
قاموس الخطابة اللغوية السياسية، ليس بالصناعة المُتخيلة أو البريئة في كل الأحوال. فالقواميس على وجه الحصر، تقوم على حشد وحِزَم من المفردات الدالة على أنساق دلالية واعية، لعقل سياسي يمارس التعبير وفق أغراض وأهداف معلومة.
والجمل والمفردات والتصورات الذهنية من أفكار، تنسجم دونما اختلاف أو تناقض، مع بعضها البعض، وتنتقل عدوى استخداماتها إعلامياً على قاعدة التكرار، وفق قوانين سوسيولوجية السلطة المغلقة في الاتصال اللغوي المعتمد، والمتفق عليه بين شرائحها وقواها الحية المؤثرة. فالاتصال اللغوى في الكيانات السياسية والسوسيولوجية المغلقة، لا يوفر فقط درجة من الاتفاق والتوافق في فهم واستعمال المفردات، ولكن يقترح المعاني والدلالات لها، بحيث تتحول إلى دلالة تنظيم أو جماعة خاصة، وأحيانا كلمة مرور معتمدة، لا يجوز من دونها العبور أوالتفاعل.
هكذا كان للتنظيمات و شرائح المجتمعات، عبر التاريخ الاجتماعي والسياسي والثقافي، جسوراً من الاتصال اللغوي، تمثله المفردات المتخذة والمستخدمة لديها في شتى الأغراض.
أما في التطبيقات الاجتماعية السياسية للقادة والزعماء السياسيين في الخارطة السياسية العربية، وربما الأفريقية، فهنالك المئات من المقلدين من الدهماء والانتهازيين، المتماهين في العمليات السيكولوجية وطرق التفكير والتفاعلات الذهنية، المنتجة لطريقة تعبير شكلانية، يقدمونها باتصال مع نموذج القائد الأب، تنظيما كان أم فردا، و الذي لا بد بالضرورة، أن يكون ملهما وباعتماد للمحتوى الذى ينشر خطابه الإضافي كذلك في إعادة إنتاج القهر والاستبداد ونشر الذعر.
لقد شهدنا طيلة العقود الثلاثة من حكم الإنقاذ، جملة من عقليات مستنسخة مستعادة واستعادية، بقدر ما تعرفنا على أساليب تفكير متشابهة، توفر قيما سلوكية أو مسلكية مشتركة في المظهر والفعل، دون تمييز بينها، وكأنها بضاعة من إنتاج مصانع بذاتها، وكائنات مستنسخة تقترب من بعضها البعض وتندمج بتقديم ولاءات متنوعة، منها الولاء اللغوي. ونظل شهودا كسودانيين كذلك، على اعتماد أكثرية من جمهور السياسيين الإنقاذيين على قاموس لغوى واحد، يغرفون من صحنه ويعتمدون مصادره. وغالبا ما تسعى عضوية تنظيمهم المُؤسِّسة والمُلتحِقة، لمحاكاة مفردات الزعيم – زعيمهم الراحل الدكتور حسن الترابي، فيعيدون مفرداته الغامضة، المتوترة، الغريبة، بنحو من الفخر والمتعة، من دون أن ينسوا تقليد لغة جسده أحيانا، بالتركيز على تحريك الأطراف بليونة وكسل، واستخدام لغة الهمز واللمز والمطاعنات اللزجة، بعمل متوازٍ على إذاعتها بين الناس، كأفضل ما أنتجته تجربة الاتصال السلوكي اللغوي العام للحركة السياسية الإسلامية، ومنها بالطبع لغة المخاطبة.
بل نكاد نعثر على تعزيز وتأييد انتخاب عدد من المفردات، ذات الارتباط بلسانية محددة وحيل ماكرة في الاستخدامات اللغوية، ومنها مفردات ظلت وكأنها كلمات مرور للتنظيم أو الاجتماع السياسي القائم.
هكذا انتشرت مفردات مثل: زعم، اصطصحاب، توالي، موالاة، ابتلاء ابتلاءات و(حقيقتن) بتنوين التاء المربوطة، وغيرها من مفردات ما أن ينطق بها، إلا وتذهب الذاكرة إليهم كمصدر.
هذه الظاهرة وحسب التحليل النفسي السياسي، يقود تفكيكها ربما إلى وقوع حالة من الذوبان النفسي للتابع الفرد، والجماعة التابعة، عبر التمثل والتماهي والتغييب والاستيعاب، الذي يحدث بوعي أو بدون وعي، وأحيانا بأثر وتأثير الثقل السلطوي المنقول بسبب الإعجاب المفرط، والاعتقاد في سيوبرمانية وتفوق التنظيم أو الزعيم، أوالنخبة السياسية القائدة المتحدثة باسمه.
غير أن الفكرة التي نود طرحها هنا، تتعلق بظاهرة أخرى قد تكون لافتة للنظر والانتباه، وهي ظاهرة استخدام عدد من المسؤلين السياسيين الانتقاليين، (ناسنا ذاتهم) لذات القاموس والمفردات أحيانا، و إعادة إنتاجها إعلامياً بنحو يحرج الثوار والثائرات، ويخدش حياء الشهداء داخل قبورهم.
نعم يتحدث بعض المسؤولين الانتقاليين بذات المفردات، من دون أدنى تمايز او اختلاف في قدرات وصيغ التعبير، من دون وضع فاصلة أو نقطة، بينه وبين ما سبق وكان .
ربما نلحظ بعض الجدل حالياً والذي يجري بين أعداد من المحللين والمفكرين، حول طبيعة ما جرى من تغيير، هل هو انتفاضة أم ثورة أم هبوط ناعم؟ يتعرض من باب الملاحظة، لظواهر من التفكير والأنساق الذهنية، التي لا تزال تحكمنا، من دون تعديل أو تغيير، مما يدفع لإثارة الأسئلة المحرجة، المتعلقة بتماثل العقل السياسي والذهنية، بالتقاء معلن بينهما في مخاطبة الرأى العام.
إن مما لا شك فيه أننا قد أنجزنا ثورة كاملة الدسم، لكن دون تحقيق وصناعة مجتمع سياسي قائد متولد منها، يعبر عن طبيعتها بتضاريسها المعقدة كقوة غالبة، منتصرة، ساحقة في ميزان القوى السياسية القائم، وذاك ربما ما يجعل المشهد العام مشوشاً مضطرباً، بما يحمل من لغة مخاطبة للرأى العام، من دون جدة أو طرافة تلحق بمحتواها وأنظمتها اللغوية والدلالية.
وجدي كامل
[email protected]
و كلمات ك نحسب و في نعمة ،،، كلمات ساقطة من لغة قوم ساقطين ،، دمت يا استاذ يجب احداث قطيعة كاملة مع كل ما يزكر بحقبة الظلام الكيزانية ،،،،
هم رعاة وانتم ماذا شعب .وقالوا راعنا ولا تنظرنا .يعني راعي رعاة .