دور المجتمع الدولي في استعادة ديمقراطية السودان

سامي عبد الحليم سعيد
ترجمة– آلاء عبد الرحيم
كانت الثورة السودانية 2019 لحظة ملهمة بشكل فريد للعالم، مهدت الطريق إلى فجر السودان الجديد، من خلال الشجاعة غير العادية ومثابرة المواطنين السودانيين، انطلقت لتحرير أنفسهم من الديكتاتورية والحرب الأهلية، ومعالجة الأخطاء التاريخية، وإعادة بناء دولتهم على مبادئ الديمقراطية والعدالة.
التزم المجتمع الدولي بدعم الانتقال السوداني نحو الديمقراطية وإعادة الإعمار والإصلاحات الشاملة، عبر سياسات اقتصادية وإصلاحات مؤسسية، بما فيها الأمنية، لتلبية تطلعات الشعب. ولكن سرعان ما بدأت العملية الانتقالية في التراجع بعد الإطاحة بحكومة عمر البشير في 11 أبريل 2019، بسبب الاضطرابات وعدم الاستقرار.
كان المجلس العسكري الانتقالي وقوى الحرية والتغيير قد اتفقا على الوثيقة الدستورية، وعلى تشكيل مجلس للسيادة لقيادة البلاد خلال الفترة الانتقالية إلى الديمقراطية من خلال انتخابات نزيهة. ويبدو أن اتفاق جوبا للسلام بين الحكومة الانتقالية والحركات المسلحة في أكتوبر 2020، قد عزز تلك المكاسب نحو السلام والديمقراطية. ولكن في 25 أكتوبر 2021، أوقف الانقلاب العسكري هذا التقدم.
الآن، بينما يعمل المجتمع الدولي والجهات السودانية الفاعلة المحلية، بما في ذلك الجماعات العسكرية والمدنية نحو استعادة الديمقراطية، هنالك العديد من التحديات التي تقف أمام استعادة المسار الديمقراطي وتلبية تطلعات الشباب الثائر.
بداية جديدة:
ساعدت بعثة الأمم المتحدة في السودان (يونيتامس) والاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية الدولية للتنمية (الإيقاد)، على استئناف الحوار، وشرعت في وضع خارطة طريق للانتقال. وفي 5 ديسمبر 2022، وقع الجيش وقوى الحرية والتغيير وقوى سياسية أخرى ومنظمات المجتمع المدني وبعض لجان المقاومة، على اتفاقية إطارية لإنشاء حكومة مدنية لإدارة الانتقال الديمقراطي لمدة عامين، تنتهي بانتخابات حرة ونزيهة.
تضمن الاتفاق الإطاري التخطيط للانتخابات العامة بعد فترة انتقالية قصيرة، هذا التخطيط يستدعي الأخذ في الاعتبار الأزمات السياسية والأمنية والاقتصادية المتعددة التي يواجهها السودان.
ويجب مناقشة آفاق الانتخابات في السودان في إطار العملية الانتقالية ككل، من خلال القرارات الحاسمة التي يتعين على الجهات السياسية اتخاذها مثل توقيت الانتخابات، تسلسلها، إنجاز الشروط الاستباقية الأخرى والمهمة في مهام الانتقال الأخرى، بما في ذلك صنع السلام، مراجعة اتفاق سلام جوبا، أو تنقيحها، العدالة الانتقالية، تفكيك هياكل السلطة في النظام السابق، الإصلاح الاقتصادي، وبناء الدستور.
مأزق الانتخابات:
هنالك علاقة وطيدة بين الانتخابات وبناء الدستور، إذا كانت الانتخابات ستجرى، فيجب أن تكون هناك هيئة ذات هيكل دستوري محدد، وذات سلطات وأدوار متفق عليها، يتم انتخاب أعضائها. وبمجرد انتخابها، يجب أن تحقق ما انتخبت لأجله.
إن إجراء انتخابات ذات مصداقية عالية أمر مهم جداً في سياق الانتقال، بذات أهمية أن تكون هناك انتخابات حرة ونزيهة. تلك المصداقية ترتبط بالمعايير التي يتفق حولها لتشكيل الهيئات الديمقراطية التي سيتم انتخابها، والتي يجب أن تكون معايير مقبولة على نطاق واسع، وذات شرعية. وبغياب تلك المصداقية، سيتحدى الخاسرون في الانتخابات شرعية المؤسسات المنتخبة، بينما سيدفع الفائزون بفوزهم إلى أقصى الحدود للوصول إلى السلطة، وقد يكون ذلك دعوة لعدم الاستقرار.
