حلفا الجديدة..تلفظ الحلفاويين

حلفا الجديدة..تلفظ الحلفاويين

أحمد دهب
[email protected]

ثمة شعور بالقلق يشوبه نوع من حالة (الاكتئاب) ينتاب معظم (الحلفاويين ) بسبب التدهور والانحدارالذي حاق مستوى الحياة المعيشية بمنطقة حلفا الجديدة حيث اصابها قدر كبير من الشلل وفي كل مفاصلها فبدت مثل امرأة عجوز ترتجف من فرط الوهن .. وهي بهذه الحالة المتردية بدأت تطرد سكانها وتلفظهم من جوفها فبدأ السكان في رحلة الا عودة وفي شكل غيوم راحلة تتقاذفها الرياح فأتجهوا صوب مناطق اخرى بحثآ عن مصادر للرزق وكان جلهم قصدوا اطراف العاصمة

كان الحلفاويين وابان رحيلهم من الوطن القديم قبل ما يقارب النصف قرن من الزمان وعندما حلوا بمرافئ الوطن الجديد اتخذوا من جدار الحزن متكأ لاجترار الذكريات الجميلة في رحاب حلفا القديمة فتوسدوا مخداتها حتى ادركهم النعاس وغفوا قليلا ثم استيقظوا ليراودهم الحزن الذي اغتال احلامهم الوردية حيث وجدوا انفسهم بين مراتع اقرب للفيافي والقفر بعد ان كانوا قبل الرحيل في ارض اشبه بعذوبة (الجنة) تحفها الطبيعه الاخاذة من كل مكان وتداعبها النسائم بعطرها الفواح

رغم السنين الطويلة التي تراكمت في حياة(الحلفاويين ) وهم يجثون بمناكبهم في تلك الفيافي حيث لا تسمع فيها الا نباح الكلاب ولا ترى فيها الا ضوء القمر وهو يتوارى خجلا في جوف التراب الداكن الا ان خيالهم كان يحلق دائمآ وسط القيوف المخضرة وبين انغام السواقي والحدائق التي تشدو على اغصانها العصافير الملونه الجميلة .. لا سيما وان الانسان النوبي وبحكم تكوينه الفطري وطبيعته الموغلة في جوف الحضارات القديمة دأب العيش على ضفاف النيل ولا يمكن ان تنزعه من قلب هذه الطبيعة الساحرة وتقذف به في اتون الصحراء وبين مرابع الادغال

الحلفاويون قضوا سحابة اعمارهم في انتظار المجهول بأرض البطانة القاحلة ريثما تأتي سفينة تحملهم الى شواطئ تعبق بأريج الصندل .. الا ان النوافذ التي كانت تطل منها قليل من الضوء اغلقتها تلك السياسات الرعناء من قبل اهل الجاه والسلطة الامر الذي دعاهم وفي مثل هذه الحالة المزرية ان يفكروا كثيرآ في العودة الى المرابع القديمة خصوصآ وان الوطن الجديد اصبح مثل سيول ترمي بالمقتنيات الثمينة بعيدآ بعد اتلافها .. فقد توقفت فيه كل سبل الحياة ونضبت الينابيع التي كانت تسيل من الاراضي الزراعية ومن الجمعيات التعاونية المتمثلة في (المطاحن ) واللواري المسافرة دومآ في تلك المساحات الطويلة

لقد اغلقت تلك المشروعات الانتاجية التي نهضت في قلب الصحراء بعزيمة الرجال ابوابها فما عاد لقاطني هذه الارض الجدباء من المكوث فيها حتى لا يداهمهم المزيد من العناء فراحوا يبحثون عن ظلال تحميهم من الهجير ..فألقى بعضهم عصا الترحال في اطراف العاصمة والبعض الاخر تدفقوا في مناطق لا يعرفون شيئآ عن دهاليزها ..فكان الاحرى وفي مثل هذه الاجواء الملبدة بغيوم الحزن ان يقصدوا مرافئ الوطن القديم خصوصآ وانه بدأ يأخذ عافيته ويسترد روحه حيث ان القاطنون فيه منذ التهجير القسري والذين اثروا البقاء بعزيمة الرجال نسجوا من هذة الارض الطيبة حلة من الاضواء فأصبحت منطقة تتباهى بمقوماتها العصرية والحضارية

الحلفاويون الذين بدأوا في الرحيل من ارض (البطانة) حريآ بهم ان يعودوا الى مرتعهم القديم بدل من التناثر في اطراف العاصمة وبعض المدن الاخرى ففي ذلك نوع من جمع الشمل بعد الشتات .. ومن اجل هذا الهدف لابد ان تتضافر الجهود من كل ابناء حلفا واديها وجديدها لاستقبال العائدين ولا بد ان تتواصل هذه الجهود من اجل المزيد من التعمير والتطوير لهذه الارض التي اخذت مسارا جديدا في حياتها حيث ان الهرولة الشديدة من قبل رجالها الميامين جنت ثمارها اليانعة .. ولا غروه ان هذه المنطقه وفي ظل هذه الجهود المستمرة ستصبح في القريب العاجل مثل عروسة غيداء تتمايل بضفائرها الطويلة على قيوف النيل ثم ترقص كثيرآ على اوتار الفرح .

