د.عبدالله الطيب بين السودان و نيجيريا

ما بين السودان و نيجيريا كثير من الوشائج و الصلات و هي صلات قديمة قِدم ما حدث من هجرات داخلية في كافة أنحاء إفريقيا و قِدم رحلات الحج و الزيارة من غربي إفريقيا إلى الأراضي المقدسة في مكة المكرمة و المدينة المنورة و ذلك لان السودان كان و ما يزال بوابة عبور لحجاج تلك البلاد برا و جوا ، و لأن رحلة الحج في قديم الزمان كانت تأخذ كثيراً من الوقت فقد آثر عدد غير قليل من حجاج تلك البلاد وهم في طريقهم إلى مكة جيئة وذهابا الاستراحة قليلا في السودان ريثما تتاح لهم الفرصة لالتقاط أنفاسهم ثم مواصلة الرحلة إلى مبتغاهم، ومنهم من طاب له المقام عند العودة فأصبح أحفادهم اليوم جزءا من منظومة قبائله الكثيرة وقطعة متميزة من فسيفساء تنوعه المثير. هذه الصلات القديمة و المتجددة نقلت صورة طيبة عن السودان وأهله لسكان السودان الجغرافي من تشاد شرقا حتى موريتانيا غربا فأصبح السوداني محل تقدير و احترام أينما وطئت قدماه في ذلك الامتداد الجغرافي الفسيح وشكل بعض تجاره في تشاد و إفريقيا الوسطى و نيجيريا ركائز أساسية لتمتين هذه العلائق مضافا إليها ما بُذل من جهود رسمية لترقية التلاقح الثقافي بين هذه الشعوب والشعب السوداني ، و لذلك لم يكن مستغربا أن تجد أثرا ثقافيا لأهل السودان في كل هذه البلاد فالأغاني والمدائح السودانية مسموعة على نطاق واسع في تلك البلاد كما أن الحرص على تعلم اللغة العربية وإجادتها(باعتبارها لغة القرآن) مسلك طبيعي لفئة غير قليلة من مسلمي غربي إفريقيا ، و هذا ما دفع الحكومة النيجيرية في سبعينيات القرن الماضي إلى الاستعانة بعدد من مدرسي اللغة العربية السودانيين للتدريس في مدارسها ومعاهدها و جامعاتها. و قد حكى لي بعض الزملاء أنهم وجدوا من الرعاية والاهتمام الرسمي و الشعبي بنيجيريا ما جعلهم يذرفون كثيرا من الدموع حين أزفت ساعة رحيلهم من هناك و تمثلت واحدة من مظاهر ذلك الاهتمام الشعبي في ” الحملات ” التي كان يقوم بها طلاب و طالبات المدارس والمعاهد على مساكن مدرسيهم في نهاية الأسبوع للاعتناء بها فتعمد الطالبات إلى غسيل الملابس و كيها بينما يشغل الطلاب أنفسهم بنظافة الدار و تشذيب شجيراتها و نجيلها و لا يجدون حرجا في القيام بهذه المهمة بكل “طيبة نفس ” إكراما و إجلالا لمعلميهم ، و أما في الجامعات فإن المسارعة إلى حمل حقيبة المحاضر عند مدخل الكلية حتى إيصالها إلى قاعة المحاضرات تعد عملا محببا يتنافس عليه الطلاب يوميا، فكل ذلك يهون في سبيل أن يوفوا معلميهم حقهم من التبجيل و الاحترام . و أما أبهى صور ذلك التبجيل فتمثلت في ما رواه لي احد الزملاء من أن البروفيسور عبد الله الطيب عليه رحمة الله كان من بين المدعوين لحضور احد مهرجانات الجنادرية ، و هو مهرجان تراثي ضخم تقيمه المملكة العربية السعودية سنويا لتعكس لأجيالها الحاضرة ثراء تراث أجدادهم وتنوعه على نحو يعمق في النفوس ضرورة التمسك بقيم الماضي و السير في رِكاب الأجداد بما يحفظ لهذا البلد خصوصيته وتميزه دون التخلف عن ركب العولمة و التحضر كما يمثل هذا المهرجان فرصة طيبة تنتهزها السعودية لتنقل للمقيمين على ظهرانيها الرسالة نفسها في أجواء احتفالية بديعة و لا تقتصر هذه الأجواء على النمط التقليدي للاحتفالات و إنما يصاحبها فعل ثقافي مميز يدعى له أميز الشخصيات العربية و الإسلامية في كافة ضروب المعرفة لإثراء أيام المهرجان و لياليه بعلمهم الغزير وكان هذا ما جاء بعبد الله الطيب إلى الرياض منذ سنوات خلت. انتشر خبر وصول البروفيسور إلى عارفي فضله من كافة الجنسيات و كان من بينهم السفير النيجيري بالسعودية وقتئذ و الذي كان احد طلاب ماجستير اللغة العربية في مدينة كانو بشمالي نيجيريا حينما كان البروفيسور عبدالله الطيب عميدا لكلية اللغة العربية هناك فلم يكن منه إلا أن اتصل بزملائه من السودانيين الذين كانوا بنيجيريا لترتيب كيفية الالتقاء بمعلمهم ، و بعد اتصالات هنا و هناك علموا انه يلقى محاضرة مسائية و سيعود إلى مقر إقامته بالفندق بعد صلاة العشاء فتم الاتفاق على الالتقاء بردهة الفندق لحين وصول البروف ، و بينما كان القوم