احذروا المثبطين

? في مقالي السابق وصفت الأحداث الجارية في بلدنا هذه الأيام بأنها احتجاجات لم تتبلور في شكل ثورة حتى ذلك الحين.
? وما زلت عندي ذات الرأي رغم أن الأحداث تطورت كثيراً.
? وكل الأمل في أن تصبح هذه الأحداث ثورة حقيقية لا يتوقف ثوارها ولو للحظة عن التعبير عن رفضهم لهذا الظلم والطغيان الذي بلغ حداً لا يحتمل.
? ولكي تنجح ثورتنا المنتظرة لابد من التنظيم والمثابرة والعزيمة كما ذكرت في المقال السابق.
? لا يكفي أن نهلل لما يجري ونصف أمن الحكومة بأقذع الألفاظ، فهؤلاء عرفهم كافة أبناء الوطن بكل الصفات الذميمة وليس في الأمر جديد حين نشتمهم.
? نعلم جميعاً أن ما أطال عمر هذه الحكومة الجائرة هو الضعف التنظيمي للمعارضة وعدم وجود طرح بديل يقنع الشعب السوداني الذي أذاقته الأحزاب التقليدية المر كثيراً.
? لكن بعد أن ضحى بعض الشباب اليفع بأرواحهم من أجل هذا الوطن وكرامته لم يعد مقبولاً أن تستمر هذه الأحزاب في ضعفها.
? ولابد من تنظيم لما يجري.
? كما لابد من دعم مادي ملموس.
? فالكل يعلم أن مواطن السودان لم يعد يحتمل في يومنا هذا أن يتغيب عن عمله ولو ليوم واحد.
? في السابق كان لكل مواطن سناماً يأكل منه في الظروف غير العادي.
? أما اليوم فإن كنا نريد من الثوار أن يستمروا في مهمتهم النبيلة فيجب أن يكون هناك دعماً من جانب الرافضين لهذه الحكومة الظالمة.
? كل رافض يعيش خارج البلد يمكنه أن يرسل دعمه للثوار حتى يوفروا لقمة عيشهم أو معينات ثورتهم على الأقل.
? فمن الصعب أن تتوقع من جائع أن يستمر في التظاهر لفترة طويلة.
? يجب توفير الماء والطعام وبقية معينات الثورة لهؤلاء المحتجين.
? وهذا لن يتأتى بدون تنظيم وبلا توفير أموال.
? أعجبني جداً اقتراح قدمه الدكتور ابراهيم الكرسني يقضي بإنشاء صندوق لدعم عائلات شهداء الاحتجاجات الحالية.
? وأضيف عليه اقتراح توفير احتياجات المحتجين الحالية التي بدونها يصعب الاستمرار.
? المثبطون وما أكثرهم.. داء يجب ألا نفسح له المجال ليفتك بثورتنا المنتظرة ويقتلها في مهدها.
? من يغالي في الخصومة ويبالغ في نقل ما يجري اعتبره مثبطاً، حاله في ذلك حال من يبخس عمل المحتجين ويصفهم بالمخربين.
? فمن يريد أن يتنصر على خصمه لابد أن يعترف بقدرات هذا الخصم.
? لا أعني القول أن الحكومة وأجهزتها الأمنية أقوى من إرادتنا.
? بل العكس هو ما قصدته.
? لكن لكي نوسع فارق القوة هذا ونضمن انتصار ارادة الشعب السوداني لابد أن نكون موضوعيين في تناولنا وتعاملنا مع ما يجري.
? فانعدام الموضوعية أحد أكبر مصائب الشخصية السودانية.
? ولنأخذ حديث الدكتورة مريم الصادق المهدي كنموذج مبسط لتوضيح هذه الفكرة.
? قالت إبنة الإمام- الذي حيرنا بأقواله المناقضة لأفعاله شأنه في ذلك شأن زعيم الختمية ? أن الحكومة استخدمت غاز الأعصاب وأنها اشتمت رائحته وعالجت منه البعض.
