الثورة وآفاق التغيير

بسم الله الرحمن الرحيم
الثورة وآفاق التغيير في العالم العربي
زهير هاشم طه الحسين
[email protected]
مقدمة :
ثمة إجماع بين المراقبين والمحللين علي اهمية التغيير الثوري المعاصر في العالم العربي .فهذه المنطقة من العالم لا يمكن تجاهل أهميتها السياسية والإستراتيجية الناتجة من عوامل شتى جغرافية وتاريخية وحضارية,بيد أن موج الإحتجاجات الشعبية الذي أطاح برئيسين مخضرمين (زين العابدين بي علي في تونس ) و( حسني مبارك في مصر),تبدو كظاهرة جديرة بالدراسة والتحليل إذ أن هذا الحراك الشعبي أزال جمود السياسة العربية وحرّك بركتها الراكدة منذ سنوات طوال وفرض عليها تغيراً تجاوز حدود الجغرافيا ليفرض نفسه على معظم الدول العربية تقريباً.
أسباب وملابسات الثورات في العالم العربي :
يبدو العالم العربي ككتلة شبه متجانسة لغوياً وإجتماعياً وثقافياً وسياسياً تسود بلدانه الأنظمة القمعية الإستبدادية في شكلها الجمهوري أو في نمطها الملكي ويبدو ان تطاول الإستبداد تسبب في ظهور أعراض سياسية مرضية أعراضها:
أ/ تحول الدولة إلي إقطاعية للحزب الحاكم وبطانته وأسرته حتى أن دولاً جمهورية كسوريا ومصر إتجه لتوريث الحكم .
ب/ إنتشار الفساد بشكل غير مسبوق في أوساط النخبة الحاكمة فضلاً عن المحسوبية وعدم المساواة في الفرص مما أدى إلي إيغال صدر الشعوب العربية.
ج/ إنتشار ثقافة القمع وإنتهاك حقوق الإنسان من تلقاء الكبت القاهر للمعارض بغية إسكاته وإلجامه.
وقد كانت هذه العوامل تتراكم عبر السنين مما أدى إلي تشكل إحتقانات مكتومة لم تلبث أن إنفجرت بداية هذا العام في شكل ثورة شعبية عارمة أطاحت بنظامين إستبدايين في مصر وتونس وتبدو دولٌ أُخري مرشحة للانفجار وبالتالي تكرار هذا السيناريوالخطير ولكن ثمة عوامل موضوعية يسميها علماء الإجتماع بالشروط الموضوعية للثورة وهي:
أ/ الوعي الشعبي إذ أن الاستبداد في حد ذاته ليس مفضبا للثورة بقدر ما المفضى لها هو هو الإحساس بالاستبداد والوعي باثاره والرغبة في مدافعته.
ب/ الارادة الشعبية العازمة علي مدافعة الإستبداد إذ أن الوعي والإحساس وحدهما لا يكفيان ما لم يتحولا إلى إرادة عملية ومن الملاحظ أن الثورة قامت علي يد الشباب وهم الاكثر عزيمة بحكم مرحلتهم السنية.
ج/ ثمة عامل جديد لم يكن معهوداً من قبل وهو العامل الرقمي إذ لعبت المواقع الإجتماعية في الشبكة العنكبوتية كفيس بوك وتويتر لعبت دوراً كبيراً في التعبئة للثورة وإيصال الخطاب الثوري للجماهير.
آفاق الثورة والتغيير في العالم العربي :-
يبدو أن الأفق السياسي سيمتد أمام هذه الثورة للإنتقال إلي دول عربية أخري مثل (الجزائر واليمن والسودان) بل أن دولاً أخرى غير عربية كإيطاليا غير العربية وغير الشرق أوسطية قد تأثرت نوعاً ما بهذه الثورة مما يشكل أول أثر عربي علي
أوربا منذ وفاة العلامة إبن رشد. ولكن ما ينقص هذه الثورة الآن هو الأفكار الناظمة الجامعة الهادية لهذه الثورة إلي الرشاد والعاصمة لها في ذات الوقت من الضياع إذ أن التغير بلا فكر مشي في عماية , والفكر الجامع عصمة للثورة من الإنحراف وجسر متين لتحقيق الأهداف الثورية فلابد أن يصاحب هذا التغيير الحركي تغيير فكري فلسفي مفاهيمي يؤسس لعهد عربي جديد كما ينبغي لهذه الثورة أن تستصحب عبر الثورات السالفة وتجاربها فكم من ثورة فشلت في تحقيق أهدافها كالثورة الإيرانية مثلاً والتي رغم أنها أعادت إيران إلي موقع المصادمة مع اعداء الإسلام
إلا أنها فشلت في تحقيق هدفها الأساسي بإزالة الإستبداد إذ إستبدلت الثورة إستبداد الشاه بإستبداد الملالي ,وغير بعيد ثورتي إكتوبر وأبريل في السودان التان انتكستا وعاد الإستبداد مرة أخرى أشد من ذي قبل لأنها لم تكن مؤسسة على أفكار جامعة فارتدت على نفسها عكس الثورة الفرنسية التي عصمتها أفكارها الجامعة (العقد الإجتماعي لروسو وفصل السلطات لمونتيسكو) من الضياع ورغم سقوطها السياسي بعد نابليون إلا أنها عادت من جديد في جمهوريات فرنسا المتتابعة حتي نعمت فرنسا بالحرية وأشرق عليها فجر الديموقراطية. ويجب علي الثورة العربية أيضاً أن تنتبه إلي ظاهرة أخرى وهي ظاهرة سرقة الثورات التي يتضح نموزجها جلياً في الثورة الروسية 1917 التي سرقها الشيوعيون ليحيلوها فيما بعد إستبدادا أسوأ من إستبداد آل رومانوف .فيجب علي الثوار خاصة ثوار تونس أن يضعوا ثورتهم في حرز مأمون يحفظها من أذناب بن علي الذين يحاولون إعادة إنتاج ذواتهم القبيحة في شكل جديد لينقضوا علي ثورة الشعب.
خاتمة:تلك كانت محاولة لقراءة وتحليل هذه الظاهرة المفاجئة في الساحة العربية والتي فاجأت المراقبين والمحللين قاطبة .إلا أن القول الفصل هو أنها دليل عافية في البدن العربي ومؤشرعلي روح شابة وثابة سكنته فأماتت فيه صنم الإستبداد في بلدين عربيين حتي الآن ولكن هذه الطاقة الدفاقة يجب أن تصب في قنوات البناء للأوطان وفق مشاريع علمية مدروسة لتنقل عالمنا العربي إلي مصاف الأمم المتحضرة الراقية.