لا توجد نصوص واضحة ومحكمة في الوثيقة الدستورية لسنة 2019، عن المؤسسات المنتخبة ومعاييرها. وفي أغسطس 2022، اقترحت اللجنة التسييرية لنقابة المحامين السودانيين مشروع دستور جديد كإطار لاستعادة المسار الديمقراطي وتنظيم عملية تنفيذ أهداف الفترة الانتقالية، لم ينص هذا المشروع على أحكام دستورية لتنظيم الانتخابات العامة. كل المؤسسات الانتقالية، بحسب مشروع الدستور، ستكون معيّنة وليست منتخبة. ومن المقترح أن تتم الانتخابات في وقت ما في منتصف الفترة الانتقالية، وفي كثير من الحالات يتم انتخاب المؤسسات الانتقالية – مثل الجمعية التأسيسية – بموجب دستور انتقالي، ثم يتم تطوير دستور نهائي أو دائم من قبل تلك الهيئة المنتخبة.
الانتخابات أم الدستور: أيهما يأتي أولاً؟
إن شرط عدم إجراء الانتخابات إلا في نهاية المرحلة الانتقالية، يضع عبئًا كبيرًا على المؤسسات الانتقالية غير المنتخبة لوضع دستور دائم قبل إجراء الانتخابات، وإجراء الانتخابات بعد الفترة الانتقالية وليس في منتصفها، يعني أيضًا أن الفترة الانتقالية يجب أن تكون قصيرة نسبياً، ولا يمكن تأجيل الانتخابات التي تعتبر حيوية للشرعية العامة وإرساء سياسة مؤسسية إلى أجل غير مسمى.
في مرحلة ما، يجب على شعب السودان أن يقرر من سيحكمه وكيف سيحكمه، ومع ذلك هناك ما يدعو إلى القلق، من أنه قد لا يكون هناك وقت كاف لوضع دستور دائم، يستند إلى توافق كاف في الآراء، قبل النهاية المقررة للفترة الانتقالية.
لا يوجد سوى ثلاثة حلول ممكنة برغم أنها غير محبذة: الحل الأول، أن يحدث تعديل في الوثيقة الدستورية الانتقالية، وإجراء انتخابات للمؤسسات الانتقالية (جمعية تأسيسية) قبل نهاية العملية الانتقالية، يلي ذلك وضع دستور دائم بعد الانتخابات. الحل الثاني، التعجيل ببناء دستور دائم قبل نهاية الفترة الانتقالية (قبل نهاية العامين). والحل الأخير، تأخير الانتخابات إلى أجل غير مسمى، إلى ما بعد الانتهاء من وضع الدستور الدائم، مما قد يؤدي إلى انحسار شرعية المؤسسات الانتقالية، ويزيد من خطر الانقلاب العسكري خارج نطاق الدستور.
ومهما يكن من أمر، فقد بدأ الموقعون على الاتفاق الإطاري في عقد مؤتمرات لأصحاب المصلحة، لمناقشة أربع قضايا أساسية ضرورية للتوقيع على الاتفاق السياسي النهائي.
ومن المهم الاستفادة من هذه المشاورات الجارية الآن لمناقشة تمديد الفترة الانتقالية لاستيعاب الإصلاحات المؤسسية والتشريعية، والاستعدادات اللوجستية اللازمة للانتخابات، يمكن للمجتمع الدولي بما في ذلك (يونيتامس) المساعدة في نقل الخبرة التقنية والتجارب الدولية والدروس المستفادة، وتوفير الموارد للمساعدة في التحول الديمقراطي والتخطيط للانتخابات، ودعم السلام والاستقرار المستدامين في السودان.
بصرف النظر عن الدستور، تضع المادتان 12 و 13 من اتفاق سلام جوبا شروطًا مسبقة لإجراء انتخابات ذات مصداقية، تشمل: الترتيبات المتعلقة بالرقابة الدولية، تنفيذ الخطة المتفق عليها للعودة الطوعية للنازحين واللاجئين، إجراء التعداد السكاني بطريقة فعالة وشفافة قبل نهاية الفترة الانتقالية، بدعم ورقابة دوليين، وسن قانون للأحزاب السياسية. تلك التحضيرات تشمل أيضاً تشكيل مفوضية الانتخابات، بالإضافة إلى ذلك من الضروري القيام بحملة لتوعية الناخبين بالدستور والنظام الانتخابي.
