حرفيو شارع الغابة..الرحيل إلى مناطق الخطر..!!

تحقيق : علي الدالي
يحكى والعهدة على الراوي أن مهندساً أندونيسياً زار الخرطوم في السنوات الماضية وخلال زيارته الخاطفة وقف على ما تصنعه الأيادي السودانية وعبقرية السودانيين في المهن الحرفية متمثلة في حرفة الأداوت الصحية، حيث علق قائلاً: (لو استثمرت البلاد في هؤلاء وطورت فكرتهم سيصبح السودان في مصاف الدول المتقدمة بفضل ما تصنع أيديهم )..!!
فيما يبدو أن العبارة لم تجد أذناً صاغية ..لكن المعنيون بها لازالوا يستدعونها كلما اشتدت عليهم المصائب وظلم ذوي القربى من المسئولين في الحكومة المحلية في وقت وجدوا المدح والإعجاب من الزائرين لبلادنا … هذه المقدمة كانت ضرورية لفتح ملف قضية الحرفيين بشارع الغابة وهم يواجهون شبح الرحيل المر إلى منطقة وضعت عليها السلطات لافتة مكتوبة عليها، خطر، وعبارات تحذيرية ( لا تبني ولا تشيِّد ) ومع ذلك تصر محلية الخرطوم وضع نهاية لاستمرار الحرفيين في ممارسة مهنتهم بشارع الغابة المطل على النيل.
خيارات صعبة..!!
اعتاد المارة بشارع الغابة غرب الخرطوم على مشاهدة الحرفيين الذين يعملون في مجال الأدوات الصحية على أطراف الشارع في منطقة كما يقول المثل الشعبي (ضلها سماها )، يعرضون أدواتهم في هجير الشمس المحرقة يعملون في صبر وجلد وبيئة قاسية لا يتحملها إلا مجبور على ذلك.. فهؤلاء كانوا منذ العام 1920 إلى العام 1994في وسط الخرطوم شارع الجمهورية ثم تم ترحليهم إلى شارع الغابة بقرار ولائي صادر من والي الولاية حينها بدر الدين طه الذي طرح عليهم أكثر من خيار من ضمنها جوار مقابر فاروق أو جوار مقابر المسيحيين أو (فسحة بلاع ) أو شارع الغابة فاختاروا الأخير بكامل إرادتهم ليس لأنه الأفضل، بل لأنه أفضل الخيارات المطروحة، حيث قامت نقابتهم بتنفيذ القرار في نفس العام الذي صدر فيه، وفي خطوة مماثلة – ويبدو أنها من باب رد التحية للحرفيين بأحسن منها – صُدق لهم بعدد 58 كشكاً، لكنها إلى الآن تصاديق على الورق ولم تر النور.
قضية ترحيل الحرفين إلى مكان آخر هي فكرة انتابت المسؤولين الحاليين بمحلية الخرطوم، وبدأ مسلسل جديد أعاد إلى أذهان المستهدفين حلقات المسلسل السابق الذي أسدل ستار آخر حلقاته بتنفيذ قرار الرحيل المر إلى منطقة شارع الغابة الحالية، فهل سيفارق الحرفيين منطقة الغابة إلى الأبد لمنطقة أخرى انصياعاً لأوامر محلية صادرة من محلية الخرطوم عبر لجنة اعترض عليها الحرفيون أنفسهم؟ ورغم ذلك فُرضت عليهم وأصبحت لجنة الأمر الواقع وتم التعامل معها إلى حين، وتلك كلها إشكالات تواجه قطاع مهم تم تقنينه للاستفادة من خبراته.
قرارات مجمدة..!!
القرار بتشييد 58 كشكاً والصادر من معتمد محلية الخرطوم السابق عبد الملك البرير يبدو أنه لم ينفذ أو ربما وضعه البرير ضمن أشياءه الخاصة عند مغاردته للموقع وبقي نسياً منسياً وإلا لماذا لم تنفذ المحلية القرار الصادر من المعتمد السابق، وشرعت في ترحيل الحرفيين من منطقتهم الحالية إلى منطقة مجهولة المصير وتعج بلافتات التحذير، سؤال ربما تستعصي الإجابة عليه من قبل السلطات لكنها ضرورية لتبرير ما يحدث لقطاع كادح يساهم في نهضة البلاد التي تسعى لاستكمال النهضة، فمسؤولية تنفيذ القرار تبدو مشتركة بين عدد من المعتمدين السابقين من بينهم عبد الملك البرير ومحمد الختمي والسيدة حكمات، لكن وحسب أقوال معظم الذين استطلعناهم من الحرفيين أن النية كانت مبيتة أصلاً بترحيلهم إلى منطاق أخرى، لأن المساحات التي يشغلونها حالياً تبدو مناطق صالحة للاستثمار ولربما تنوي المحلية أن تستثمرها لأغراض أخرى.
غابة آمنة..!!
