أخبار السودان

“كشفتو حالنا”

يحتفي العالم هذه الأيام باليوم العالمي لكافحة الأمية.. وفي هذه المناسبة لابد من وقفات في محطات نتأمل فيها واقعنا البائس بكل اسقاطاته وبؤسه الذي صنعته أيدينا…

الأمية في بلادنا ستظل تتوسع في المساحات الفارغة وتمد رجليها، مثلما فعل أبو حنيفة حينما أتاه الخبر اليقين من أمر “الجهلول” الذي سأل فانكشف أمر جهالته وضحالته فقال ابوحنيفة قولته المشهورة : (آن لأبي حنيفة أن يمد رجليه)..

فآن للأمية أن تمد رجليها، وقد استعصى علينا قطع شأفتها وبتر أورامها السرطانية، وهي تتفرج على جهالتنا، بينما قادتنا يصطرعون على المواقع والكراسي، ويسمونها مجازا (كيكة)، نعم لكنها كيكة صغيرة تتكاثر عليها الأيدي كما لو ان سهاماً وأنصالاً في يوم كريهة وسداد ثغر..

آن للأمية ان تتمدد في مساحات الخواء الفكري، والتفكير النمطي الذي يغذيه العقل الرعوي، وفي المساحات التي زرعتها الأيديولوجيا والمصالح الحزبية والمنافع الذاتية، وكان حصادها جهلاً وأمية.. وتسرب الطلاب، وحرمان الأطفال في مناطق كثيرة من حق التعليم. الآن هناك ــ حسب آخر إحصاء في الخرطوم وحدها ــ “123” ألف طفل لا يتلقون أي تعليم…

أما تسرب الطلاب من المدارس أصبح هو الحبل السري الذي يغذي الأمية في السودان.. ويكفي أن نقول إن الإحصائية التي تجري حالياً كشفت عن تسرب مليون طالب بالخرطوم وحدها، حيث اتساع فرص العمل وخدمات التعليم والصحة، ولكم ان تتخيلوا كم هي أعداد المتسربين في ولايات يشتعل فيها أوار الحرب والنزاعات القلبية، ويكثر فيها النزوح، ويفترسها الفقر، وتتضاءل فيها فرص العمل، ويتعاظم فيها الفقر…

الفقر هو الآخر المعين الصادق لتمدد الأمية في المساحات الفارغة.. وهو البيئة المناسبة والتربة الخصبة لنموها وانتشارها…

لذلك أي حديث عن مكافحة الأمية بمعزل عن تجفيف منابع تسرب الطلاب، وفي ظل اتساع رقعة النزاعات والحروب ونتائجها من نزوح ولجوء سيكون ضرباً من ضروب التنظير الذي (يتاور) المنظرين في مواسم الاحتفاء بمكافحة الأمية.. وأي حديث عن مكافحة الأمية في ظل انتشار الفقر بين السكان يبدو كما الحرث في صفوان عليه تراب أصابه وابل فتركه صلداً.. ثم بقى ان نذكر حقيقة مؤلمة وهي أن العالم اليوم يعتبر ان كل من لا يجيد التعامل مع الحاسوب والتقنيات الحديثة و”الرقميات” فهو أمي بطبيعة الحال، ونحن نتحدث عن فك الخط.. أكيد العالم من حولنا كشف حالنا، كما كشفت (عشَّة حال الكاشف) كما في الطُرفة التي يتندر بها الشعب السوداني.. اللهم هذا قسمي فيما أملك…

نبضة أخيرة:

ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك في كل حين..

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..