هنالك الكثير الذي يجب القيام به، إذا كانت الفترة الانتقالية ستستغرق عامين فقط، وسيتطلب ذلك دعمًا تقنيًا كبيرًا وموارد ضخمة لتلبية متطلبات اتفاق سلام جوبا ومشروع الدستور الانتقالي.
بدأ المجتمع الدولي، منذ تشكيل الحكومة الانتقالية في أغسطس 2019، بالدعوة لتنظيم حملة دولية واسعة لدعم الانتقال الديمقراطي في السودان، انضمت لهذه الحملة المؤسسة الدولية للديمقراطية والانتخابات، من خلال توفير الدعم الفني للحكومة الانتقالية، لا سيما في دعم تشكيل مفوضية الانتخابات ومفوضية صياغة الدستور، سن القوانين الأخرى المتعلقة بتلك المفوضيات، لذلك يجب أن يستمر هذا الدعم من المؤسسات الدولية وأن يكون متسقًا مع التغييرات السياسية التي قد تحدث من وقت لآخر.
لقد دعم مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة مجهودات دعم التحول الديمقراطي، بإصدار القرار رقم 2425 لعام 2020 الذي أنشأ (UNITAMS) بعثة الأمم المتحدة في السودان، ومنحها التفويض لتقديم المساعدة المتعلقة بالمرحلة الانتقالية والسلام. وبالنظر إلى حجم المهمة وضيق الموعد النهائي، يجب تقديم هذا الدعم المالي والبرنامجي على وجه السرعة. يمكن الآن البدء في الكثير من الأعمال التحضيرية، سواء بشأن الانتخابات أو الدستور، عن طريق تشكيل مجموعات العمل واللجان الفنية، وغيرها من المساعدات الممكنة. ومثل تلك المساعدات ليست غريبة، بل نجد سوابق عديدة في هذا الصدد.
لقد شهدت الانتخابات العراقية دعمًا كبيرًا بموجب قرار مجلس الأمن رقم 2576 (2021)، لتقديم المشورة والدعم والمساعدة الفنية للعراق في التخطيط والإعداد وإجراء الانتخابات والاستفتاءات. وبالمثل، ساعد وفد الاتحاد الأوروبي الأردن (2016) ولبنان (2022)، وأيضاً ساعد الاتحاد الأفريقي في مايو (2019) ملاوي، وتم نشر فريق من المراقبين وفريق من الخبراء التقنيين في ملاوي لإنجاح الانتخابات فيها.
لا يمكن التغاضي عن التهديدات التي قد تنجم عن إجراء الانتخابات وسط ظروف أمنية صعبة، بما في ذلك نقاط الضعف والانقسامات داخل المؤسسات الأمنية في الدولة، بالإضافة إلى المساعدة المالية واللوجستية، ويجب أن يوفر المجتمع الدولي قوة أمنية مؤهلة ومدربة وذات خبرة في عملية الحفاظ على سلمية ونزاهة الانتخابات.
لا يوجد وقت:
من الضروري البدء والتحرك بسرعة للمساعدة في بناء إجماع وتوافق سياسي صادق، حول العملية وتسلسل الانتقال السلمي. إن عدم التوصل إلى اتفاق سياسي حول الانتخابات والدستور الذي ستنعقد بموجبه الانتخابات، قد يؤدي إلى توتر سياسي قد يعطل الانتخابات ويقوض الانتقال الديمقراطي. إن الفرصة متاحة حاليًا للشعب السوداني لمناقشة قضايا التحول الديمقراطي، بما في ذلك مسألة تنظيم انتخابات حرة وذات مصداقية بمساعدة المجتمع الدولي، ومثل هذه الفرص قد لا تدوم إلى الأبد.
يحتاج المجتمع الدولي إلى تقديم دعم كبير للانتخابات المقبلة في السودان في نهاية الفترة الانتقالية، وهذا أمر حيوي للأمن والسلام والاستقرار السياسي في السودان والقرن الأفريقي، وقد يؤدي عدم القيام بذلك إلى خلق مخاطر أمنية وسياسية واجتماعية يصعب حصرها أو التنبؤ بها.
الديمقراطي