تعليق واحد

  1. برغم اني من عرب الجزيرة إلا اني اتعاطف جدا مع الحلفاويين ( احتمال لاني نسيب ).
    في اعتقادي ان لا بديل للحلفاويين عن حلفا القديمة واذكر ان هنالك لجنة محترمة قامت للعمل على التشجيع للهجرة العكسية وكانت لها جهود مقدرة .
    انا اعرف ان ابناء حلفا من اكثر العاملين في المنظمات الطوعية فلماذا لا يقوموا بتوجيه جهود هذه المنظمات للعمل على انشاء مقومات الحياة الاساسية والخدمات الضرورية لتكون لبنة للقرى الجديدة في حلفا القديمة ( خاصة أنه عمل لا تجاوز فيه ).
    أين دور الرأسمالية من الحلفاويين ؟
    أين دور ابناء حلفاء بالمهجر وهم كثر ؟
    أين دور النادي النوبي ؟
    لماذا لا تتضافر الجهود للرجوع للوطن الأصل الخالي من الأمراض ( لا بلهارسيا ولا ملاريا ولا سرطانات )
    بالله عليكم اتحدوا ايها الحلفاويين من اجل الاجيال القادمة ومن اجل الحفاظ على تراثكم ورطانتكم ولا تنتظروا من الحكومة شئ

  2. كلام جميل جدا …انا واحد من ابناء الجيل الثاني للحلفاويين المهاجرين …تربيت خارج الديار و

    لكن يجري الدم النوبي في عروقي…رغم عدم ارتباطي المباشر بالمكان و لكن لدي ايمان

    بأن الاجيال الحالية ان لم تتفق على حلم يتحقق في السنين القادمة فان هذه الحضارة العريقة

    مصيرها الى زوال…فما جدوى الافتخار بهذا الدم النوبي ان لم نكن قادرين على تحقيق

    حلم في الواقع يثبت لانفسنا اولا و لغيرنا ما معنى ان تكون لك جذور ضاربة في عمق

    التاريخ والمكان…بناء حضارة حديثة في ديار النوبة القديمة حلم قابل للتحقيق و ضرورة

    تفرضها ظروف اهلنا و معاناتهم في حلفا و تفرضها ايضا ظروف الوطن الاكبر السودان الذي هو

    قد ملّ من الاحاديث والاماني و بات في امس الحاجة لبناء حقيقي….اعتقد ان جذورنا

    الضاربة في عمق تاريخ هذه المنطقة تفرض علينا ريادة التعمير للوطن مبتدئين بأنفسنا و منطقتنا …

    والا فانه لا جدوى ولا معنى للافتخار و التشدق بالانتماء لهذه الحضارة العرييييييقة…هذا هو العمل الحقيقي

  3. شكرا ليك كتيييييير يا ود التكينه ونحن عارفين دورك الكبير الذي قدمته للجنة الهجرة لوادي حلفا لما كنت في قطر الخيرية ومشروع منطقة جمي .
    غيرتك على الحلفاويين ليست للنسب وإنما لجزورك النوبية ونحن نعلم ذلك .
    انا بدوري كحلفاوية غيورة اضم صوتي لصوت اسامه التكينة واقول ليكم هبوا يا ابناء وبنات حلفا والنادي النوبي ينتظر افكاركم ومساهماتكم

  4. شكرا للاستاذ احمد دهب وشكرا للدكتور اسامه التكينه
    انا ما عارف وين النوبة والحلفاويين ولا تعليقات يعني لو كان الموضوع هائف كان التعليقات وصلت الف ولما الموضوع يكون بهذه الحيوية لاتعليقات ؟
    على العموم انا اخترح على الاخوة استاذ احمد ود/ اسامه العمل الجاد على تكوين مظلة طوعية تعمل جاهدة على تحقيق هذا الحلم .
    انا نعاكم قلبا وقالبا

  5. وين الحلفاويين ؟
    الشعب النوبي وين ؟
    في العام 2005 م عملت بحث عن هجرة الحلفاويين وأثرها على التنمية وقد قمت بزيارة بعض الاسر الحلفاوية التي هاجرت واستقرت جنوب الخرطوم ( ام عشر ) وكان ذلك بمساعدة الباشمهندس الرائع سيد عكاشة ووقفت من خلال تلك الزيارة على أسوأ احوال المهاجرين قسرا من حلفا الجديدة بعد أن فتك بهم المرض والفقر ( ولا ننسى دور الحكومة في خلق هذا الوضع ).
    البحث موجود لمن اراد الاضطلاع لعله يحرك فيكم الغيرة على اهلكم الحلفاويين .
    .

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..