مقالات وآراء

لا تجبروا النيل على الفيضان

عجبت للهجة الاستعلائية التي تحدّث بها قائد الدعم السريع في خطابه أمام الوالي وقادة الشرطة والجيش فور وصوله لحسم تفلتات الشرق ، فالرجل قالها صراحة أن قوّاته جاءت بتفويض كامل من النائب الأول لمجلس السيادة ، بمعنى أنها لن تكون تحت إمرة الحكومة المدنية ولا الجيش ولا الشرطة ولا الوالي ، وتعمل فقط بمايمليه عليها تفويض قائدها .
لاشك أن الدعم السريع قادر على حسم كل التّفلتات ، وقادر على إعادة الأمور إلى طبيعتها في أقرب وقت ممكن ، ولاننكر أنه نجح في الكثير من الأمور المفصلية ، وقام أخيرا بأدوار بطولية في إعادة نازحي دارفور إلى قراهم وتوفير الحماية والخدمات لهم ، ولكن الطريقة التي يتجاوز بها الحكومة المدنية لفعل كل ذلك ، تقوّض كثيرا من مفاهيم الثورة ، لأن المفاهيم هي مفاهيم قيمية استراتيجية ، وتنظيمية بنائية ، وليست دعائم لحلول وقتية تتجدد بعدها الصراعات وتزداد تعميقا .
الدعم السريع يجب أن يتم إخراجه من الحالة المجهولة التي يعيشها ، فهو لايتبع الجيش بالرغم من الإعلان الظاهري عن ذلك ، لأن التبعية لاتعني أن يكون له قيادة منفصلة وزي منفصل ومصادر منفصلة وقرار منفصل ، ولاهو قوّة تابعة لجزء من الشعب كالحركات المسلحة التي تتبع لهذه الجهة أو تلك رغم إعلان استقلاليتها ، ولو أردنا لبلادنا الاستقرار علينا أن نفرغ سريعا من نتائج تحقيق جريمة فضّ الاعتصام ومحاكمة مجرميه ، ومن لايثبت ضده شيء يجب تقنينه طالما هو مفيد للوطن ، فالدعم السريع وقف مع الثورة ، وقدّم خدمات جليلة للوطن ، ومن غير الإنصاف أن نمحو بجرّة قلم كل تلك الجهود فثورتنا ليست جاحدة ، وقوات الدعم السريع في بورتسودان يجب أن تكون تحت إمرة الوالي ، وكما حدث مع قوة الاحتياطي المركزي التي لم تتحرك لبورتسودان إلا بتوجيه رئيس الوزراء ، فإن قوة الدعم السريع كان يجب أن تتحرك بأمر رئيس الوزراء الذي دون شك سيكون على تنسيق مع قائدها ، ولكن تداخل المهام دائما يشكل الثقب الذي تجري من تحته فيضانات الخروقات القانونية ، وعلى قادة العسكر أن يفهموا بأن مدنية حكم الولايات لن تتراجع ، ولن تكون حتى بحكم نصف مدني ، أو إنقلاب غير معلن ، فالثورة مهما أنهكتها الجراح لن تموت أبدا ، وهي ثورة مفاهيم وبناء قيمي ومجتمعي ، وتوغل استخبارات دول مجاورة في أراضينا ومشاركتها في قتيل المواطنين في وجود القوة العسكرية الوطنية أيّا كانت تبعيتها ، أمر لابد من الوقوف عنده ، فهو لايعني سوى واحد من أمرين ، إما أن تكون قواتنا العسكرية المدججة بالسلاح من جيش وشرطة ودعم سريع وحركات ، غير قادرة على حمايتنا وحماية جزء من بلادنا ، إذا فلا داعي لوجودها ، ولاداعي للصبر على أطماعها ومحاصصاتها ومماحقاتها ، وإما أن تكون قادرة ولكنها نكاية في خصم سياسي ، تتقاعس عن القيام بواجبها وتسمح بالاعتداء على الشعب ، وفي هذه الحالة هي أيضا لاتلزمنا .
ما فات على الجميع أن الشباب الذي قام بالثورة السلمية التي سرقوها ولازالوا يعبثون بها ، يجيد معظمه استخدام السلاح ، وقد تدرّب عليه في الخدمة الوطنية ، ويستطيع الدّفاع عن نفسه ، ويستطيع إلغاء كل الأجهزة العسكرية والمدنية ، وتشكيل أجهزة عسكرية ومدنية بنكهة الثورة ، ولكنه احتراما لملكية الكل للوطن ، لم يشأ التعدّي على شعارات الحرية والسلام والعدالة ، فلا تجبروا هذا النيل العظيم على الفيضان ، ويجب على القوة العسكرية المشتركة التي جاءت بعد فوات الأوان وبعدما سالت دماء كثيرة ماكانت ستسيل لو تم التعامل مع الأمر في وقت مبكر ، عليها إدراك أن الوطن يحتاج الوحدة لا الخلاف ، وأن إعادة النظر فيما هو الآن ومايجب أن يكون لابد منها ، فليس من المهم مافات ، ولكن الأهم ماسيأتي ، وعلى الجميع أن يضع نقطة لنبدأ جميعا سطرا جديدا وقد بلّغت

عبدالدين سلامه
[email protected]

 

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..