إصلاح الجامعات : خدمة المجتمع

بسم الله الرحمن الرحيم
الحديث عن خدمة مجتمع ” يأكله الفقر ويحاصره المرض ويطويه الجوع” مهم للغاية ، في مجتمعنا السوداني الرفاهية التي ننشدها نامت تحت التخدير إن لم نقل ماتت وقد توارت دعوات التقدم عندنا ، حتى ظننا كمجتمع أن زمام الأمور قد أفلتت من بين أيدينا ، الشئ الذي دفعني دفعا للكتابة والعمل على إحياء دور الجامعات لتلعب دورا حيويا عبر ما يطلق عليها خدمة المجتمع.
تعد خدمة المجتمع الوظيفة الثالثة للجامعات بعد التدريس والبحث العلمي ، وثمة علاقة تلازمية بينها أقل ما توصف أنها متشابكة ومتداخلة ، فما تقدمها الجامعة من بحوث تستخدم نتائجها في حل مشكلات المجتمع وترتبط ذلك بعملية التدريس كتطبيق عملي للطلاب ، فلذلك الأستاذ الجامعي باحث يستخدم نتائج أبحاثه في خدمة المجتمع ويقدم تلك التجربة لربط النظرية بالتطبيق في تدريس طلابه .
وخدمة المجتمع هي مسؤولية اخلاقية تقع على عاتق الجامعات قبل أن تكون وظيفة ، وقد أولت الكثير من الجامعات العالمية والعربية إهتماما لافتا لهذه الوظيفة وجعلت لها عمادة مختصة في هذا الشأن حتى تتمكن من القيام بهذه المهمة بصورة مخططة ومهنية ، حيث تقوم العمادة بتصميم برامج وأنشطة المسؤولية الاجتماعية وإقامة المؤتمرات والندوات التي تسهم في تبادل الخبرات مع الشركاء للقيام بهذا المهام على أكمل وجه.
لا شك أن خدمة المجتمع تعد وظيفة ذات تكلفة عالية حيث تحتاج الي ميزانيات ضخمة وجهود جبارة وعمالة مؤهلة وماهرة ولهذه الأسباب مجتمعة أصبحت الجامعات السودانية خاصة الولائية رغم الحاجة الماسة لخدماتها في محيطها المحلي أصبحت تتنصل وتتخلى بصورة تدريجية وطوعية عن هذه الوظيفية الضرورية للمجتمع حتى ظننا أن هذه الوظيفة أوشكت للزوال ، حيث إن أبسط الخدمات المجتمعية تفضح تواضع خزنتها المالية ، لكن كما يقال أن المال وحده لا يغير قناعة ولا يوهن عزيمة إن وجدت.
والحقيقة المرة التي يجب أن نواجهها هي أن الجامعات السودانية مغلولة اليد والإرادة وتعاني إداراتها من ضعف مزمن في التفكير السليم لخدمة المجتمع ، وأعلم أنني حشرتها في الزاوية الضيقة للحقيقة المرة.
هذا البطء في خدمة المجتمع الذي تعاني منه جامعاتنا ليس بسبب عجزها الفطري عن إدراك هذه المهمة والقيام بالدور المرجو وإنما نتاج طبيعي للظروف التي تعيشها هذه الأيام ، لكن بقليل من الجهد والتفكير ستتمكن من تجاوز هذه المتاريس والعجز لتواصل مسيرتها المجتمعية.
صحيح هذه الخدمة مكلفة لكن لابد من الإيفاء بحق المجتمع على الجامعة وإبراز روح التحدي وإستدعاء مسؤوليتنا الأخلاقية تجاه مجتمعنا ، كما أن هنالك عدة برامج تعد سهلة نسبيا وذات تكلفة أقل وهي توعية المجتمع ورفع قدراته بالتدريب المستمر ” لخلق مواطن مسئول مجتمعيا ومبادر في خدمة المجتمع” خاصة في ظل هذه الموجة العارمة من الفوضى والتخريب في جل مناحي حياة المجتمع ، فعلينا أن لا نقف مكتوفي الأيدي أزاء من يجري حولنا وأصبح من الواجب حقا التدخل العاجل والناجع لإنقاذ المجتمع من أهواله وسوء أفعاله.
وبإمكان الجامعات إستغلال كل الوسائل التي تمكنها من توصيل رسالتها للمجتمع سواء أن كان ذلك عبر القنوات المسموعة والمتلفزة أو وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها.
وبصفة عامة فإن خدمة المجتمع كوظيفة تقوم على أربعة ركائز هي:
١- التوعية عبر وسائل مختلفة لرفع إدراك ووعي المجتمع.
٢- التعليم والتدريب المستمر والمجاني لتطوير مهارات أفراد المجتمع لتقوية مناعتهم المعرفية وقدرتهم على مواجهة المشكلات .
٣- الرعاية والتنسيق لكل الجهود في هذا المجال.
٤- التحفيز والتقدير لأي عمل في هذا المجال.
ويمكنني تلخيص أهم المتطلبات العملية التي نحتاجها لتلك الركائز في النقاط التالية:
١- على جميع الجامعات إنشاء عمادة أو إدارة خاصة بخدمة المجتمع وتعيين عدد من الباحثين والمختصين في خدمة المجتمع لتولي هذه المهمة ، مع تخصيص ميزانية معتبرة لها.
٢- دراسة وتحديد أولويات خدمة المجتمع المحلي لكل جامعة وشكل المساهمة المرجوة من الجامعة تجاه المجتمع.
٣- رفع وعي المجتمع الجامعي عمالا وطلاب بأهمية المسؤولية الاجتماعية ودورهم في خدمة المجتمع.
٤- تشجيع كل منسوبي الجامعة وإتاحة الفرصة لهم للقيام بمسؤوليتهم الإجتماعية ودعم مبادرتهم.
٥- تنسيق جهود المسؤولية الاجتماعية لكافة المؤسسات في المحيط المحلي وخلق شراكة بينها والجامعة لتمويل وإسناد مبادرات الجامعة لخدمة المجتمع.
٦- تنظيم مؤتمر سنوي في خدمة المجتمع يشارك فيه كل قوى المجتمع المحلي للتفاكر حول تحديد أولويات المجتمع وسبل تنفيذها.
٧- توجيه كافة مراكز وكليات الجامعة لتصميم وتخطيط برامجها وانشطتها في خدمة المجتمع وتقديم رؤية متكاملة لشراكاتها النوعية في هذا الصدد.
٨- إقامة يوم مفتوح للتطوع برعاية الجامعة وشركائها لشحذ همم وطاقات المؤسسات والأفراد لخدمة المجتمع.
٩- تخصيص مناطق بعينها كنماذج تقوم الجامعة بتقديم خدمة نوعية لها.
د.محمود محمد عبد العزيز
٢٨ / ٨ /٢٠٢٠
جامعة نيالا