جلوسا يتناولون مشروباتهم الساخنة نظرا لبرودة الجو في ذلك اليوم أطل عبدالله الطيب بوقاره المعهود و تواضعه الجم فما كان من سفير نيجيريا الذي حرص أن يكون في مواجهة الباب ليتشرف الترحيب بأستاذه قبل غيره من الحضور إلا أن خلع نعليه ووضع ما بيديه ثم هرول منحنيا ليحمل حقيبة عبدالله الطيب اليدوية كما اعتاد أن يفعل الطلاب في نيجيريا ثم عاد يتبعه حتى جلس حيث أرادوا له الجلوس و بعد أن أدي الجميع واجب الضيافة وانصرف البروفيسور عبدالله الطيب بادرهم السفير النيجيري قائلا : لقد لاحظت ما بدا على بعضكم من استغراب و دهشة من مسلكي تجاه هذا الرجل العظيم ، فانا في حضرة عبدالله الطيب اخلع رداء الدبلوماسية و أعود طالبا كما كان العهد بي و لن أتورع أن اسلك ذات المسلك حتى و لو كان رئيس بلادي حاضرا ، فلم يجد الحاضرون بدا من أن يشكروه على مشاعره الطيبة و الصادقة تجاه أستاذه ووفائه واحترامه له و لكن الدهشة ظلت تلازم الكثيرين منهم حينا من الدهر ….. ألستم معي أن النيجيريين لا يمتعون الناس بالدهشة في كرة القدم فقط ؟
يحيى حسين قدال
[email][email protected][/email]
* لقد أعدت قراءة مقالك يا دكتور قدال، الذي روي حدث احتفاء السفير النيجيري بعبد الله الطيب في مهرجان الجنادرية؛ و كني عجزت أن أجد فيه ذكرا لرواية شاهد عن أثر المرحوم عبدالله الطيب في السودان، حتي يتسق الموضوع مع عنوانه “د.عبدالله الطيب بين السودان و نيجيريا”
* لقد أعدت قراءة مقالك يا دكتور قدال، الذي روي حدث احتفاء السفير النيجيري بعبد الله الطيب في مهرجان الجنادرية؛ و كني عجزت أن أجد فيه ذكرا لرواية شاهد عن أثر المرحوم عبدالله الطيب في السودان، حتي يتسق الموضوع مع عنوانه “د.عبدالله الطيب بين السودان و نيجيريا”
يديك العافية يحيى القدال ربنا يزيل عثرة هذا الوطن المعطاء ليظل إنسانه هكذا يشرفنا ويضرب الأمثال بما يقدمه من مجهودات تسهم في ركب الحضارة الإنسانية.
لا شك ان البروف كان عالما بحق و حقيقة. و من سوء حظه انه كان سودانيا فلذلك لا تجد أي إعادة لتسجيلاته الغنية بالمعرفة. بل سيأتي اليوم ان سألت طالبا جامعايا عنه لقال لك لم اسمع بهذا الاسم من قبل.
لا يعرف اهل الفضل الا اهل الفضل. ولذلك تجدنا نشيد بالزبير باشا رحمة و المك نمر
فانا في حضرة عبدالله الطيب اخلع رداء الدبلوماسية و أعود طالبا كما كان العهد بي …
ابداع يا قدله .. نعم هذا هو العملاق البروف (عبدالله الطيب )..
وايضا ان اردت ان ترى اعجابا بالبروف ، فاذهب الى المغرب ، سترى عجبا…
رحمه الله وطيب الله ثراه..
فما كان من سفير نيجيريا الذي حرص أن يكون في مواجهة الباب ليتشرف الترحيب بأستاذه قبل غيره من الحضور إلا أن خلع نعليه ووضع ما بيديه ثم هرول منحنيا ليحمل حقيبة عبدالله الطيب اليدوية كما اعتاد أن يفعل الطلاب في نيجيريا )
سلم يراعك أخي وصديقي يحي قدال ، فأن البروف عبدالله الطيب يستحق هذا وأكثر لانه بحق علما ورمزا من الرموز السودانية .. وقد وصل بنا الحال أن يحمل مثل هذا الدرجات كل من هب ودب فى عهد الانقاذ الي دمرت وطن بقامة بروف عبدالله الطيب يمثل قمة العلم الاداب و المحجوب والهندي ومبارك زروق فى السياسة و اقتبس من مقال لاستاذ الصحفي عثمان محمد حسن ما يلي :
“” شهادات الدكتوراه تزاحمك في كل مكان..!””
و يقول المثل أن فاقد الشيئ لا يعطيه.. بينما بعض الجامعات السودانية
تعطي شهادات الدكتوراه و( الدكتوراه الفخرية) لكل من هب و دب، و هي أحوج
ما تكون إلى من يرَكِّب لها ( أسطوانة تعريف) غير مزوّرة في زمن التزييف
هذا الذي يلتقيك ببشاشة زائفة أينما حللت!
و سيارات ( آخر موديل) تدوس مشاعرك و هي تدخل قاعة الصداقة.. و تكاليف
تسييرها السنوية كفيلة بإشباع قرية مهمشة من القرى التي قُّدِّر لها أن
تقع في الأرياف خارج ( مثلث حمدي) الذهبي.. و تقف السيارات أمام القاعة (
صفوف، صفوف، صفوف!) فارهات تنافس بعضها بعضاً بريقاً و عنفواناً.. ومنها
تخرج عمائم مزركشة و شالات ملقية بإهمالٍ مقصودٍ على الأكتاف.. و
ابتسامات مرطِّبة تنطلق من شفاه ندية بما لذ و طاب على موائد السحت (
المتمكنة).. إنهم ( دكاترة الهنا )
ولك سلامي ومودتي