عذرا آل مضايا

لم يعد صوت الشيخ المبحوح يطرب، ولم تعد سبابته تحرك الجماهير المغلوبة على حمقها .. فقد سقطت العمامة، ولم يبق من جسده المهتز إلا كرش وعباءة، وذكريات لن تنمحي من ذاكرة السوريين. يمكن لسماحته اليوم أن يرتقي المنبر كما تعود، وأن يرفع عقيرته وسبابته بين كل ادعاء وفرية، لكن أحدا بعد اليوم لن يصدق أن الشيخ يحمي الجنوب أو أنه يدافع مع الروس عن البيت وآله، أو أنه يحاصر بني أمية في مضايا ليعيد الخلافة إلى مهديه الذي لم يعد ينتظره أحد.
في مضايا، ينتظر السوريون من يحفر لهم قبورا لأن الغربان التي تحوم في سماء البلاد لم تعلم الشريف حسن نصر الله كيف يواري سوأة أخيه، كما لم تعلمه كلاب كسرى وذئاب الروم الوافدة من كل فج عميق أن للأسير حق وإن كان سوريا، وأن للدماء ثمن وإن تأجل حتى حين.
في مضايا، يواصل المواطنون ركضهم اليومي خلف الكلاب الضالة والقطط الهزيلة بعد أن غطت الثلوج الحشائش وأوراق الشجر الذابلة التي ظلوا يقتاتون عليها سبعة أشهر من الحصار. أما جنود حزب الله الذين جاءوا من أقاصي المدن ليدافعوا عن الحسين، فلا يسمحون لتلكم الهياكل بالتجول الحر هناك، وفي قرى صارت كالأقفاص التي لا يرمي داخلها الحراس بقشرة موز أو حبة لوز، يواصل السوريون التدافع بالمناكب لتدوين أسمائهم في سجلات الراحلين.
في شِعب مضايا، لا نكاح ولا بيع ولا شراء ولا صلح ولا رأفة ولا صحيفة تأكلها القرضة. هو الموت، والموت فقط. وعلى السوري رهين المحبسين أن يختار جوعا يأكل لحمه وينهش عظمه، أو رصاصة طائشة يطلقها حارس صنديد من حراس الحدود وحاملي المباخر. والموت في الحالتين كلتيهما أرحم من حياة العبيد في ظل حاكم لا يسمع إلا صوته، ولا يرى في مرآة الكون إلا وجهه الصفيق.
المواطنون في كفريا وفوعة في الهم أيضا شرق، لكنهم أوفر حظا من مواطني مضايا، لأن المتمردين هناك يسمحون بين الحين والآخر لعربات الإغاثة المحملة بالدواء والغذاء بالمرور من بين أكتافهم المقددة. لكن أبناء البلدتين الشيعيتين قطط غير سمان في أيام تخلف عجاف تمر على أمة هزيلة لم تعد تخيف إلا أبناءها.
تنتظر شاحنات الإغاثة إشارة من إصبع سماحة السيد الذي لطالما رسم بخطوط بهلوانية في الفضاء العربي المستباح خطوط طريق لأمة ضلت كل طريق، وينتظر أبناء الصليب الأحمر أن يتوقف أبناء الهلال الدامي هنيهة يلتقط فيها المتقاتلون باسم الله أنفاسهم ريثما تصل علب الحليب إلى من يستحقها من أطفال لم يعودوا كالأطفال، لكن الواقفين على حدود ليست لهم، والذين تجاوزوا كل حدود يرفضون إلقاء أسلحتهم لأنهم جند الله الذين ابتعثهم الله ليخرجوا الناس من ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة.
يقاتل سماحة السيد أطفال مضايا بعد أن فرغ من حوامات اليهود وعربات جندهم التي تطوق الجنوب اللبناني وتستبيح مزارعه وتلاله، ويقف جنود حزبه فوق تلال من أجساد غضه ليرفعوا راياتهم السوداء بعد أن انتصروا لعترة النبي ممن استباح مقدساته وانتهك ما حرم. وفي عهد الفتوحات الباطلة، ورايات النفاق السود، يواصل الإسلام التقهقر داخل حدوده، ويزداد الدين غربة في نفوس الناس، ليعود الإسلام غريبا كما بدأ، ويتحول المسلمون إلى وليمة مقززة بلا مرق ولا رائحة.
عبد الرازق أحمد الشاعر
[email protected]
نقدر حزنك النبيل أخ عبد القادر الشاعر … والشعب السوري شعب جميل لا يستأهل كل هذا الشقاء.. فصبرا غدا ستشرق سمش الحرية وستكون تلك الهايكل الآدمية أقوى وأبقى من جلادها لأنها تقاتل من أجل الحرية وهؤلاء يقاتلون من أجل مهدي لم يعد ينتظره أحد كما قلت…كنت أتمنى أن يكون لي فائض حزن لأقتسمه معك ولكن نفد رصين الأحزان منا نحن شعب السودان الذي ظل تحت جبروط أيدولوجية تخاصم الحياة وتعشق الموت من أجل الموت ولا تنتظر سوى الدولار على حساب الموت والدمار… وعاش الشعبين السوداني والسوري والتحية لأهل مضايا وكل أهلنا في سوريا ولك التحية.