? مثل هذا الحديث الضعيف يقع بالنسبة لي شخصياً موقع التثبيط، وذلك لأنه يعطي المواطن انبطاعاً بأن المعارضين أو من يزعمون معارضة النظام القائم لا يقلون تلفيقاً عن أهل هذا النظام.
? ومثل هذه الانطباعات هي التي تجعل الكثير من المواطنين يرددون الحديث الأكثر تثبيطاً من شاكلة ” جناً تعرفه ولا جناً ما تعرفه”.
? فليس مقبولاً ولا منطقياً أن تحدثنا الدكتورة عن استخدام غاز الأعصاب في هذ الوقت المبكر.
? أعلم أنه من الجائز جداً أن يكون لدى الأجهزة الأمنية أي نوع من الأسلحة الفتاكة.
? وليس مستبعداً توفر غاز الأعصاب هذا طالما أن الإيرانيين ظلوا يدربون أفراد جهاز الأمن السوداني على مدى سنوات طويلة ويزودون الحكومة بمختلف الأسلحة.
? لكن ما جدوى غاز الأعصاب إذا كانت الدكتورة مريم ( تشمه) ثم تتمكن بعد ذلك من معالجة من تأثروا به قبل أن تظهر على الهواء مباشرة وتحدث الناس عبر إحدى الفضائيات حوله؟!
? معنى ذلك أن غاز الأعصاب لا يفتك بالناس وبالتالي لا يفترض أن نطلق عليه اسم ” سلاح كيمائي فتاك”!
? استغرب حقيقة لهذا التناقض بين أقوال وأفعال بعض ساستنا.
? فالدكتورة ليست جاهلة ولا سطحية بل هي إنسانة واعية ومثقفة ولابد أنها تعلم تماماً الفرق بين ما يقنع الناس وبين الحديث فارغ المضمون.
? لكنها مشكلة عدم الموضوعية التي نعاني منها.
? ظنت الدكتورة مريم أن مثل هذا الحديث في هذا الوقت سوف يكسبها تعاطفاً كبيراً داخلياً وخارجياً.
? ولم تدر أن مثل هذا الاستعجال ينم عن ضعف وليس قوة.
? كما استغرب لهذه العجلة من الدكتورة التي كنا نراها ضيفة على بعض قنوات هذا النظام وفي برامج يذهب نصفها لأحاديث الذكريات والمواقف الطريفة في حياة الضيف!
? فمتى يصحو ساستنا من سباتهم ويستوعبون أن أموراً كثيرة قد تغيرت؟!
? الشباب الذين يموتون في شوارع مدن السودان المختلفة يريدون حياة أفضل، ولم يخرجوا للشارع لاستبدال كاذب بمن هو أكذب منه.
? نريد تغييراً نحو غد أفضل وهذا الغد الأفضل لن يأتي إلا إذا تغيرت عقليات البعض.
? جميل جداً ذلك الاقتراح الذي قدمه أحد الكتاب بأن نلتف حول الأستاذ الصحافي المحترم فيصل محمد صالح كرمز وطني يوحدنا في مثل هذا الوقت.
? هذا هو ما نريده في هذا الوقت، أي أن يتوحد الناس خلف قيادات واعية لم ترتبط بالنظام الحالي بأي شكل من الأشكال.
? علينا أيضاً أن نحذر المثبطين من الجانب الآخر.
? فما كان يردده الصحافي راشد عبد الرحيم عبر قناة العربية بالأمس من حديث حول الشفافية واعتباره لقتلى الجانبين شهداء بوصفهم من أبناء هذا الوطن، ليس أكثر من محاولة تضليل بائسة.
? فحسب ما يرد من معلومات أن القتلى حتى هذا الوقت يقتصرون على المحتجين دون غيرهم.