قال لي رئيس مجمع الحرفيين السابق حسن عبدالله يحيى: إن بقاءهم بهذه المنطقة كان بمثابة فرض لسياج أمني بشري على غابة السنط، وقدم الحرفيون للشرطة من خلال تواجدهم خدمات جليلة وكبيرة من باب المسؤولية التي تفرض عليهم ذلك، وفقاً للنص القانوني الذي يقول (مكافحة الجريمة واجب على الكافة) فكان الحرفيون خير عون للشرطة، حيث ساعدوها في فك عدد كبير من الجرائم التي تقع في تلك المنطقة وبسرعة كبيرة، فقد عمد الحرفيون على ضبط عدد من المجرمين متلبسين بسرقة وخطف هواتف سيارة وحقائب سيدات وسرقات أشياء ثمينة بالإضافة إلى ضبط من يمارسون الدعارة في وسط الغابة وبعض مروجي المخدرات داخلها، ثم أن حركتهم في حد ذاتها فرضت رقابة غير مباشرة على تلك المنطقة المقطوعة المهجورة، لذلك كله ولمنافع ذاتية للحرفيين طالبوا ببقائهم في تلك المنطقة وعدم ترحيلهم منها.
قرارات متضاربة..!!
في العام 2013 شكلت لجنة من وزارة التخطيط العمراني زيارة إلى موقع الحرفيين بشارع الغابة برئاسة (نعمات ) ودفعت اللجنة بعدد 59 استمارة للحرفيين، حيث قاموا بتسجيل بياناتهم عليها وسلموها، وفي العام 20014 كونت لجنة أخرى من بعض الحرفيين وبعد شهرين من تكوينها دعت لجنة الحرفيين إلى اجتماع وبلغت عضويتها بقرارات صادرة من وزارة التخطيط العمرابي بنية ترحيلها للحرفيين جنوب مقابر الرميلة فيما كبَّر الحرفيون وهللوا للقرار لكنهم تفاجأوا بعد شهر من الزيارة للموقع أن لجنتهم تسلمت موقعاً آخر جوار مقابر الصحافة مبررة ذلك بضيق موقع الرميلة أولاً، وثانياً أن بعض الحرفيين لم يتسلموا استمارات وتمت معالجة لهم واستيعابهم، والمعالجة الأخيرة فرضت عليهم الانتقال إلى موقع آخر يستوعب الحرفيين جميعاً، ثم ذات اللجنة عقدت اجتماعاً آخر مع الحرفيين وكشفت فيه عن مقابلة أجرتها مع مدير الاستثمار بالمحلية الذي بدوره كشف للجنة عن تكلفة الموقع البالغة 8 مليار جنيه سوداني بالقديم، تم الاعتراض على المبلغ، لكن الجهة أصرت عليه وفرضت على الحرفيين دفع مبلغ 40 مليون تسلم خلال شهرين، بيد أن الحرفيين ناهضوا القرار عبر لجنتهم التي طالبت بتخفيض القسط الأول، حيث أفلحت اللجنة في تخفيضه إلى 20 مليون جنيه، واتضح فيما بعد أن التكلفة الكلية للموقع 12 مليار جنيه وليست 8 مليار، وفرضت رسوم على الدكان الواحد بلغت 150 مليون جنيه ـ كل المبالغ بالقديم ـ وبعد مقابلات كثيرة لعدة جهات تم تخفيض مبلغ الدكان الواحد إلى 120 مليون جنيه.
تجميع المبالغ..!!
يقول الحرفيون: إن اللجنة جمعت مبالغ مالية بعد أن قسمت المستهدفين إلى فئات فئة تم تحصيل مبلغ 20 ألف وفئة 15 ألف وفئة 10 آلاف بايصالات مالية مكتوب عليها جمعية الحرفيين برسوم خدمات أي لم يتم التحصيل بأورنيك 15 وسارعت اللجنة بإصدار قرار يقول: إن كل من لم يسدد المبلغ خلال 15يوماً سيفقد حقه. وبناءً على هذا القرار تحركت مجموعة من الحرفيين إلى المحلية وأفلحت في مقابلة المدير التنفيذي واستفسرته عن طبيعة ملكية مقارهم الجديدة، هل ستصبح ملكاً للحرفيين أم ملكاً للمحلية، وكان رد المدير التنفيذي أن كل الدكاكين داخل الموقع ملك للمحلية، وأن الحرفيين بمثابة مستأجرين من المحلية وفق لعقودات إيجار وأن المبالغ التي دفعها الحرفيون هي عبارة عن رسوم تشييد للموقع الذي سيبني من أعمدة خرسانية وطوب وأبواب سحاب. وقال المدير التنفيذي للحرفيين: إن الأرض أصبحت ملكاً للمحلية بعد أن وافقت وزارة التخطيط العمراني على تخصيصها، وذلك نفسه ما قال به معتمد الخرطوم الذي قابلته اللجنة أمس الأول في مكتبه، وأوضحت له رفضهم القاطع للموقع للأسباب التي ذكرناها في متن هذا التحقيق.

تعليق واحد

  1. في بعض البلدان هناك اسواق للاشياء المستعملة من ادوات صحية واجهزة واثاث منزلي يسمي حراجا كما في السعودية وهو يشبه الدلالة عندنا لكنه يفتح ابوابه يوميا لذا المفروض ان تخصص لهم المحلية مكان يتم اختياره بعناية يخطط ويسور وتبني به محلات (دكاكين) مع توفير المداخل والمخارج الخدمات من مرافق صحية ومسجد مع ساحة كبيرة مضاءة للدلالة يعني يمكن دمج سوق الاغراض المستعملة مع الدلالة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..