تعليق على تعليق

بداية أزف للأخ الدكتور أمير حمد بأحر التهاني بمناسبة نيله درجة الدكتوراه من كلية الآداب, الأكاديمية الأمريكية-العربية بدمشق, سوريا. إختص الكاتب والشاعر الشاب في بحثه الأدب الرفيع, وإختار في رفعة الأدب عمل أدبي يمثل تاج أديب سوداني إنسان. كان حظ أمير حظاً جميلا , يبحث في رواية موسم الهجرة إلي الشمال, ويا له من هول بحث. كل من عرف أمير, يدري جيدا مدي إهتمامه بالأدب عموما, ومدي تعلقه بأدب الراحل المقيم الأديب الطيب صالح علي وجه الخصوص, وما يكنه من وقار لذلك الكاتب الفريد، الذي حظي بلقائه شخصيا في برلين. كانت لأمير دائما إجابته في جملة واحدة: أنا أحب الطيب صالح وأعماله ،وهى أعمال نادرة تستحق البحث, خصوصا رواية موسم الهجرة إلي الشمال.
نعلم جيدا كم من وقت قضاه أمير تائهاً في الخيال, مسافراً في عوالم محبوبه, الكاتب الفذ, مرتحلاً بين طيات الكتب, غارقاً في المراجع, و في قصاصات الورق, باحثاً دون تعب، بحث ثم وجد. وجد أمير بجده ومثابرته عملاً أدبياً نقدياً لصرح كبير من صروح بلاده, ألا وهو كاتب السودان الأول الراحل المقيم الطيب صالح. أنجز أمير ولأول مرة رسالة علمية تهتم بكاتب فذ، كاتب لا يتكرر في زمانه ومكانه, في سجيته وإنسانيته, كاتب عبقري جمع بين الأدب والعلم والوطنية والعالمية والتحضر والتصوف في أعمال أدبية رصينة. إهتم أمير في بحثه بكاتب يحمل هويته بدواخله حتي رحيله, وكان من حظه أن يلبي له طلب عظيم, وهو رجوعه إلي ما أحب ومن أحب.
لا يأتي الحب الصادق من العدم .حب أمير للطيب صالح وأعماله المميزة يتأتي بحب الطيب صالح نفسه لبلاده وأهل بلاده. لا يستهان ببعد حكي الطيب صالح الأدبي السياسي. كان الطيب صالح علي دراية بأهمية وحدة بلاده. لم يكترث الطيب صالح في أدبه للمدن وضجيجها, بل ركز علي القرية وأهلها, من نحو منطلق: وفي الريف لحكمة. كتب الطيب صالح عن بلاده, فأجاد ما كتب, حمل الطيب صالح رسالة شعبه, ورسالة شعوب قارة بأكملها, عابراً بها للمحيط فأوصلها بوفاء, حكي الطيب صالح عن أعباء الغلابة في الأرياف فجسدها في رواياته. ضم الطيب صالح بيئة بلاده من ناسها ونيلها ورملها ونخيلها, فزودته بما تنعم من حنان دافق وعرفان وافر. أعاد الطيب صالح إلي قارة بأكملها حقها المسلوب بالقلم في كاتب ورواية وبطل. بطل مثقف, ذو مستوي وذو بأس لايستهان بهما. إختار أمير كباحث وناقد فأحسن الإختيار في الأدب الرصين لكاتب قدير في السرد وجدير في الحكي.
يحكي عن الطيب صالح صديقه ورفيقه في قراءته الأدبية في ألمانيا الدكتور حامد فضل الله ويقول: إلتقيته لأول مرة في دعوة مصغرة في السبعينيات من القرن المنصرم . كان جليسنا آنذاك المرحوم الصحفي الكبير سيد أحمد نقد الله. وقتها تداولت زيارته أجهزة الإعلام بعنوان زيارة الخبير البريطاني الكبير من قبل هيئة الإذاعة البريطانية (البي بي سي) للسودان. أتي الأديب وقتها بدعوة من الحكومة السودانية لتقييم إذاعة جمهورية السودان في أوج شموخها وعظمتها. وكان هو الطيب الصالح من كرمكول. قابلت وقتها شخصية نادرة في صفاتها, وكما عرفته. خواجه بمستوي في إنجليزيته, وفصيح فذ في عربيته. تجالسه, فلا تمل الجلوس معه, ذو نكتة مهذبة, وذو حكمة في النكته.
يقول دكتور حامد: رافقت الطيب صالح في ترحاله الأدبي بين قلاع الأدباء والشعراء الألمانية الشامخة كبرلين ودرسدن ولايبزيج, وكان حسن رفيق. كان في مجلسه القروي بيننا رجل كرمكول البسيط, لا تفوت عليه فائتة في مجتمع بلده. وكان في مجلسه الغربي سوداني أفريقي في أوجي الثقافة والتحضر, يشق بمعرفته وهاد العلم والأدب, لا تكبح جماحه سيوف ونبال لاهبة, يصغي, يفكر, يفهم ويوصل الكلمة بصدق ووفاء. رافقت شخص شجاع, كريم ومهذب. إنسان نادر في شخصه وصفاته, جل ما تأتي الأيام بأمثاله.
وأنا أتابع سرد دكتورنا حامد فضل الله, تمنيت لو كنت ثالث ثلاثة, تشوقت إلي جلسة الحكيمين العامرة: الحكيم الطبيب دكتور حامد فضل الله, بما عالج من أمراض وخفف من الآلام والحكيم الأديب الطيب صالح, ذو المقلتين الواسعتين, وجبين رسمت عليه كلمة حكمة. يتفحص بنظرات وقورة ما تهويه النفوس وتشتهيه العقول, مخاطب النفس والعقل. وكان عزائي الوحيد هو أني وقتها لم أولد بعد من بطن أمي أثناء جلسة الحكيمين الشيقة تلك. وهكذا لا ينصب الأدب الرصين من العدم, بل يتقطر من فؤآد أديب يكتب بسجيته. فتأتي كتاباته صادقة كشذي زهر يترقرق, في رحيق كلمات عابقة تخاطب النفس والعقل وتدقدق الوجدان.

هنيئا لدكتور أمير لما بحث ووجد, وهنيئا لدكتور حامد لمن صاحب ورافق.

د. حسن حميدة ? المانيا
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..