
نعم منبر جدة الذي يدور فيه منذ بدء الحرب حوار الطرشان . مأمل فيه انه سيفضي عن قريب الي تفاوض جاد ملتزم . هذا المنبر مرشح لمناقشة جذور المشكلة السودانية التاريخية بأبعادها العميقة المعقدة . وعشم كل السودانيين فيه انه سينتهي بسلام حقيقي شامل يلبي ويرضي رغبات وطموحات كل أهل السودان .
الحرب في السودان في اسبوعها الاول بعد المئة يوم . اكثر من مئة يوم والحرب تخطو خطواتها المتسارعة في شهرها الرابع . تتقدم الحرب الي الامام قدماً لا تأبي كثيراً بما خلفته من اثار خراب ودمار في البني التحتية في الناس في الحجر . الحرب لا تعير ادني اهتمام بالقتلي والموتي من الجانبين ولا بالمدنيين . ولا يهمها العالقين في منازلهم ولا ظروف النازحين بيوتهم تراودهم حنين اشواق العودة اليها . الاطفال الكبار يموتون جوعاً ولا تجد جثامينهم طريقاً أمناً الي المقابر .
حرب السودان هذه المرة تختلف عن سواها وما عداها من جميع الحروب السودانية السابقة . والسودان وطن الحروب بدأ لم يهنأ بالسلام وكله عمره الطويل المديد كانت حروب في حروب . الشعب السوداني لم يعيش يوماً بسلام وأمان واستقرار . والخرطوم دائماً ولا تزال هي أم الحروب وهي تفاخر بها . وكلما أطفت حرباً هنا تبجحت بأشعال حرب أخري هنالك . وهكذا دواليك تستمتع الخرطوم بلعبة الحروب تتلذذ بها كما يتللذ الاطفال عند تناول الشوكلا والايسكريم .
كل العواصم الافريقية العربية والقريبة كما العواصم الغربية البعيدة تشهد انها كانت في يوم ايام الله . تهشد انها كانت مسرحاً للفرقاء السودانيين الباحثين الساعيين عن السلام عندهم . صناع الحروب السودانيين يفجرونها في وطنهم ومن ثم يتركون الوطن يتضجر بدمائة ليتوسلوا السلام في اوطان غيرهم . نتمني ان يكون السودان يوماً من الايام وطن سعيداً ينعم بالسلام والأمان والاستقرار والتقدم والازدهار . نتمناه قبلة للأخرين يحجون اليه طلباً لسلام أوطانهم هذا ان وجدت الكون أوطاناً لا زالت ترزح في جاهيلة الحروب . لا اظن بوجد اوطان تكره وتحارب شعوبها كما يحدث دائماً عندنا هنا في السودان . ومن العواصم التي شهدت اجتماعات ولقاءات السودانيين لأجل السلام علي سبيل الذكر لا الحصر ابوجا ، اديس اباب ، نيروبي ، كمبالا ، دارالسلام او اروشا اسمرا ، انجمينا وجوبا كما العاصمة الجيبوتية وربما عقدت احداها في مقديشو الصومالية . كما في طرابلس الغرب والقاهرة الافريقيتين العربيتين . عربياً الدوحة ، دبي ، الرياض …. اروبياً جنيف , اسلو ، برلين ، باريس ولندن . الولايات المتحدة الامريكية بكل ثقلها المشهود وكندا وروسيا تركيا وفي عواصم النمور الاسيوية كوالالمبور بخرطومها الجديدة. السودانيين لم يتركوا بقعة في أرض الله الواسعة لم يطأها اقدامهم وأرجلهم سعياً حثيثاً بحثاً عن السلام . والسلام في السودان والباحث عنه يشبه تماماً الباحث عن الماء في صحراء الربع الخالي كلما رأي سراباً ظنه ماء لكنه في حقيقته سراباً وليس بماء .
كل المنظمات والهيئات الدولية الاقليمة وكل منظمات الامم المتحدة المفوضية العامة لحقوق الانسان ، اليونيسيف ، الصحة العالميه ، برنامج الغذاء العالمي ، الصليب والهلال الاحمر اطباء بلا حدود والفاتيكان . كل رجالات العالم وقاداتها من السياسين الكبار والرؤساء المخضرمين وكل الامناء العامين للامم المتحدة وقفوا ويقفون قلباً وقالباً مع السودان ، والسودان لا يقوي علي الوقوف ولو مرةً واحدةً مع نفسه لمجابهة ازماته متراكمة ومحاولة حلها .