? فإما أن يكون راشد وأمثاله أكثر وضوحاً ويقول الواحد منهم أن من خرجوا للشارع رافضين زيادة الأسعار ووجود هذه الحكومة شهداء لأنهم قتلوا بغير ذنب جنوه، أو يكف راشد وأمثاله عن الحديث.
? فاعتبار المقتول والقاتل شهداء ليس منطقياً وهو موقف يعكس تناقض و(تذاكي) من يتبناه.
? لسنا أغبياء حتى نقتنع بمثل هذا الحديث المسيخ.
? فإما أن يكون الواحد مع الحكومة وفي مثل هذه الحالة لابد أن يقف ضد الرافضين لوجود هذه الحكومة.
? أو يكون مع المحتجين ويرفض وجود الحكومة وكافة سياساتها.
? فليس هناك منطقة وسطى في مثل هذه الأوقات يا راشد.
? علينا ألا نصدق أيضاً أن أجهزة الأمن يمكن أن تغلق صحيفة جمال الوالي أو توقفها لأسباب أصيلة.
? فكل ما في الأمر أنها مجرد لعبة ربما تريد بها أجهزة الأمن إرباك المحتجين.
? أو هي محاولة لتوزيع الأدوار وتجهيز بعض عناصرهم لمرحلة جديدة ربما باتوا يشعرون بقربها.
? ففي هذا الوقت يجب ألا تشغلنا سوى ثورتنا التي نأمل في أن تشتعل بأرقى صورة ويكون العصيان المدني هو السلاح الفاعل.
? الحديث عن أن أجهزة الأمن هي من تخرب وتقتل لا أشك فيه.
? لكن ذلك لا ينفي وجود بعض المخربين وسط المحتجين أنفسهم.
? فعاصمتنا على وجه التحديد أمتلأت حتى فاضت بالسكان من مختلف الجنسيات والأعمار والمستويات التعليمية.
? والموضوعية تقتضي أن نعترف بأن هناك من يجهلون معاني الثورات ويعتقدون أنها فرصة للممارسة الفوضى وكل ما هو ممنوع.
? فعدم اعترافنا بمثل هذه الأمور سيقف حائلاً دون القضاء على أي محاولات تخريب في مهدها وقبل أن تفلت الأمور.
? نحن لا نريد لسوداننا أن يتحول لصومال أو عراق جديد.
? وهذا يتطلب وعياً أكبر ورفضاً لأي فعل يحركه الثأر والانتقام.
? وختاماً أقول أن مشهد تلك السواطير والسكاكين الذين نقلته إحدى قنوات التيه السودانية كان مقززاً ومخجلاً.
? قالوا أن الأجهزة الأمنية قبضت على عدد من المخربين ( عصابات النيقرز) وصوروهم لنا وكل واحد منهم يرفع ساطوره على أعلى كأن في عيوننا رمد وأننا ما كنا سنراهم ولو امسك كل واحد منهم بذلك الساطور دون أن يرفعه لأعلى بتلك الطريقة المكشوفة!
? اليوم فقط أدركت الأجهزة الأمنية أن هناك عصابات تسمى بالنيقرز! رغم أن هؤلاء ظلوا يفتكون بالمواطنين على مدى سنوات دون أن تفعل هذه الأجهزة الأمنية حيالهم شيئاً.
نقطة أخيرة:
* وصلتني رسالة من قارئ يقول فيها ” افتقدنا كتاباتك في الرياضة ونحن نراك تتحول لكاتب سياسي هذه الأيام والله يجازي الكان السبب.. استوقفني الجزء الأخير من عبارة القارئ ” الله يجازي الكان السبب ” لأنها تعكس عمق فهم واستيعاب القراء.. وأنا لم أتحول كاتب سياسي يا صديقي لكن الكتابة حول الرياضة في مثل هذا الوقت انفصام لا أقوى عليه وهو فعل لا تقدر عليه سوى قنواتنا الفضائية البائسة التي تتحفنا كل يوم ببرامج المنوعات والترفيه واللقاء القديمة وكأن شيئاً لم يحدث في بلدنا.

