غارات المحليات

شهدت بنفسي مساء الخميس الماضي على امتداد شارع المك نمر ، مطاردة ماراثونية ، بل قل ( غارة ) شنها على الباعة المتجولين مجموعة من عمال ما يعرف ب ( النظام العام ) بمحلية الخرطوم ، وهو للعلم ( نظام عام ) غير ذلك ( النظام العام ) الذي اشتهر بتحديقه وتدقيقه في أزياء الفتيات اكثر من أي مهام اخرى.. كان مشهد تلك المطاردة دراماتيكيا اشبه بتلك المطاردات التي تقع بين البطل والخائن في الأفلام الهندية .. بعد انجلاء غبار المطاردة انكب عمال المحلية في لملمة وتجميع غنائم المعركة وتحميلها على ( الدفار ) ،كانت الغنائم هي تلك البضائع التي اطلقها الباعة من اياديهم ليمكنوا ساقيهم من الانطلاق بسرعة الريح،وكانت عبارة عن ( اسطوانات ام بي ثري ، مناديل ورق ، ماكينات حلاقة الخ )،وبحكم الصداقة التي ربطتني بالكثيرين من هؤلاء الباعة ابان فترة عملي بصحيفة التغيير ( ردها الله ) لمدة عامين ، فالصحيفة تفتح على الشارع مباشرة ، ،شعرت بأسى واشفاق على هؤلاء الصحاب خاصة لعلمي ان الكثيرين منهم ان لم يكن جلهم ما دفعهم الى هذا العمل المر الا ماهو امر منه ..
مطاردة هؤلاء الباعة المغلوبين على امرهم ، لم تكن الا فصلا لفصيل من الفصائل التي ظلت المحليات تستهدف تجفيف اعمالهم ،منهم تجار التجزئة الذين ما انفكوا يشكون من غارات بعض موظفي الوحدات الإدارية عليهم ، ويستولون جبراً على كميات من الدقيق والأطعمة بحجة تباطئهم في إكمال بعض الإجراءات الإدارية والمالية.. مجموعة من عمال وموظفي المحلية يهبطون من عربتهم ويغيرون على المحل التجاري، يطالبون صاحبه بفظاظة وغلظة بدفع رسوم وجبايات هي كل يوم في شأن ولها مسمى جديد.. إما أن يدفع صاحب المحل فوراً وكاش داون أو ( يشيلوا العدة )، سواء كانت جوال سكر أو دقيق أو خلافه ، أو يغلقون المحل ويشمعونه بأقفال يحملونها معهم.. أو يصادرون منه (الميزان) حتى يتوقف عمله.. ولا حيلة لصاحب المحل المقهور غير أن يدفع حالاً وهو صاغر، أو أن يخوض عملية شاقة ومرهقة من (المساسقة) لاسترداد رهائنه من البضاعة المأخوذة منه قسراً، ومثل ذلك وأسوأ منه يقع على ستات الشاي على مدار اليوم والساعة، يهبطون سراعاً وخفافاً من (دفاراتهم) الشهيرة ويغيرون عليهن كما يغير الجند في معركة فاصلة وحاسمة ضد أعداء أشداء غلاظ، يصادرون البنابر والكوانين والكبابي، ويعودون ثقالاً بتلك الغنائم يملأون بها دفاراتهم ويحتجزونها كرهينة أو الأحرى كغنيمة في حوش واسع، وبذات أسلوب (يا تدفع يا نشيل العدة)، ليس أمام ست الشاي الغلبانة إذا ما أرادت استرداد عدتها إلا أن تبدأ عملية (مساسقة) مرهقة لاستردادها بعد دفع (المعلوم) من إتاوات ورسوم لا أعرف لها مسمى غير (رسوم استرداد العدة).. وبعد.. هل هناك بربكم إهدار لحق المواطنة وتمريغ لكرامة المواطن أكثر من ما يفعله هؤلاء ، ولا نعني بهؤلاء فقط من ينفذون هذه الحملات الانكشارية، بل نعني قبلهم من يقفون وراءها ويصدرون تعليمات الغارات…
[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..