السودانيين مصابون بداء الفِصام (ألشيزوفرينيا) لذلك تجدهم يكرهون انفسهم يكرهون بعضهم بأمتياز يكرهون حتي وطنهم . فبينما المصريين يقولون أحبك يا مصر تجد السودانيين يقولون الله يلعن ابو السودان . وللسودانيين خاصية تخصهم وحدهم في انبات بذور الكراهية ولهم تجارب وخبرات طويلة يحسدهم عليها امم وشعوب العالم اجمع . حارب السودانيين الشطر او الجزء الجنوبي من بلدهم لأكثر من نصف القرن بعنف وشراشة صابيين عليهم كل جامات غضبهم ونيران اسلحتهم وحقدهم العنصري البغيض كل اللواءات العسكرية بمسياتها المختلفة حشدت وسيرت باتجاه الجنوب المجاهدين الدبابين سيف العبور المراحيل والدفاع الشعبي وو … الخ . حرب ضروس ابتدأت قبيل فجر استقلال السودان لينتهي مع بزوغ فجر استقلال دولة جنوب السودان الوليد كأحدث دولة في العالم . ولحرب الشمال للجنوب وجدت فلسفتات وايدولوجيات وبيوت خبره كانت لها من المبررات الواهية كماً لا يحصي . وهذا ما برر للجنوبيين اختيار الانفصال بينما كان الشماليين يرشونهم بلا خجل لأختيار خيار الوحدة الجاذبة كما سموها في الايام الاخيرة والجنوب قاب قوسين او ادني من الذهاب لحاله الي الابد . كان السودانيين يتندرون في مجالس ونساتهم الخاصة قائلين : الجنوبيين ما بيشبهونا في أي شيئ لا في الدين و العقيدة ولا في العادات والتقاليد او حتي في الهوية واللغة والسلوك والاخلاق ولا في البشرة واللون … ترك الجنوبيين السودان او البيت الكبير لحاله ليعيش ان امكن مع نفسه المتشابه في سلام . لكن هيهات هيهات ان يهنئ السودان بالسلام وهو لا يزال في حال فصام الشخصية . فالذي لا يشبه نفسه لايمكن ابداً ان يشبه في يوم من الايام غيره .
وبذات السيناريوهات يحارب النخبة السودانية الشعب في جبال النوبة والنيل الازرق لنحو الاربعين عام . في هذه ايضاً لهم مبرراتهم الجاهزة وتفاسيرهم ومنطقهم الديني العقائدي تفتي تشرع وتسمح لهم بالجهاد ضد شعب النوبة . وتقوم الحرب بلا هوادة ضد المطالبين بحقوقهم المشروعة كمواطنين سودانيين لهم ما لغير من العيش الكريم في وطن من الحقوق العادلة التي تندرج في أبسط مقومات الحياة الانسانية الكريمة السوية . تلك المتمثلة في العدالة والمساواة في الخدمات من مياه وكهرباء وفي التنمية اعماراً مثلهم مثل سائر المدن والريف السوداني في الولايات والاقاليم الاخري . ومن قال انا داير حقي فقد غلب اليس كذلك . نعم ليس كذلك فمن يقول وين حقي في السودان يحسب صوت نشاز يحب ان يحارب حتي يقهر ويدحر . بس الغريب في حروب تلك المناطق هو ان ابنائها المستلبين المأدجلين هم ادوات الحروب وقودها هم نيرانها المشتعلة كالشموع يفنون ذواتهم بذاتهم . فيفلح وبصيد كل العصافير بدون رمية حجر واحد .
بأستقلال دولة جنوب السودان لم تخمد الحرب نيرانها ولم تضع أوزرها في جبال النوبة والنيل الازرق بل لا تزال . اذ اعتبرت تلك المناطق ديار حرب قصير الاجل يسهل فيه الانقضاض علي الاعداء كلقمة سائخة يمكن ابتلاعها بيسر دون ان تشعر بألم في البطن او سوء في الهضم . لهذا لا تزال هاتين المنطقتين خارج سياقات اجندات المركز التفاوضية بغية تحقيق العدالة والسلام العادل .