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. لا بد لنا من إستيعاب الدرس ؟؟؟ لا مجال للأسر الكهنوتية تجار الدين القدامي بقايا الإستعمار والذين يمارسون العبودية حتي الآن ( والذي لا يصدق فليذهب الي قصورهم ومزارعهم ليجد كم هائل من الخدم والحشم الذين يعملون بدون أجور أو حقوق في القرن ال21 قرن حقوق الإنسان الموقع عليها السودان )وريسنا الكلب المحموم المجرم لا يلتزم بأي إتفاقيات دولية أو إنسانية ؟؟؟ والآن عديم الإنسانية يقتل في النساء والطلاب العزل متجاهلاً غضب الحليم ؟؟؟ ومن محن السودان أن كبير الدجالين الترابي وعراب إنقلاب البشير الآن يدعي الوطنية وأصبح معارض ؟؟؟ والثورة إنطلقت ولا رجعة في ذلك وثورة ثورة حتي النصر ولا كهنوت وأسياد بالقصر ؟؟؟

  2. الأخ الكاتب الكريم /

    الأستاذ كمال …

    تحية طيبة ،،، وبعد …

    لدي تعليق بسيط على جزئية …

    كلام ( الست مريم ) الصادق المهدي …

    أعذرني لعدم إستخدام لقب ( دكتورة ) …

    لأني أشك في صحة هذا اللقب …

    لأن من يحمل لقب مثل هذا يجب عليه إحترام …

    نفسه أولاً ومن ثم إحترام الشهادات العلمية …

    التي تحصل عليها في سبيل هذا اللقب …

    وأصبح في سودان اليوم كل من هبّ ودبّ …

    يحمل هذا اللقب الذي كان يأتي ( بشقّ الأنفس ) …

    أولاً :

    ياأستاذي الفاضل هذه الأحزاب …

    مازالت تتعامل مع المواطن السوداني …

    بعقلية السيد والتابع …

    لذلك فهم يخاطبوننا بأسلوب السذاجة و ( البلاهة ) …

    ثانياً وأهم :

    أن هذا الوطن لم يعد بحاجة لحكم الطائفية …

    والحزبية والجهوية والقبلية التي أنهكت …

    وشردت هذا الشعب الصابر في أرجاء الأرض …

    فكما تفضلت وذكرت وشاهدنا بأم أعيننا …

    وعايشنا أحداث القتل من عصابة المؤتمر الوطني …

    فهذه ثورة الشباب …

    فلا تبخسوا الناس أشياءهم …

    قلت كلامي هذا لأني أحسست من كتابتك …

    أنك منحاز ولو ( نسبياً ) لحكم الأحزاب الفاشل …

    الذي أودى بحياة الوطن ومكّن لأمثال هؤلاء …

    أن يحكموا السودان …

    أخيراً : والأكثر أهمية …

    نرجو عدم إقحام الأحزاب على شاكلة …

    حزب الأمة والإتحادي وغيره من الأحزاب الهرمة …

    التي أكل عليها الدهر وشرب …

    في هذه الإنتفاضة المجيدة …

    لأنهم أبعد مايكون عن قضايانا الوطنية …

    وهمومنا المعيشية …

    ختاماً :

    عاش السودان حراً مستقلاً …

    عاش تلاحم قوى الثوار السودانيين …

    عاشت الإنتفاضة السودانية رمزاً للصمود …

  3. العصيان المدنى يبدأ بعد استلام الموظفين رواتبهم … هذا النظام الدموى المجرم لن يقوى على الصمود اكثر من اسبوع على الاكثر بالعصيان المدنى وبقاءالمواطنين فى مناطقهم وعدم شراء المحروقات هم نوع من العصيان المدنى هو من المعينات لان النظام يعول كثيرا على المبالغ التى تأتيه من بيع المحروقات لتمويل آلته القمعية الدموية … هذه الفرصة الذهبية لاقتلاع هذا النظام الدموى المجرم الفاسد والتى طال أنتظارنا لها وعلى المواطنين استغلالها وعدم التفريط فيها بسماع الابواق المحبطة … واذا بقى النظام بعد هذه الهبة المباركة وهذه الدماء الذكية الطاهرة الغضة التى سالت مهرا للحرية سوف( يركب ويدلدل رجليه )وعندها لن نستطيع أن نقول بغم
    دعاء : اللهم ياقوى ياجبار ياعزيز ياقهار زيل عنا هذه الطغمة وهذه الغمة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..