مقالات سياسية

فيتو..أحمد العمراني.. من سرقه ؟

فيتو..أحمد العمراني..من سرقه ؟

محمد عبد الله برقاوي..
[email protected]

في بدايات التعلق بالعمل الصحفي في تلك الأيام الخوالي من سبعينيات القرن الماضي، بدأنا بحماس واندفاع الشباب المبكر وعنفوانه المغرور نحمل اقلامنا على هشاشة سنانها ونحلم بتغيير العالم بدءا بالسودان ولو عبر انتقاد حفر بلديات العاصمة و الحض على زيادة أناقة شوارعها وتحسين خطوط مواصلاتها رغم انها وقتها لم تكن تعرف الشماعة ولاكراسي الوسط،كانت الهواية تجرى فينا مع دورة الدماء في العروق ، لانعرف الملل ونحن نتحرك ليلا ونهارا في ردهات الصحف وان لم نكن معتمدين ضمن كواردها الرسمية وانما كنا عشاقا متعاونين وبدون مقابل ، البعض وجد فرصته للتسلل الى داخل عشقه ، فحقق حلمه بان يكون صحفيا محترفا ، وقد سرني أن الكثيرين منهم قد بلغوا شأوا عظيما في بلاط الصحافة وادمنوا معاقرة المتاعب .
كان أحمد اسماعيل العمرابي بقامته الفارعة اكثرنا صمودا في الطريق الطويل ، يكتب عبر عموده الذي عنوانه ( فيتو ) على مدى ما يقارب الأربعين عاما ..بدأ في جريدة الأيام وكنت قبل أن تعتمد لي الصحيفة عمودا باسمي تحت عنوان ( ظل السيف ) كثيرا ما استلف عموده لتمرير موضوعاتي على تواضعها وكان يحفزني بافساح المجال لقلمي عبر مساحته ،
العام الماضي وأنا أجلس مع الزميل الكبير محي الدين خليل أما منزله ، حيث يكتب من ذلك الظل الذي يجتمع فيه كل الوان البشر وطبقاتهم من سماسرة العقارات وستات الشاي والفول وماسحي الأحذية ومكاتب الطباعة والأنترنيت وغيرهم من السابلة فيمثلون برلمانا شعبيا يوحي لكل الصحفين حيث تقع هناك مجموعة من دور الصحف في قلب الخرطوم ، مرّ العمرابي خطفا كظل الطير في عجالة والقى علينا التحية ووعد بالعودة ليجلس معنا، ربما عاد بعد برهة ولابد أنه وجدنا قد تحركنا من مكاننا.
بعد شهر فُجع ذلك المجلس برحيل محي الدين ، فعلقت الدمعات حتي في خدود كبايات شاي الجلسة. لملمت جرحي بفقده في أعماقي ورحلت عائدا الي ديار الغربة ، فطاردني الحزن باصراره السمج اذ قرأت نعي أحمد العمرابي في ذات الصفحات التي كان ينافح فيها باستخدام الفيتو من أجل وطن أجمل وعالم مسالم ، لم أكن أدرك أن تلك التحية العابرة كانت كلمة سر الوداع الأخيرة لي ولمحي الدين الذي سبقه ، ويالها من دنيا وما أغربها من مفارقة ، صاحب الفيتو الذى عشنا معه في مراحل المد الثوري وفورة الاشتراكية في ايام القوتيين العظميين يرحل في زمان ينقلب فيه الحال و تلك البلاد الثورية التي كانت تدعم التحرر وتقف مع الشعوب المناضلة للانعتاق من ربقة الامبريالية الأمريكية ، تجرفها سيول المصالح في اتجاه مغاير ، فباتت روسيا والصين تستخدمان الفيتو المسروق عنك بعد رحيلك يا احمد ضد ادانة سوريا لتنطلق يد شبيحة الأسد في سن السكاكين لجز الرقاب ، فيما امريكا تطبطب هي الأخري على نظام الانقاذ من تحت الطاولة بان يكون رئيفا في تقطيع السودان وشعبه عند الذبح الاسلامي الحلال ، حتي لا يحرجها باستخدام الفيتو لحمايته اذا ما تململ شعبنا ضده مع مصارين الجوع ولو قليلا ، فعليه الصبر. لأن ايران لاتملك حق النقض و ان سفيرة أمريكا في جنوب السودان ستتوسط لدي الدولة الوليدة التي وصفها حليف الانقاذ اسماعيل هنية باللقيطة . للتكرم علينا باقتسام جالون الجاز لاضاءة سودان الشمال من جديد بعد ان أظلم بظلم الانقاذ الطويل ، فيا له من عالم ياعمرابي ..حق لك أن ترحل عنه محتجا رافعا الفيتو وانت تترجل عن ظهر ارض بات باطنها هو الأرحب والأريح !
اذ اصبح فيه السيف في يد الجبناء والمال في يد البخلاء والقلم في يد الجهلاء .. والفيتو مسروق من قبل المنافقين ، فلا حول ولا قوة الا بالله في كل ذلك وفي صبرنا على رحيلك ومن بعدك من سيعيرنا الفيتو لنرفعه عاليا في وجه الباطل، وانت ومحي الدين تحفكما الرحمة .
عند مليك مقتدر.
انه المستعان .
وهو من وراء القصد..

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..