الغريب في الامر كله قد سمعمت قبيل ايام خبيرا عسكرياً يتكلم من القاهرة عبر فضائية الحدث . اخرج من جوفه هواء مكيفات القاهرة التي هرب اليها من جهيم نيران الخرطوم الحراقة .. تنفس مهدداً متوعداً انهم عقب وبعد الانتهاء من معركة الخرطوم سيتوجهون فوراً الي ولاية جنوب كردفان اقليم جبال النوبة . وكان الخبير الاستراتيجي يتحدث عن المسيرات نوع الطائرات من طراز البيرقدار التركية التي تبلغ عددها في الخرطوم المئة وخمسين طائرة .
قبيل انفصال الجنوب دخلت دارفور في خط الحروب السودانية منذ العام 2003م ومن وقتها لم تعرف هذه البقعة العزيزة من الوطن العزيز طعماً للسلام . كثيرت المنابر التفاوضية وظلت الحرب تستعر يوماً بعد يوم .. فلا سلام ابوجا كان سلاماً ولا سلام الدوحة وغيرها حققت السلام علي أرض الواقع في ربوع وارجاء دارفور . اما سلام جوبا فقد كان سلاماً للمحاصصات قسمت فيها الكعكة والغنائم دون ان يتحقق السلام المنشود في ولايات دارفور الحبيبة . لا سعد شعبها يوماً واحس بالامان بل ظل مكتوياً بالنيرن العدوة والصديقة معاً وهو جلد مؤمن صابر مثابر .
اخيراً يبقي الأمل الكبير والعشم الباقي لكل السودانيين معقود بنجاح منبر جدة التفاوضي واختراق اطراف النزاع في السودان . فالبرغم من مراوحة هذا المنبر التفاوضي لمكانه سيظل هو المنبر الوحيد الصالح حتي والافضل لأخراج السودان من عنق الزجاج . فجدة السعودية هو المكان المناسب الاقرب الي قلوب السودانيين . ذلك لما تمثله المملكه العربية السعودية من الكاريزما القدسية والمكانة الدينية في نفوس السودانيين . هذا بجانب الولايات المتحدة الامريكية بثقلها وبدرايتها وخبرتها وزخم حضورها الكبير دائماً في السودان . الولايات المتحد وهي تمسك بملفات السودان تعرف جيداً كل المداخل والمخارج كما تعرف نقاط الضعف والقوة عند الصقور والحمائم السودانيين اوجد في السودانيين حمائم .
نأمل قريباً ان يتم الاختراق والدخل المباشر في المفاوضات . ومن قراءة أعلان اتفاق جدة الاطاري الذي نتمني ان يعلن فيه وقفاً شاملاً لكل الحروب في السودان . نعم أعني تماماً كل الحروب في السودان كله وليس الحرب في الخرطوم فقط بل كل ولايات دارفور الكبري وكردفان الكبري .. وتلك الحروب الباقية او المؤجلة في جنوب كردفان اقليم جبال النوبة والنيل الازرق كما في شرق السودان ولايات البحر الاحمر كسلا القضارف .
مهم جداً فتح كوي منبر جدة واسعاً لأستيعاب كل الاطياف السودانية المتحاربة المتقاتلة . بما فيهم حركات دارفور الموقعة لأتفاقية سلام جوبا والغير موقعين لها . فقد جرت مياه كثيرة وعبرت تحت وفوق سلام جوبا الذي لم يحقق سلاماً علي أرض الواقع . ومهم ايضاً ادارج عبدالعزيز ادم الحلو وعبدالواحد محمد نور وأهل شرق السودان ايضاً . ومن ثم الدخول في حوار سوداني سوداني كامل الدسم لبحث وحلحلة الازمة السودانية التاريخية من الذور وتحليلها حرف حرف من الالف الي الياء .
كان الله في عون السودانيين جميعاً بسلام حقيقي كامل شامل
• أوقفوا الحرب
ممتاز
الخارج ابدا لن ياتي بسلام حقيقي لانه يقدم العصا والجذرة للمتفاوضين وليس للشعب فهو مخدر مؤقت فقط.