مقالات وآراء سياسية

هيبة الدولة … كيف تكون ؟

اسماعيل عبد الله

 

عاش السودانيون ردحاً من الزمن ببلدان العم سام، فلم يروا جيوشاً جرّارة تجرجر اذيال ناقلات الجنود المجنزرة بالجنازير الثقيلة الضجيجة داخل المدن ، كل ما في الأمر أن هنالك وجود لاجهزة شرطية حديثة مواكبة لطفرة التكنولوجيا ترصد دبيب الصرصور في النفق المظلم ، وهناك الكل يهاب الدولة الممثلة في نسقها الأمني والشرطي العادل المساوي بين الفقير والغني لا تتأخر النجدة اذا استنجد بها احد وكذلك سيارة الاسعاف ، في بلاد (الكفار) لا ترى هرولة لاعداد المصلين الراكضين صباح مساء نحو ابواب المساجد ، لكن بالمقابل تجد النخوة والايثار وفزعة المغروض والتكافل والتراحم ، انها القيم والمثل والاخلاق المفتقدة لدى جموع الصادعين بكلمة الحق نفاقاً او مداهنة للحاكم ، عبر فوهات مكبرات الاصوات في الاسواق والطرقات ، فالموازين الاخلاقية لدينا مقلوب رأسها على عقبها ، ترى القتل والسحل اليومي والساحل والقاتل طرف حكومي والمسحول والمقتول مواطن يكابد شظف العيش ، كيف يحقق رأس الدولة هيبة الدولة والدولة هي الراعي الرسمي للمليشيات غير الشرعية المدججة بالسلاح؟.

الخائف لا يستطيع توفير اسباب الأمن لا لنفسه ولا لغيره ، بحكم أنه فاقد للأمان الشخصي ، والحكمة البديهية التي لاكها الصغار والكبار تقول : فاقد الشيء لا يعطيه ، فمن يرجو من الذين تسربلت اذيالهم بشوك (الحسكنيت) نفعاً ، عليه أن يبدأ رحلة البحث عن مخرج آخر ، فكل الذين يتصدرون المشهد العسكري والمدني وراءهم اكف مرفوعة بدعاء المظلوم ، واياد صابرة ممسكة بحبال الصبر المؤدي للقصاص الحتمي ، وهؤلاء المدنيون المسلحون والعسكريون ليس لديهم ما يقدمونه لأمن ومعاش المواطن الكادح ، لأنهم لا يمتلكون الارادة الوطنية ، ومما يدعو للاستغراب سيرهم القذة حذو القذة على طريق كبيرهم البائد ، بأن كرروا نفس الشعارات المملة الرافضة للتدخل الاجنبي ، في نفس الوقت الذي فتحوا فيه البلاد على مصراعيها لدخول هذا الاجنبي ، فالمقيد والمكبل بالاجندة الاقليمية والدولية غير مؤهّل للعب دور البطل القومي ، لأن الضعف والهوان يبين عندما تمتعض المحاور الاقليمية او حينما يغضب الرئيس الامريكي جو بايدن ، فتراتيبية السلطة الوطنية القادرة على قول كلمة لا ، تبدأ بعد إزالة آثار النظام البائد وبناء نظام جديد على ركام القديم.

حجر الزاوية في تحقيق هيبة الدولة هو العدل ، فالحاكم غير العادل لن يقدر على وضع طوبة واحدة في اساس الدولة المرهوبة والمعمول لها الف حساب ، عندما يكون ظالم لنفسه قبل غيره ، فالعدل اساس الحكم ، والحاكم الناظر للناس من ذات بعد المسافة الواحدة ، هو الحاكم القادر على بسط هيبة الدولة ، أما أمير القوم الذي يعمل بنظرية الخيار والفقوس في تقريب هذا وابعاد شقة ذاك لا تحلموا في ظله بدولة مهابة ، وسوف تتقاذفكم الأمم يمنة ويسرة وتذهب ريحكم وتصبحوا كمن حرث البحر، وما نشهده من تشرزم وتكتل واصطفاف جهوي وعرقي وطائفي وسياسي، هو نتاج لموت العدل بطبيعة الحال ، وحشد المسلحين بالمدن لا يزيد الحال الا سوء وتدهور واضمحلال ، بعسكرة الحواضر وتحويلها لثكنات للجنود ليصبح الناس ويمسوا وفي وجوههم المدفعية الثقيلة المحمولة على سيارات الدفع الرباعي ، مثل هذا المسرح الحربي العبثي لا يبشر بخير ، ولا يعد السكان بقرب انفراجة الضيق الذي اعترى عنق الزجاجة ، وانما يؤشر على بلوغ السيل الزبى واحتمالية حدوث ما لا يحمد عقباه وتفجر البركان الذي ما يزال يفور ويمور .

اللاعبون في ميدان السلطة الآن ، هم اناس عرضيون وطارئون وليسوا أصلاء ، والظروف الاستثنائية التي اتت بهم معلومة للجميع ، والعَرَضْ في عرف الاطباء يكون ملازماً للمرض ، ولا يبارح جسد المريض الا بعد استئصال وعلاج ومداواة الداء ، ولو هدى الله هؤلاء اللاعبين مدنييهم وعسكرييهم فافسحوا الطريق أمام حكومة كفاءات وطنية مستقلة غير حزبية ولا عسكرية ، تنتشل البلاد من وهدة الظلام وانعدام الرؤية وانغلاق الافق ، تكون هذه الطغمة المزدوجة الطامحة في الحكم بلا شرعية ، قد اسدت معروفاً للوطن وقدمت جميلاً يزين صدر محافل الجيل القادم ، فبحكم متوسط عمر الانسان السوداني والاعمار بيد الله ، انّ جل اللاهثين تحت ارجل كرسي الحكم اليوم قد ازفت ساعة رحيلهم، فهلّا تركوا للشباب المجال ليرسموا لوحة الوطن الذي حلموا به؟.

 

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..