عرابو الارهاب في سورية يذرفون دموع التماسيح على مضايا
بقلم : عليان عليان
بداية أسجل أنني وغيري ، ضد أن يموت مواطن عربي سوري في مضايا جوعاً بغض النظر عن موقفه السياسي حيال أي قضية من القضايا ، لكني في
ذات الوقت ضد أن يموت جوعاً مواطن عربي سوري من أبناء الفوعة ، وكفريا ونبل والزهرا ، إذ لا يجوز الكيل بمكيالين حيال هذه البلدة أوتلك ، على أرضية طائفية بغيضة اشتغل ولا يزال يشتغل عليها العقل الداعم للإرهاب في الدوائر الأمريكية والرجعية.
بعد هذه المقدمة أشير إلى أن الدول الداعمة للإرهاب في سورية ( واشنطن وأدواتها في السعودية وقطر وتركيا ) تذرف دموع التساميح على بلدة مضايا منذ أكثر من أسبوعين ، زاعمة أن أبنائها يموتون جوعاً بزعم عدم توفر الغذاء والدواء والماء والدواء نتيجة الحصار المزعوم لهذه البلدة من قبل الجيش العربي السوري والمقاومة ، وتسخر في سبيل ذلك حملة إعلامية نشطة عبر وسائل إعلامها المتعددة ، حيث تقوم باستحضار صور من بلدان أخرى وتركيبها على مقاس مضايا ، ناهيك أن الفئات الداعمة للارهاب وظفت وسائل التواصل الاجتماعي مثل الفيسبوك وتويتر والمواقع الالكترونية مثل ” الجزيرة والعربية ” خدمة لذات الحملة.
فعلى سبيل المثال لا الحصر ، حول استحضار صور من مواقع الكترونية أو دول مختلفة في العالم وإسقاطها على بلدة مضايا ، عملت الأجهزة الفنية المختصة في المقاومة ( حزب الله ) على تحريك محرك البحث الالكتروني للتحقق من صور الأشخاص المزعومين الذين يتضورون جوعاً في مضايا ، لتكتشف أن صورة مزعومة لرجل مسن قيل أنه على وشك الموت جوعاً في مضايا ، أنها كانت قد نشرت عام 2009 على موقع الكتروني غربي تبين أن هزال جسمه ناجم عن إدمانه على تعاطي المخدرات، وأن صورة لسيدة منهكة القوى بزعم أنها في مضايا وتبدو ” كهيكل عظمي ” تبين أنها نشرت عام 2014 على موقع غربي ” تحت عنوان فقدت نصف وزنها جراء مشاكل صحية ” ، وأن صورة مزعومة لطفل في مضايا فقد جزءاً كبيراً من وزنه ، تبين أنها تعود لطفل في مخيم اليرموك فقد وزنه جراء حصار الارهابيين للمخيم ، وصورة أخرى لطفلة أنهكها المرض ، تبين أنها تعود لصورة طفلة في مخيم الزعتري بالأردن .
لقد نفى أحد موظفي الصليب الأحمر الدولي في لقاء مع فضائية الميادين صحة الأخبار بشأن مضايا ، في حين أوضح حزب الله في بيان له بأن عشر شاحنات دخلت مضايا في الثامن عشر من شهر تشرين أول الماضي ، تكفي لعدة أشهر وبالتزامن مع دخول كميات من الغذاء لبلدتي كفريا والفوعة -المحاصرتين من عصابات الإرهاب- في إطار اتفاق الزبداني ، في حين تشير بعض التقارير أن العصابات الإرهابية تحتجز المواد الغذائية لصالح مقاتليها ، وتمنعها عن سكان البلدة.
كما أكد مكتب الأمم المتحدة للشؤون الانسانية على تلقيه مجدداً موافقة من الحكومة السورية لإدخال المساعدات الإنسانية في أقرب وقت ، إلى ثلاث بلدات سورية بينها مضايا في ريف دمشق الغربي .
فالجيش السوري والمقاومة يحاصران عصابات الإرهاب في مضايا ، ولا يحاصرا المدنيين ، ويطلبان من المواطنين مغادرتها ، لكن عصابات الإرهاب أخذت المواطنين (23 أف نسمة ) كرهائن وتمنعهم من مغادرتها ، وتمنع كذلك ثلاثمائة مسلح يريدون تسليم أنفسهم للحكومة السورية لتسوية أوضاعهم ووللعودة إلى حضن الدولة، – وتحتجزهم كرهائن للمساومة عليهم وعلى المواطنين ، أو للاحتماء بهم أو للمتاجرة بقضيتهم .
وتبقى أسئلة محددة : إذا صحت صحة أرقام موت 30 مواطناً جوعاً في مضايا .. فكم عدد الإرهابيين من حركة أحرار الشام وجبهة النصرة الذين ماتوا جوعاً في مضايا بسبب الحصار نفسه؟ ولماذا لم تثار من هذه الحملة الإعلامية لصالح بلدات ومدن نبل والزهراء والفوعة وكفريا ودير الزور التي يتضور أبنائها جوعاً جراء الحصار منذ سنوات ؟ أليست هي القسمة الطائفية التي يلعب عليها وبها عملاء وأدوات مريكا؟ قطعاً أسئلة غير بريئة ..وأريدها غير بريئة.