بانها سياسة مرسومة ، وهذا ليس بالامر الصحيح ، فليس كل سلوك تصدر من دولة يعتبر سياسة خارجية .
ومثال لذلك السياسة التي اتخذها مصر في العام 1967م والتي كانت قوامها ردع اسرائيل وانتهت باندلاع حرب ولم يكن مصر تخطط على ذلك ، وعن ذلك يقول هنري كيسنجر وزير خارجية امريكي سابق في مذكراته إن الرئيس جمال عبد الناصر ارسل قواته الى صحراء سيناء المجردة من السلاح منذ العام 1956م بناءاً على معلومات سوفيتية مغلوطة وقام ناصر بتصديقها ، وطالب الامين العام للامم المتحدة يو ثانت بسحب قوات الطوارئ الدولية التي كانت تفصل بين القوات المصرية والاسرائيلية .
ولقد إستجاب الامين العام على الفور على طلبه ويقول كيسنجر ” يحدث احياناً أن الاحداث تعاكس نوايا مسببها وتفلت من كل مراقبة . وطالما أن الجيش المصري سيقوم مقام قوات الامم المتحدة على حدوده فليس على اسرائيل سوى تعبئة جيوشها ” وبدلاً أن عبد الناصر هو من يعتقد أنه سيهاجم اسرائيل في الاول لانه من اعلن الحرب غير أنه لم يكن يخطط لحرب حقيقية ، ونظراً للتبعيات الاقتصادية و الامنية والسياسية التي يمكن أن تنجم في حال قررت اسرائيل انتظار الهجوم المصري .
لذلك قررت أن تبادر بالهجوم واحتلت اسرائيل اراضي في مصر وسوريا وفي الاردن وفي صحراء سيناء وهضبة الجولان والضفة الغربية من نهر الاردن ، وهنا نجد أن ناصر ربما كان يريد ارسال رسائل تهديدية غير انه لم يكن مستعداً للحرب كما اتضح فيما بعد ، وهنا لا يمكن القول أن راسمي السياسة الخارجية المصريين خططوا ليحتل اسرائيل اراضي ثلاثة دول عربية . ( انظر مذكرات هنري كيسنجر ? الجزء الاول صــــ 252 ، 253 )
الحكومة لهول الصدمة والضغوط التي مورست عليها ، عقب احداث ديسمبر من يوم الخامس عشر ، اتخذت سياسات دفاعية وهجومية عبر وسائل الاعلام كانت موجهة في الاساس الى الداخل ، لضمان تماسك الجبهة الداخلية وتقليل حجم مخاطر عدم تفشي الموقف الحكومي وسط منسوبيها ( رواية الانقلاب ) وواجهت تلك السياسة نظير خارجي رفضت الموقف الحكومي ، وتعاملت مع تصريحات مسئولي الحكومة وبنت عليها مواقفها .
الحكومات ينبغي أن تكون جاهزة دائماً للتعامل مع كافة الاحداث حتى الطارئة على الصعيدين الداخلي والخارجي لكن الحكومة تعودت على ان تتفاجاة ، بكل حدث تقع ؛ وفي احداث فانطاو التي لم يسبقها عمل دبلوماسي او بعدها ، نقل برنستون ليمان الاستغراب الشديد للمسئولين الحكوميين من المعارضة الشديدة والبيان الحاد من مجلس الامن ، وفي احداث الحرب الحالية خرج مسئولين حكوميين كبار يعبرون فيه بمدى امتعاضهم من عدم تصديق العالم للسرد الحكومي للحادثة ( احداث 15/12 ) .
التصريحات المتعارضة والمتناقضة التي يدلي بها مسئولي الحكومة من حين لاخر حول قضايا مختلفة ، والصدمة تلو الاخرى التي ظل الحكومة تتعرض لها منذ الاستقلال يؤكد عدم وجود قنوات ودراسات تسبق اتخاذ القرارات ، والتنبؤ بالاحداث سواء كان داخلية او الخارجية ليسهل التعامل معها في حال وقوع اي منها ، والتنبؤ ووضع احداث متوقع الحدوث قيد الدراسة ، خطوة مهمة جداً في اتجاه للتعامل مع الاحداث تعامل علمي ومنهجي واستراتيجي ، وينطلق كل مفهوم استراتيجي اساساً من المعرفة الدقيقة للعدو المحتمل عبر الدراسة المسبقة والدقيقة لجميع المعلومات المتوفرة عنه ، ومن ثم التقويم العقلاني للقوة الذاتية و الامكانيات الفعلية وهذا يؤدي الى استخلاص الاسس التالية :
? يبقى الاستعداد والتحضير المسبق للمواجهة شرطاً هاماً من شروط النجاح مهما كانت نوعية الحرب المقبلة اي ان بقاء الدولة مرتبطة بحجم الجهود التي تبذلها في الاستعداد ، بما في ذلك الانتشار السليم للقوات والتجمعات السكانية والاقتصادية ، وبتدابير الدفاع الايجابي والسلبي عن الدولة ، من الواضح أن تحقيق هذه المتطلبات يحتاج الى فترة زمنية طويلة ، كما يتطلب تنفيذها وضع خطة شاملة ومتكاملة وتفيد الخبرات ان نظام اللامركزية في الادارة يسهل التنفيذ العملي .
? اصبح للمستوى التقني اهمية كبرى سواء بالنسبة للدول الصانعة للسلاح والعتاد ، او بالنسبة لتلك المشترية له ، اذ لا تستطيع الاولى السماح للخصم بان يسبقها في هذا المضمار ، كما لا يمكن للثانية الحصول على مردود جيد من الاعتدة ، ما لم تؤمن لمستخدميه مستوى معيناً من التدريب والكفاءة التقنية عبر التدريب المتواصل عملياً وعلمياً .
احتلت التهيئة النفسية والمعنوية للشعب موقعاً متقدماً في مرحلة الاستعداد للحرب ، لا يمكن إغفالها ، اذ بتحول الحروب من معارك بين الجيوش الى الصدام بين الشعوب واحتمال تعرض مرافق الدولة كلها الى الاخطار ، اصبح الشعب بكل فئاته طرفاً مباشراً فيها ، ولم يعد يتقبل قرارات تتخذ بغفلة عنه . ولابد من وضع اسس متينة للتوجيه السياسي الوطني ، تجعل من السلطة والشعب كتلة واحدة . لان بقاء الوطن واستمرار الحياة رهن بمدى استعداد الشعب والتفافه حول السلطة السياسية . ( انظر دكتور سلام الحاج عبدالله باب الله ? الاسراتيجية : مدخل متكامل لدراسة وفهم علم وفن الاستراتيجية ، يناير 2007 ، صــــ 149 ? 150 )
حكومات العالم ليست معنية في الامور هكذا ، أن تقبل بموقف حكومة لتبني عليها سياستها الخارجية تجاه تلك الدولة وهذا يختلف من دولة الى دولة ، وذات ارتباط بشكل كبير ، بحجم انخراط تلك الدولة في تلك العمل محل الخلاف ، لكن هنالك مؤشرات ومعايير علمية بنيت عليها النظم السياسية في العالم ولقد توافق عليها علماء السياسة والقانون والاجتماع ، على اساسها يستخلص حكومات الدول الاجنبية حقيقة الاوضاع داخل دولة معينة ، اخذين في الاعتبار مدى الاتساق بين تلك المعايير والمواقف الحكومية وهكذا تسير العالم .

نواصل

[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..